طفولة بائسة على طرق الهروب من الحروب
الغالبية العظمى من 65 مليون لاجئ خلال عام 2015 م كانوا قاصرين ولم تتجاوز أعمارهم 18 عاما، انها وصمة عار ومأساة انسانية وطفولة بائسة لا يمكن توصيفها بتأليف مائة كتاب، وصمة دامغة على جبين المجتمع الدولي والامم المتحدة وكل الدول بل وعلى جبين كل انسان يشعر بانسانيته ويقف متفرجا على هذا المأساة الانسانية التي لم تعرف البشرية مثيلا لها.
قامت الهيئة المنبثقة الخاصة باللاجئين والتابعة للامم المتحدة، قامت يوم الاثنين الماضي باحصاء عدد اللاجئين خلال عام 2015 م وتدل الارقام المرعبة بأن العالم أصبح مجنونا وفي فوضى كبيرة وسيستغرق الامر طويلا لاعادة المياه الى مجاريها.
هذه سابقة في التاريخ البشري وفي تاريخ الامم المتحدة من حيث اعداد اللاجئين في العام الماضي والذي تجاوز 65 مليونا، وهذا العدد الهائل من البشر الذين تركوا أماكن سكناهم بسبب عدم وجود الامن والامان وبسبب الصراع من أجل البقاء في الحياة تشكل أرقاما صادمة، والغالبية من هؤلاء يبحثون عن الحماية في البلد الاصلي وينزحون الى أماكن أكثر أمانا، وثلث هؤلاء يخرجون خارج أوطانهم وبلدانهم ومن هذا الثلث يهاجر قسم بسيط منهم الى اوربا والدول الغربية.
ان حجم مساعدة اوربا الغنية لهذا العدد البسيط الذي التجأ الى اوربا تكاد لا تشكل شيئا لقارة اوربا الغنية، وهنا تتستر وتغض الاحزاب القومية الاوربية الطرف عن ذلك ولا تشير الى ذلك عن قريب او بعيد، بل انها تتخذ من اعداد اللاجئين مطية في سبيل كسب مزيدا من أصوات المتطرفين الاوربيين في الانتخابات وكل ذلك على حساب آلام وعذابات ودم اللاجئين الذي حول مياه البحر الابيض المتوسط الى لون احمر نتيجة لغرق عشرات الآلاف فيها.
لو نظرنا الى اعداد القاصرين مثلا في معسكرات الاردن وكينيا فالامر متشابه فاعدادهم تشكل أكثر من نصف اعداد اللاجئين.
أن تكون قاصرا وعمرك لا يتجاوز 18 عاما وطفولتك هاربة على طرق عديدة وتحت أخطار محدقة بسبب الحروب وخطر الموت فهذا أمر جلل ومصيبة وكارثة انسانية يتحمل مسؤوليتها كل شخص يعيش على وجه البسيطة ولا يهتم بهذا الامر وخاصة ان الهروب والمرور في البلدان والجبال والبحار يشكل خطرا كبيرا على القاصرين وخاصة عندما لا يكون أولياء أمورهم يرافقونهم بمعنى انهم غير محميين حتى الوصول الى البلدان الذين يلتجأون أليها.
الاطفال القاصرون وبدون حماية أولياء الامور هم ضحايا سهلة لشبكات وتجار البشر وتتعرض البنات الصغار القاصرات الى خطر الزواج القسري والاغتصاب في معسكرات اللجوء في آسيا وافريقيا بشكل خاص، كما أن الشباب ايضا معرضون لخطر الاغتصاب والاستغلال الجنسي والاستخدام والعمل في أعمال لا تناسب اعمارهم وتقضي على طفولتهم.
الاطفال الذين وُلدوا منذ بداية (الثورة) السورية في آذار عام 2011 م يتجاوز الآن أعمارهم خمسة سنين وهم لا يعرفون معنى الامن والامان ومعنى الوقاية من الاخطار وعند ولادتهم وفتح أعينهم هم يعيشون مع الحرب وتتلخص كل طفولتهم بالصراع من أجل البقاء حيا، وهنا تنمو طفولة محرومة من أدوات الطفولة، طفولة مجروحة بالآلام النفسية والجسدية والعاهات الدائمة.
ما هو مستقبل هؤلاء الاطفال؟ هل سيتعلمون في المدارس؟ هل أن التعليم بالنسبة لهم تشكل رفاهية في معسكرات اللجوء في تركيا والاردن والعراق وكوردستان ولبنان مثلا؟ ما هو مستقبل ذلك الجيل في السنين القادمة؟
مثلما ذكرت كل انسان يسمي نفسه انسانا يجب أن يكون مسؤولا عن تربية ومستقبل هؤلاء الاطفال والمسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق الدول الغنية وخاصة الذين لا يقومون بدفع الاموال اللازمة لرعاية وتربية هؤلاء القاصرين ليتمتعوا ولو بنوع بسيط من طفولتهم الضائعة، الشيء المهم هنا هو انه ينبغي على المجتمع الدولي مكافحة اسباب هروب هؤلاء الاطفال والاهتمام بطفولتهم في معسكرات اللجوء.
الجميع يشير الى الحروب والحروب الاهلية والى التطرف والى العصابات الارهابية ووو ألخ ولكن الغرب يقوم بتسليح الاطراف المتحاربة ويقوم بتسليح الدول الارهابية أكثر من تسليح ( الثوار) وهذا يشكل سببا قويا وعاملا اضافيا لاذكاء نار تلك الحروب وزيادة اعداء اللاجئين وبالطبع زيادة عدد القتلى والجرحى وسوريا هنا يشكل نموذجا فاضحا بهذا الشأن، كل هذه الاشياء مترابطة مع بعضها وتؤدي الى فوضى يصعب التخلص منها بسهولة.
لنرجع الى الارقام المروعة للامم المتحدة الخاصة باعداد اللاجئين فحسب تلك الهيئة هناك 41 مليون نازح داخل بلدانهم الاصلية وعند المقارنة مع عام 2014 م هناك زيادة في العدد بمقدار 6 ملايين، ولكن ورغم هذه الزيادة ورغم الكوارث والمصائب والآلام يزداد هنا في اوربا وتيرة الصوت لاغلاق الابواب امام اللاجئين في اوربا وتُعتبر الاتفاقية التي ابرمتها الاتحاد الاوربي في شهر آذار الماضي مع تركيا نموذجا فاضحا لوقف اعداد اللاجئين الى اوربا وخاصة الى ألمانيا والنمسا والسويد.
بيّنت الارقام بأنه في عام 2015 م من بين 113 شخص كان هناك شخص نازح او لاجئ وهنا تتصدر سوريا وأفغانستان المشهد فقد غادر حوالي خمسة ملايين سوري الى خارج سورية ويتبعها أفغانستان بحوالي 3 مليون ومن ثم الصومال بحوالي 1 مليون، وجدول النزوح الداخلي تتصدرها كولومبيا، وفي دول أمريكا الجنوبية كان هناك في عام 2015 م حوالي 7 ملايين وفي سوريا كان هنلك حوالي 7 مليون نازح والعراق حوالي 4 ملايين ونصف.
وفي دول جوار سوريا وحتى نهاية عام 2015 م التجأ الى تركيا مليونين ونصف سوري واستقبل كل 1000 لبناني 183 لاجئ سوري، وفي اوربا وألمانيا تشكّل اعداد اللاجئين بالمقارنة مع دول جوار سوريا أرقاما بسيطة.
وختاما أقول أن محاربة اسباب اللجوء والحد من اعداد اللاجئين يتطلب تكاتفا دوليا ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع وخاصة الدول الغنية والمتاجرة باللاجئين وعقد الاتفاقيات الابتزازية بين الدول للتقليل من اعدادهم يزيد من الطين بلة ويزيد من آلالام وعذابات اللاجئين.[1]