طفولة بائسة على طرق الهروب من الحروب
سيف دين عرفات
عندما حُرق مبنى الرايشتاغ من قبل مجهولين وقد يكون النازيون هم مَن فعلوها وذلك بتاريخ #27-02-1933# كان ذلك مرحب به من قبل النازية ليتعقبوا الآلاف من الشيوعيين والاشتراكيين الديموقراطيين والمثقفين اليساريين والنقابات وغيرها من المنظمات والجمعيات، وسُجن او قُتل معظم هؤلاء وبذلك أرسى هتلر دعائم الديكتاتورية بعد ان أُعلنت حالة الطوارئ وخُدع الشعب الالماني من قبل هتلر كما يُخدع الآن ( الشعب ) التركي من قبل أردوغان، لا أعتقد بأن التاريخ يعيد نفسه ولكنني أستطيع مقارنة ما قام به هتلر وما قام به ويقوم به الآن أردوغان منذ الانقلاب المزعوم الفاشل الذي حدث بتاريخ #15-07-2016# م.
بدأت الماكنة الاعلامية الاردوغانية الغوبلزية باطلاق التهديدات الاردوغانية ليل نهار ظنا من أردوغان بأنه يستطيع ابتزاز العالم وتحقيق ما يصبو اليه عن طريق استخدام حجة الانقلاب كأداة للابتزاز ليحوّل بواسطتها تركيا من نظام برلماني الى نظام رئاسي وليجني المليارات من أوربا بتهديده بحرق الاتفاقية المبرمة مع الاتحاد الاوربي بشأن اللاجئين منذ منتصف آذار الماضي.
تركيا لم تكن أبدا ديموقراطية او كان يوجد لديها ديموقراطية، ولكنها قامت ببعض الخطوات الديموقراطية الخجولة والتي أوقفها أردوغان خلال السنوات الاخيرة الماضية وتبيّن بأن الديموقراطية بالنسبة له قطار يُسافر فيه بشكل أبدي دون الوصول الى المحطة النهائية، ولكي يثبت نفسه كسلطان وكبطل للديموقراطية يدعو بشكل دائم الى نظام رئاسي ويتخذ من الانقلاب ومن حركة الداعية غولان ذريعة له لاعلان حالة الطوارئ وطرد وسجن بل وذبح معارضيه بعشرات الآلاف ولسان حاله يقول لا مكان لاحد في سلطنتي سوى أعضاء حزبي الذي انتمي اليه.
اذن لا مكان للديموقراطية الان في تركيا لان أي شخص عادي يدرك الآن بأنه لا يوجد التزام بالدستور ولا يوجد حماية للحقوق الاساسية ولا يوجد احترام لحقوق الانسان ولا يوجد حرية الرأي والتعبير والصحافة وغيرها من الامور بل يوجد ما عدا هذا قتل المدنيين الكورد بمَن فيهم الاطفال والنساء والشيوخ بهدم منازلهم فوق رؤوسهم وخير أمثلة على ذلك ما حدث في الاشهر الماضية في نسيبين وكربوران وجزيرة وسلوبي وهزخ وآمد وغيرها من المدن الكوردية المحتلة.
ان تهديدات أردوغان لاوربا والعالم ولكوردستان باغلاق المدارس الدينية التابعة لحركة غولان سوف لن تتوقف من دون رد حاسم نظريا وعمليا، ويستخدم أردوغان الاتفاق التركي المبرم مع الاتحاد الاوربي في منتصف آذار الماضي للحد من تدفق اللاجئين الى اوروبا بمثابة سيف ديموقليس على حكومات دول الاتحاد الاوربي، وسيقضي أردوغان عليها وسيطلق رصاصة الرحمة عليها أن لم يتلق ردا حاسما من الناتو ومن الاتحاد الاوربي، على اوربا ان تكون قوية لتتحمل الصدمات الكهربائية العالية التي يرسلها أردوغان فها هو حكومة أردوغان يمنع الاكاديميين من السفر الى اوربا وها هو وزير خارجيته وبعد مرور اكثر من اسبوعين على الانقلاب يطلب من الاتحاد الاوربي سفر جميع المواطنين الاتراك الى اوربا من دون تأشيرة ويحدد مهلة لتحقيق ذلك حتى شهر اوكتوبر القادم، انه لامر عجيب وغريب من جهة يمنع سفر الاكاديميين ومن جهة أخرى يطلب التأشيرة لجميع المواطنين انه تناقض في الاقوال ولاانسجام وتطبيق للمعايير المزدوجة البعيدة عن دولة القانون.
بروكسل سوف لن تتراجع عن مطالبها وتؤكد على تنفيذ المطالب ال 72 المتضمنة في الاتفاقية المذكورة وخاصة المطالب المتعلقة بمكافحة الارهاب، وطالما لا تنفذ تركيا تلك المطالب فسوف لن تحصل على شيء من اوربا وهي تعلم جيدا مدى تعاون تركيا مع داعش ولكن المشكلة هي ان اوربا لا تريد ان يتزعزع النظام ويتفشى الفوضى في تركيا لكي لا تقترب الارهاب اكثرمن حدودها الجنوبية.
صحيح ان اعداد اللاجئين القادمين من اليونان الى اوربا انخفضت بشكل كبير وصحيح ان انقرة حصلت على مبلغ 105 مليون يورو للاهتمام باللاجئين السوريين ولكن لم يتم تحقيق لب الاتفاقية المتعلقة بشكل خاص بهجرة السوريين وهناك الآن شد وجذب بين تركيا والاتحاد الاوربي حيث ان أردوغان يحتفظ باللاجئين السوريين الاكاديميين ويرسل الى اوربا اللاجئين الآخرين.
على اوربا والعالم ان تتصرف بشكل حاسم حيال التهديدات الاردوغانية وبات اردوغان خطرا على الامن العالمي والمجتمع الدولي، وعلى العالم وخاصة اوربا ان تأخذ التهديدات الاردوغانية التي تأتي على لسان وزير خارجيتها محمل الجد وخاصة المتعلقة بترك الحدود مفتوحة للمهربين واللاجئين وعدم مراقبته وعلى اوربا ان تلجأ الى خطة بديلة لازمة اللاجئين بعيدة عن ابتزاز أردوغان وتهديداته وجشعه للمال وللسلطة المطلقة.
ما حدث في كولن قبل حوالي اسبوع عندما تظاهر انصار أردوغان بعشرات الالآف وضعت المانيا في قلق بالغ فالجيل الثالث من الالمان المنحدرين من اصول تركية ظهر ولائه واضحا لاردوغان أكثر من ولائهم لألمانيا ودعسوا على قيمهم الديموقراطية التي وُلدوا في جوها وتربتها لصالح ديكتاتورية أردوغان، وانتقدت أنقرة بقوة برلين لان المحكمة الالمانية العليا لم تسمح لأردوغان بالتحدث بالصوت والصورة وبشكل مباشر للمتظاهرين في كولن وقال ابراهيم كالين بأن ذلك غير مقبول وقامت باستدعاء القائم بالأعمال الألماني في أنقرة للاحتجاج، وقالت الحكومة التركية بأن تصرف ألمانيا هذا هو ضد حرية الرأي وكأن حرية الرأي عند هؤلاء يتعلق بتنفيذ ما يطلبه أردوغان، فليسأل هؤلاء (الساسة ) الاتراك أنفسهم الا تعني الديموقراطية على الاقل اجراء الانتخابات الحرة يلتزم بعدها الكل بالدستور ألا تعني ذلك حماية الحقوق الاساسية واحترام حقوق الانسان واحترام حرية الرأي والتعبير والصحافة واحترام ثقافات كل القوميات وتنقيذ حق تقرير المصير لهم، يا للعجب أردوغان يدعو الى الالتزام بالديموقراطية وبات العالم يدرك جيدا ويقول له عن اية ديموقراطية يتحدث عنها وهو كان ولا يزال ديكتاتورا على شاكلة غيره من الديكتاتوريات وهو يمارس الآن الديكتاتورية والعالم يتفرج عليه ويبلع تهديداته وابتزازاته.
بالنهاية أقول تركيا الآن على مفترق طرق ولا أحد يعلم كيف سيتصرف السلطان مع القيصر في زيارته له بعد عدة أيام هل سيدير السلطان ظهره للناتو وللغرب أو هل سيطرده الناتو من الحلف وهل سيتنازل عن الدخول الى الاتحاد الاوربي او هل سيغير دستوره الى دستور اسلامي ويعلن نفسه خليفة للعالم الاسلامي، لننتظر الايام والاشهر القادمة التي ستكون حبلى بالمفاجآت التي تكون بعضها غير سارة للسلطان وأول تلك المفاجآت قد تكون خارطة جديدة للشرق الاوسط او اتفاقية جديدة اسميها منذ الآن اتفاقية كيري – لافروف على شاكلة اتفاقية سايكس – ڀيكو.
[1]