طفولة بائسة على طرق الهروب من الحروب
على الرغم من أن الناتو يحارب الارهاب متمثلة بالقاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الارهابية المشتقة من جماعة الاخوان المسلمين وبالرغم من وجود أدلة دامغة وبالصوت والصورة والوثائق على دعم تركيا لداعش والارهاب وبالرغم من ممارسة تركيا لارهاب الدولة ضد الكورد في كل اجزاء ومدن وقرى كوردستان، بالرغم من كل ذلك يبقى الغرب صامتا حيال ذلك وتبقى تركيا صامدة في حلف الناتو فما جدوى بقائها في الناتو وهي تكبح جماح قيام الحلف بالانتصار على الارهاب ودحره، اعتقد بان الناتو يفكر الآن بشكل جدي ويناقش طرد تركيا من الناتو ان تكونت هناك مستقبلا دولة او دولتين كورديتين في سوريا والعراق، وهي ترى بان الكورد هم الشركاء الحقيقيين المخلصين لهم في محاربة الارهاب الذي تحول الى ظاهرة عالمية باتت تجر العالم الى حرب عالمية ثالثة.
تركيا تبتعد عن الغرب وامريكا واوربا وأردوغان أصبح حاكما مطلقا بعد الانقلاب المزعوم ولا يلق بالا للمؤسسات التركية العريقة، فقد تم طرد خمس القضاة وبدون الرجوع الى الاجراءات القانونية وطُرد الآلاف من الموظفين ومن افراد الجيش والشرطة بل ومن كل قطاعات الدولة بمن فيهم المعلمين طُردوا هكذا بأمر من أردوغان فأن تفوه أردوغان بكُن فسيكون الامر كُن وبسرعة، وتم سجن الجيش والشرطة ووو … أفواجا أفواجا وضُربوا وعُذبوا أمام الكاميرات بل وتم قطع رؤوس بعضهم من قبل أنصار أردوغان الداعشيين.
ان النصر على الانقلاب المزعوم سوف لن يحقق الديموقراطية التي يتشدق بها أردوغان بل أنه يبين في كل مناسبة روحه الانتقامية بذريعة تطهير الدولة من الكيان الموازي الذي يقصد به أنصار الداعية فتح الله غولان.
يبدو أن تحذير وزير خارجية أمريكا جون كيري بدعوته لتركيا بأن عضوية الناتو تستوجب الالتزام بالواجبات الديموقراطية، يبدو أن ذلك التحذير ستكون بداية النقاش في الناتو على جدوى بقاء تركيا في ذلك الحلف، فالناتو عبارة عن تجمع حلف دول ديموقراطية فهل سيُسمح لتركيا الديكتاتورية التي تدعس على كل القوانين الديموقراطية بالبقاء مستقبلا في ذلك الحلف ويبقى السؤال برسم الاجابة على مدى التزام تركيا مستقبلا بالقوانين التي تنسجم مع قوانين دول حلف الناتو.
كان حلم أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية هو الانضمام الى اوربا على الرغم من أن الناتو ولد بعد ذلك الحلم بكثير، وأتاتورك أدار ظهره للشرق وللاسلام وللخلافة العثمانية وحول تركيا بقوة السلاح الى دولة علمانية متسمة بالقومية الشوفينية، ولكن أردوغان بالعكس منه قام بلعبة سياسية مزدوجة ففي البداية وقبل حوالي 13 عاما قام بخطوات ديموقراطية ولعب بنفس الوقت على الحبل الديني وبهذه اللعبة وهذا النفاق السياسي اصبح حوالي نصف سكان تركيا من أنصاره، والآن وبعد الانقلاب المزعوم الذي حدث بتاريخ #15-07-2016# م أدار أردوغان ظهره تماما لديموقراطيته المزعومة وأدار ظهره للغرب وللديموقراطية بل وبات يرجع الى الى بقوة بل وحتى مثلما قيل اصبح اماما يؤذن للصلاة، وبهذا هو يقرأ الفاتحة الآن على جمهورية أتاتورك التي انشأها في عشرينيات القرن الماضي.
فمحادثات الانضمام الى الاتحاد الاوربي باتت في غرفة الانعاش بعد رغبة أردوغان بالرجوع الى قانون حكم الاعدام ليعدم بها وبتأثير رجعي للقانون كل أعداؤه وأولهم قائد حزب ال ڀ ك ك قبل أنصار غولان، وبرر أردوغان رجوعه للاعدام بأن أمريكا لديها ايضا حكم الاعدام وهي عضو في حلف الناتو علما بأن حكم الاعدام ليس موجودا في كل الولايات الامريكية.
باستطاعة دول الناتو الآن الضغط على تركيا من خلال التهديد والتلميح بطردها من حلف الناتو وسيُستغل ذلك من أجل الضغط على أردوغان لتغيير سياسته فيما يتعلق بما يجري في سوريا والعراق وفيما يتعلق بمحاربة الارهاب واستخدام قاعدة انجرلك والاراضي التركية حين اللزوم.
ما جدوى بقاء تركيا في حلف الناتو وسط هذا الانقسام الحاد في تركيا فالكورد هناك ضد الترك والسنة ضد العلويين والمؤمنين ضد الكافرين والاردوغانين ضد الغولانيين ووو … .
ومن الجدير بالذكر ان كل الانقلابات السابقة التي حدثت بأعوام 1952 و 1960 و 1971 و 1980 و 1997 لم تكن سببا في طرد تركيا من حلف الناتو رغم دعس الجيش على القيم الديموقراطية، ولكن الظروف الآن تغيرت كثيرا فالحرب الباردة انتهت وانهار الاتحاد السوفياتي قبل هذا الانقلاب الحالي فهل سيتم طرد تركيا من الناتو مستقبلا بسبب الانقلاب الحالي ولاسباب كثيرة أخرى؟
تركيا هي مكان هام واستراتيجي في الجنوب الشرقي من دول حلف الناتو وهو مكان هام لكبح جماح بوتين في موسكو أو آية الله خامنئي في طهران، ومن الجدير بالذكر بأنه قبل الانقلاب بعدة أيام تقرّب أردوغان من بوتين وبعد الانقلاب هاتف بوتين أردوغان قبل قادة اوربا فهل ستتحول تركيا الى جوكر بيد بوتين وحلف الناتو؟ وتقارب تركيا من روسيا ستكون هدية لها وخسارة لحلف الناتو خاصة اذا علمنا بأن الاتحاد الاوربي خسرت بريطانية قبل مدة قصيرة وقد يحدث هذا ويخسر اوربا شراكة تركيا أيضا.
وأخيرا عندما تبتعد تركيا عن الغرب فهذا شأنها وشأن قادتها وشعوبها ولكن بالتأكيد لا يرغب الغرب واعني بذلك اوربا وأمريكا لا يرغبون دفن احلام أتاتورك بأنفسهم ويفضلون ذلك بأيدي أردوغان والقادة الاتراك فلننتظر الاشهر والسنين القادمة فهي بالتأكيد ستكون حبلى بالمفاجآت التي ستكون مسرة للكورد في كل مكان.[1]