المعادلة السورية، وما بعد منبج
سيدار رمو
منبج تحررت وازداد معها تخوف أعداء الإنسانية والسلام، بعد هذا التحرير سوف يتقلص نفوذ داعش في سوريا يوماً بعد يوم، فبعد أن كان 50%من المساحة السورية تحت سيطرة الجماعات الإرهابية تقلصت الآن هذه المساحة كثيراً بتحرير منبج وقراها، فتركيا وسلطانها رجب طيب أردوغان البطل الذي أفشل الانقلاب الهزلي في ال 15-07 الماضي، أقدم وبكل عزم واصرار، ومذ انطلاقة الثورة السورية على التدخل في الشأن السوري وتقوية النفوذ التركي في المنطقة. وقد اتضحت السياسة التركية العدائية للشعب السوري في أكثر من محطة ومناسبة، أهمها ما جرى في مخيمات اللجوء السورية في تركيا، ودعمها المعارضة السلفية المتمثلة بالائتلاف السوري، دعمها للمنظمات الإرهابية كداعش وفصائل نور الدين الزنكي بحلب وغيرها.. محاوِلة من هذه السياسة الرعناء تسليط الضوء على دورها في الشرق وأنها قادرة على قيادة الشرق الأوسط
وها هي الكرة تعود مجدداً إلى الملعب التركي بعد أن حاولت الأخيرة أن تكون لاعباً أساسياً في الصراع السوري، لكن باءت كل محاولاتها بالفشل الذريع من خلال أولاً: تقلص نفوذ داعش أمام انتصارات قوات سوريا الديمقراطية، وتحرير منبج ليكون الانتصار الذي قصم ظهر تركيا وداعش المحارب عنها بالوكالة، ثانياً: تلقين الولايات المتحدة الأمريكية تركيا درساً بأن عليها ألا تتجاوز حدودها والبقاء في بيت الطاعة، وذلك بتحديد العلاقات معها، واعتبار الكرد حلفاء استراتيجيين لها، بعد أن قدم لهم طيران التحالف الدعم في حربهم ضد داعش، الأمر الذي دفع بتركيا إلى التحول إلى الاتفاق مع ايران وروسيا مع العلم أنها لم تنسجم يوماً ما في تاريخها مع هذين الحليفين الجديدين، لكن الضرورة حكمت عليها أن تقدم التنازلات لحليفيها الجديدين، مع تقديم فائق الاعتذار للرئيس بوتين وباللغة الروسية على إسقاط الطائرة الروسية في السماء السورية في 11-2015.
وإن تركيا بتحالفها هذا تكون قد تنازلت عن الملف السوري وتحديداً حلب لصالح ترجيح كفة روسيا الساعية إلى الحفاظ على موطئ قدم لها في الشرق الأوسط. هذا التحالف الجديد سيرسم معه ملامح جديدة للمنطقة، فألد الأعداء في الشرق الأوسط (تركيا وايران) والساعيتان بشكل دائم إلى فرض سيطرتهما دونما الآخر؛ تتفقان بوساطة روسية، وهو ما سيجلب معه حتماً تغيرات جديدة وسيغير من المعادلة الدولية. ولا مناص من أن إيران وتركيا العدوان التاريخيان للكرد، سيبذلان قصارى جهدهما لمحاربة الطموح الكردي في التحرر وطمس مساعيهم (مساعي الكرد) في نيل حقوقهم المشروعة والاتحاد معاً، بعد أن قسمت اتفاقية سايكس بيكو كردستان إلى أربعة أجزاء مشتتة بين تركيا، إيران، سوريا، العراق.
بالمقابل وما لا شك فيه أن روج آفا- شمال سوريا متوجهة نحو تحقيق الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي بصيغة الإدارات الذاتية لكل منطقة بعد تحريرها من داعش. وتوسع انتصارات قوات سوريا الديمقراطية يثير قلق تركيا وفق ما تقوله صحيفة الحياة اللندنية حيث جاء في مقال نشر بتاريخ (16-08) بعنوان “ثلاثة مبادئ روسية- تركية- إيرانية للحل السوري” أن تركيا قلقة من نية قوات سوريا الديمقراطية في ربط منبج بعفرين، وأن تشكيل «مجلس الباب العسكري» يعتبر تمهيداً لتكرار العملية التي جرت في منبج ضد «داعش».
ويتابع المقال، بأن أنقرة تخشى ربط الأقاليم الكردية شرق نهر الفرات وغربه وقيام «كردستان سورية» ما يشجع كرد تركيا على فعل الأمر نفسه.
في هذه الأثناء بدأت خفايا علاقات إسرائيل وتركيا تظهر على الملأ من خلال الاتفاق الذي عقد بين الطرفين، وذلك عبر تقديم إسرائيل (20مليون دولار) لإسقاط الدعوى القانونية التي رفعتها تركيا ضد عسكريين اسرائيليين على خلفية إسقاط سفينة المساعدات التركية (مافي مرمرة عام 2010 قبالة سواحل غزة)، في دلالة على وصول تركيا إلى الحضيض الذي دفعها إلى إحياء علاقتها مع إسرائيل، ولا شك في أنه ستكون لهذه الاتفاقية تداعياتها على علاقة تركيا بالدول العربية وإسقاط قناعها فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، بعدما أظهر أردوغان نفسه على أنه أبٌ للفلسطينيين يقيهم شرور العدوان الإسرائيلي، وينادي بدعم أطفال الحجارة ويتباكى عليهم.
بالمحصلة لاعبون إقليميون كُثر دخلوا الملعب السوري وحددوا فيها مسار كرتهم، وأبدو ما بوسعهم للفوز بهذه المباراة الصعبة، لكن القوى العظمى كانت هي المسيطرة، حيث دفعتهم إلى استنزاف مصادر قوتهم، لتنتظر هي بالمقابل اللاعب ذو اللياقة الطويلة لتجني أهدافاً كثيرة بحيث لا تتعارض ومصالحها.[1]