الفيدرالية للجميع والخلافات تستمر
الحالة الكردية السورية صراع الإعلام والأعلام
مصطفى عبدو
ما يحصل في مجالسنا الآن هو حوار يبدأ ثم ينتقل فجأة الى جدل يرتفع فيه الصوت بين اثنين كل يريد أن يؤكد وجهة نظره هو، ويستميت من أجل فرضها على الآخر المتحاور معه وهو نوع من انتصار الذات فيخرجون جميعا من أدبيات الحوار ويقعون في خطأ الفرقة والانقسام والتشنج والانفعال، ولو أدرك كل متحاور إن لا احد يملك الحقيقة المطلقة لاقتنع الجميع إن الرأي والرأي الآخر تبقى وجهات نظر ولا يمكن بناء حوار حضاري ونحن تسيطر علينا مقولة إن لم تكن معي فأنت ضدي فهذه مقولة تعكس حالات سلوكية معادية للحياة المتوازنة ونجد بعض المجالس الآن تفتقر إلى ابسط مقومات الحوار سواء في أسلوب أو طريقة التناول في الحوار وتغليب الانتصار للرأي الشخصي وعدم الإصغاء للرأي الأخر.
و إلا فكيف يمكن أن نصنف ما أصاب الوضع السياسي في سوريا و روج آفا من ” إنهاك” ؟ و كيف تم تفريخ العدد الهائل من الأحزاب التي أصبح ينطبق على بعضها وصف نقابات ” اتحادات ، جمعيات “؟ وكيف يمكن تفسير ما آلت إليه الأوضاع المجتمع بكرده وعربه وسريانه وغيرهم من انتشار الفئوية و انتشار أسلوب “التنسيقيات” و “الجمعيات” و”الأحزاب”؟ ألا يسمح ذلك بخلط أوراق الصراع ، و تعويم الملفات المطلبية ؟
كان البشر منذ الخلق أجناساً متنوّعة في أعراقهم وأصولهم، وقد نشأ نتيجة هذا التّنوّع اختلاف بين النّاس، فكلّ أمّة من الأمم تسكن بقعة جغرافيّة معيّنة وتجمع أفرادها سمات وخصائص وقواسم مشتركة، وإنّ هذا التّنوّع والاختلاف أغنى الحياة الإنسانية بشكل كبير وجعل من البقعة المتنوعة من الأرض لوحة فسيفسائية يعجز امهر الفنانين من رسم ملامحها الجميلة ، فترى كلّ أمّة من الأمم أو كل مكون يسعى للتّعرف على الأخر والاستفادة من ميراثه وتجربته الإنسانيّة، كما تتبادل الأمم المعارف والعلوم والحكم فيما بينها وتتعلّم كلّ ما هو جديد ونافع وتسخّره لصالحها. فالاختلاف حالة صحيّة تغني الحياة الإنسانيّة وينبغي التّعامل معها بأساليب ومنهج حكيم حتّى لا يتحوّل الاختلاف إلى تصادم وتناحر وهنا تكمن المشكلة، وحتّى نتعامل بحكمة مع الاختلاف علينا مراعاة ما يلي: أن يكون الاختلاف بين النّاس وفق آداب الحوار والنّقاش حتّى لا يتحوّل إلى خلاف وان يكون هذا الاختلاف لمصلحة المجتمع لا للمصالح الشخصية أو لمصلحة من يريد هذا الاختلاف، فالمختلفون في أفكارهم وأهدافهم ومعتقداتهم تراهم على الدّوام يتمسّكون بنهج الحوار أسلوباً لتبادل ما عندهم وما يختلج في نفوسهم، وإنّ هذا الأسلوب هو الضّمانة الوحيدة لعدم انحراف بوصلة الاختلاف إلى نقطة الخلاف والتّصادم. يجب أن لا يتكبّر الإنسان على مخالفيه فيرفض كل ما لديهم من أفكار ومعتقدات أو رؤى مختلفة في هذا الجانب أو الأخر، فعلى الإنسان أن يدرك حقيقة أنّ رأيه قد يكون صواباً يحتمل الخطأ كما قد يكون رأي مخالفه خطأ في نظره قد يحتمل الصّواب، وإنّ النّقاش والاستماع إلى الآخر هو وحده الكفيل بإدراك الحقّ والصّواب حين يقدّم كلّ واحدٍ أدلته ويعرض منطقه، كما ينبغي على الإنسان أن يدرك بأنه ليس معصوما عن الخطأ وبالتّالي عليه أن يستمع للآخرين ولو كانوا مختلفين معه في الفكر لعلّ الحقّ يكون عندهم. هذا ويمكن الاستفادة من الاختلاف والتّنوع بين النّاس في تكوين فكرٍ جديد يجمع تلك الأفكار كلّها، فقد يقدّم كلّ إنسان فكرة معيّنة مختلفة عن الآخر ويقدّم غيره فكرة أخرى ليتمّ بعدها عرض تلك الأفكار ومزجها مع بعضها البعض لتكوين فكرة إبداعيّة جديدة، ولعلّ العصف الذّهني هو من وسائل تسخير الأفكار المختلفة في سبيل الوصول إلى هدفٍ معين ونقطة مشتركة.هذا بالضبط هو مبدأ الفيدرالية التي يسعى إليها أبناء روج آفا فبموجب مثل هذه الفيدرالية يتمكن الجميع من طرح أفكارهم بحرية ومناقشة أي مسألة تتعلق بالشأن العام. الفيدرالية القادمة يا سادة للجميع وللأفضل..وهي تعني إن مجموعة من الناس يتفقون على عقد إجتماعي ينظم خلافاتهم، وأختلافاتهم، في ظل قانون يحترم المميزات والخصائص لجميع المكونات والأطياف المنضوية تحتها ، ويميز الفوارق بينهم على أساس الإلتزام بالحقوق، وأداء الواجبات.[1]