أزمة الثقة الكردية العربية زرعها النظام وتُنميها المعارضة
ابراهيم ابراهيم
لم يشهد التاريخ أزمة ثقة كردية عربية كما هي اليوم , حتى في أوج النشوة القومية العربية , و تسلط النظام الاستبدادي العربي و الذي جسده حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق و سورية و جمال عبد الناصر في مصر و اشتداد الصراع بين الحركة القومية الكردية و النظام السياسي العربي المتمثل في كل من العراقي و السوري و ممارسة هذا الاخير اقصى سياسات القمع و التنكيل و الاضطهاد بحق الكرد من ستينيات القرن الماضي إلى بداية القرن الحالي كالتي يعيشها هذين الشعبين هذه الأيام و خاصة بعد ما تسمى بالثورة السورية و ما انتجتها من مصائب فكرية و أخلاقية و اقتصادية تجلت خطورتها و تتجلى فيما سنأتي على ذكره الآن و تعتبرمن أخطر نتائج هذه الثورة و التي ربما نعيشها أجيال و أجيال و سنكون مسؤولين عنها جميعا و في مقدمتنا طبعا بقايا ارث الثقافة السياسية للقوميين و الإسلاميين العرب السنة و الشيعة على حد سواء.
لن ندخل في التاريخ لما يملك من جراحات و خاصة الجراحات الكردية التي سببتها طعنات العربي السياسي على شكل شبه متواصل و عبر مسافات زمنية طويلة و متقطعة , و سنكتفي بالامس و اليوم و جراحاته التي مازالت تتلون بالحمر الخصب و الطري لعل و عسى تكون هذه الخصوبة و الطراوة عاملا لمعالجتها فيما لو أُُستخدِم العقلُ و العلم و القانون في ممارسات العربي الاسلاموي بدلا من السحر و الشيخنة وفلسفة “طيور الابابيل” التي ما زال يعيشها مسببي هذه الازمة “أزمة الثقة بين الكردي و العربي” من قوى المعارضة العربية و الاسلامية السورية المدعومة من قوى اقليمية تشابهها بالعقيدة و الايديولوجية “تركية, قطر, السعودية” و تعيش ايضا الحالة نفسها أي حالة الغيبيات و السحر.
الشعب الكردي في #غرب كردستان# أو كردستان سورية أو شمال سورية أو الجزيرة السورية …!!! أو محافظتي #الحسكة# و حلب و حتى ادلب و حماه و اللاذقية و دمشق لنسميها ماشئنا شعب ليس بعربي و هو يمتلك كل المقومات و العناصر القومية المختلفة عن العرب و العروبة , كما هو جزء من أمة مجزأة اسمها الامة الكردية تعيش على اراضيها التاريخية منذ الاف الاف السنين, شأنها في ذلك شأن الامة العربية هذه ما تشير إليه جميع الدراسات الاجتماعية و العلمية و التاريخية حتى التي كتبها القوميين و الاسلاميين العرب لكن لاسباب سياسية و آيديولوجية و قومية تبناها النظام السياسي العربي اضطهد هذا الشعب و حرم من حقوقه القومية لا بل و عمل النظام العربي الاسلامي و القومي لحل و صهر هذا الشعب في البوتقة العربية و بشتى الاساليب القمعية من قتل و حرب ابادة و تهجير و تغيير المعالم الجغرافية و اسمائها و هذا ما كان جليا في سورية خاصة , حيث عانى الشعب الكردي الكثير و الكثير من المعاناة على ايدي الانطمة السورية المتعاقبة سيما بعد 1953 أي بدء مرحلة الانقلابات ومجيء الديكتاتوريات، وتحديداً منذ الوحدة المصرية السورية أصبح الكرد يتعرضون للاضطهاد القومي بشكل واسع، وأصبح هناك تمايز قومي شديد و ازدادت وتيرة العنف الممارس ضد الكرد في سورية بعد استلام الاسد الاب و باسلوب هادئ دون ان يدرك حتى الكردي نفسه أنه يحارب و ينحل في قومية البعث , فضلاً عن المعتقلات و القتل و الملاحقة و في هذه الاجواء كانت العلاقة الكردية العربية على الاقل على الصعيد الاجتماعي لم تتأثر كثيرا حيث كان الكردي هو الجار و الصديق و حتى القريب”عن طريق الزواج” و العكس ايضا العربي, أما العلاقات السياسية بين الكرد و العرب فكانت رغم محدوديتها تعيش حالة جميلة و واقعية لكن في معظمها كانت تنحصر في النخبة , و فعلا جاء ما سمي بالربيع, ثم جاءت الثورة السورية في غفلة وعي, و تشهد اشراقة شمس لصباح لم تدم كثيرا على الشعب السوري و كان الكرد الاكثر تلهفا لها و الاكثر ادراكا بأن هذا الصباح ” الثورة” لن يدوم كثيراً على الشعب السوري على ضوء قراءتهم و وعيهم بأن سورية بعناصرها الاجتماعية و الثقافية و السياسية لن تستطيع التعامل مع هذا الصباح الثوري و سوف يتخبط الطرفان النظام و المعارضة التي لم تكون اصلا موجودة و سيكلف ذلك السوري كثيرا و كثيرا جدا سيما و ان سورية عاشت و تعيش عقوداً من الظلام و الانغلاق الثقافي و السياسي . الكرد كانوا اكثر وعيا بذلك و أدركوا أن هذه الثورة جاءت في غفلة وعي عربي و إدراك غير كامل و معرفة ناقصة بالثورة و مفاهيمها و قيمها من الحرية و الديمقراطية.
قرر مجموعة من الكرد و بعفوية التعامل لا بل و الانخراط في تلك الثورة الغفلة و غير المدركة بعمق سوريا الثقافي و الاجتماعي و السياسي و الامني و حتى باتت الثورة و شعاراتها تتجاوز الشروط الثقافية و التاريخية لحقبة من سيطرة مجموعة و عصابة أمنية أو بالاصح حزب قومي عنصري شمولي هو حزب البعث العربي الاشتراكي على كل مفاصل سورية الدولة و الوطن حتى كان الوطن هم و هم الوطن حزب عروبي و لمدة قادرة على تغيير المفاهيم و الثقافة في اي مجتمع كان , و بدأ هؤلاء الكرد “المجلس الوطني الكردي” يعيشون نفس الغفلة الثورية و دخلت حالة من التيه الوطني و القومي و السياسي في علاقتها مع الاطراف العربية و الاسلامية الاخرى التي عاشت الفغلة الثورية و تلك الغفلة التي تسبب في مصادرة العقل السوري غير السوي اصلا من قبل البعض الاقليمي حتى وصل بالمجلس الوطني الكردي و السوري و بعد ذلك الائتلاف الوطني إلى عنصر مساهم في آلة التدمير للوطن السوري نتيجة تجرده فعلا من اي منطق سياسي أو فكري ثوري في تعامله مع الثورة بعد أن سيطر عليها التيار الديني و المذهبي الغير عاقل و بدعم من قوى قوى اقليمية “تركية, قطر, السعودية” لتتحول الثورة السورية و تلك الاشراقة الصباحية إلى ليل دامس فيسرع اكثرية الكرد للنجاة من الهول اللحظة المجردة من الوعي و المعرفة يتقدمهم في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي PYD و يختار الابتعاد و النأي بالنفس عن حرب مدمرة التي كانت قد اعلنت بين النظام السوري و المعارضة التي اتخذت من تركيا و قطر الحليف الاول و الاساسي و الهدف هو السلطة أولا و افناء طرف للآخر.
إن نأي الكرد بنفسه كان نأئياً عن خطأ تاريخي ترتكبه المعارضة في تحويل مسار الثورة من حقوقية وطنية إلى صراع على السلطة كتنفيذ لاجندة خارجية و التحكم بمصير الشعب السورية لم يكن قراراً لانهاء الثورة أو القضاء عليها أو حتى الهروب منها بل كان الاكثر عقلانية و وطنية من اجل حماية مكونات المناطق الكردية “روج آفا- شمال سورية” من آثار هذه الحرب المدمرة التي حاول طرفا الصراع جرها إلى اتون حربهم و صراعهم, وكان قرار تشكيل وحدات حماية الشعب و المرأة YPG و YPJ من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD القرار الاكثر جرأة و واقعية و تجلت هذه الواقعية اليوم و حيث مازال اكثر من 90 % من مناطق روج آفا – شمال سورية في حماية هذه الوحدات التحي تحميها و مازالت من الدمار وسيادة الامن و الاستقرار فيها قياسا لما وصلت إليه المناطق السورية الاخرى اليوم من دمار و قتل و ذبح و حرق . حتى باتت مناطقها ملاذا آمنا لجميع أبناء سورية من اقضى شرقها إلى اقصى غربها و من اقصى جنوبها إلى اقصى شمالها حتى بلغ عدد الهاربين من جحيم المناطق المشتعلة إلى المناطق الكردية أكثر من 3 ملايين مواطن سوري لتقوم الادارة الذاتية الديمقراطية المكونة من جميع المكونات السياسية و القومية التي تعيش مع الكرد في مناطقهم و تقديمها ما يمكن من خدمات رغم الحصار المفروض عليها من اربع جهات.
الغفلة الثورية التي عملت بها المعارضة السورية المحسوبة على تركيا و قطر و السعودية و التخبط الفكري و السياسي و الهذيان القومي و الديني كان سببا في ظهور قوى خارجية و غريبة عن المجتمع السوري تبنت الارهاب و الثقافة التكفيرية اساسا لها // تنظيم الدولة الاسلاراق و الشام “داعش”, جبهة النصرة , و فصائل و كتائب أخرى” التي قضمت ما سمي بالجيش السوري الحر و سرعان ما امتد الارهاب افقيا على الارض السورية و حرق الاخضر و اليابس و ذبح و البشر و حرقه , و في هذا الوقت كانت وحدات حماية الشعب YPG تسعى لتوسيع قاعدتها و ضم كل سوري يؤمن بالحرية و الديمقراطية لسورية المستقبل أولا و لمواجهة المد الارهابي ليؤسس بعد ذلك مع قوى و فصائل سورية آخرى قوات سورية الديمقراطية تلك القوة التي حررت مساحات واسعة من ذلك الارهاب و قدمت الكثير من الضحايا . هي الحقيقة التي نراه و يراها كل متابع للشأن السوري .
اذا كان الامر كذلك, فلماذا ينظر أو تنظر المعارضة السورية العربية و الاسلامية إلى تجربة الإدارة الذاتية بعين الريبة و الشك و السلبية ..؟؟؟ و لماذا تحرّض الشعب السوري عليها لا بل و تحاربها فعلا عسكريا و سياسيا عبر ما تسميها بالجيش السوري الحر المعتدل و هو بالاصل مجموعة كتائب إسلامية راديكالية..؟؟ و هل هي فعلا محل ريبة وشك ..؟؟ أم أن القضية مجتمعة هي لعبة من القوى القوى الاقليمية “تركية” لضرب مكونات الشعب السوري في بعضها البعض, مستغلة في ذلك أزمة الثقة التي زرعها النظام البعثي و ساهمت هي فيها و عمقتها و رسختها و لاجنداتها خاصة…؟؟؟
إن معطيات المشروع السياسي الكردي في روج آفا – شمال سورية تؤكد أن الشعب الكردي جزء أساسي من التكوين السياسي و الثقافي و الجغرافي لسورية و ليس هناك أية اشارات أو دلالات توحي بما تشيعها المعارضة السورية في مواقفها من تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية بأنها تمهيد لكيان كردي في الوقت الذي تؤكد الوقائع أن هذه الإدارة يتشارك فيها جميع المكونات القومية من عربية و آشورية و سريانية و تركمانية و كردية و يبدو من خلال هذه الحقيقة أن الامر فعلا لا يتعلق بهذه القضايا بل هناك سياسة معادية للشعب السوري و لسورية المستقبل التي يتشارك فيها جميع الانتماءات الاجتماعية و السياسية و يبدو الاقرب لهذا التوجه العدائي و لاسباب تتعلق بتكوينها الفكري و الاخلاقي و اللأيديوجي هي الدولة التركية و معها بعض الدول العربية المتقاربة معها مذهبيا و هي الدول ذات التركيبة القومية الواحدة التي ترفض التعدد و التلوين الاجتماعي و السياسي, لذلك تنظر إلى أية تجربة ديمقراطية أخرى على أنها خطر عليها و نخص هنا بالذكر الدولة التركية و تجربتها التاريخية مع الشعب الكردي و إضطهاده و محاولتها المستمرة في دفن أي حلم كردي ديمقراطي, و ما يمكن أن يحصل في سورية قد ينتقل إليها و هذا أمر في غاية الخطورة بالنسبة لنظام سياسي تركي اتخذ من الفكر العثماني التركي الاسلامي هدفا لتحقيقه.
و اخيرا و لخطورة القضية يتطلب من الاوساط السياسية و الثقافية العربية التعامل بالعقل و المنطق مع هذه القضية و عليهم أن يدركوا أن ممارسة الكردي لكرديته و بالطريقة التي يراها لا تعني العداء للوطن أو للعروبة, و أن يتحرر من هذا الاحساس التركي و البعثي و الفارسي و يعيش احساسا سوريا.[1]