حسين جاويش مثال المثقّف الثوريّ
صلاح الدين مسلم
يقول قائل: ما هذه الحرب السوريّة؟ ما نوع هذه التحالفات؟ كلّما وضع مراقب ما أو محلّل أو مفكّر نظريّةً ما لهذه الحرب وهذه الفوضى، فشل في حادثة ما أو أو حدث قام به أحد الدولتيين، قالوا: إنّ أنصار أوجلان شبيحة النظام، وإنّ أردوغان ملاكٌ يريد أن ينقذ الشعب السوريّ من الهلاك، وهناك تياران ومحوران، هناك طرف خيّر وطرف شرّير، أموال تتدفّق، سمومٌ إعلاميّة، أحدٌ مع ذاك الطرف وأخوه مع الطرف الثاني، أي أنّ أحدهم خيّر والثاني شرير، كما يصوّر كلّ طرف أنّه الخير، وكلّ طرف يخوّن الآخر، وأجمع الكلّ على أنّ الأوجلانيين أو الآبوجيين شبيحة النظام، وأنّهم ثورة مضادّة، ومن أزلام النظام، وهم اللون السيّء أبداً.
هذه الأيّام تشهد أنّ مدينة الحسكة أسوأ اصطدام مسلّح بين النظام السوريّ وبين الإدارة الذاتيّة، فهناك قصف بالطائرات والدبابات، وهنا يسأل كلّ من وضع بيضه في سلّة واحدة؛ سلّة تركيا التي غدرت بهم ولجأت إلى روسيا وإيران، وصارت تغيّر كلّ تصرّفاتها ضدّ النظام السوريّ بعد أن خسرت كفّته، والتجأ إلى من يستطيع لجم الكرد؛ العدّو الوحيد للدول المقسّمة لكردستان، وهذا ما لم تعيه المعارضة السوريّة، فبإيعاز من تركيا للنظام السوريّ رفع الآخر طائراته، واعتقل الكرد، وقتلَ المدنيين، ودمّر بيوتهم بالطائرات والدبابات، فهذا هو خطّ الدولة القوميّة التي لا تمتلك ذرّة أخلاق.
قد يقول قائل: إنّ النظام يريد أن يُرضي الدولة التركيّة لتغلقَ الحدودَ أمام الأسلحة التي تنهال على حلب كوابل المطر، والتي بدأت ترهقه وترهق نظامه الهشّ الذي لم يعد له وجود بعد صار الجيش الإيرانيّ والروسيّ وجيش حزب الله الحماة الحقيقيّن لهذا النظام المتهالك، وبعد أن صرّح أردوغان أنّه علمانيّ وليس إسلاميّاً، وبعد أن توجّه إلى صديقه بوتين، وبعد العهد الجديد من التقارب الإيرانيّ الروسيّ، لكن بعدها جاء جواب التهنئة على غارات الجيش السوريّ بعد يومٍ واحدٍ فحسب، صريحاً واضحاً من علي يلديرم الذي قال فيه مباركاً الأسد: “يمكن أن يبقى الأسد في المرحلة المقبلة” وهذه هي الصفقة، وهنا جوهر الهجوم على الحسكة.
قد تلخّص التجربة السوريّة تاريخ الدولة القوميّة في الشرق الأوسط، وتلخّص لا مبدئيّة هذه الدولة، وعلى كلّ إنسان مثقّف متصالح مع نفسه أن ينطلق من مبدأ رفض لا أخلاقيّة الدولة المركزيّة القوميّة، ويرى فيها الشرّ المطلق، يرى فيها اللامبدئيّة، واللاأخلاق، فانظروا إلى سيناريو لامبدئيّة الدولة التركيّة، والسوريّة، والإيرانيّة، والعراقيّة، والمعارضة المسيّرة من قبل هذه المنظومة، وكلّ من لفّ لفيفها، وغير تلك المنظومات التي لا قرار واضح لها.
إنّ تاريخ الاستعلاء الموجود في ذهنيّة الدولة العثمانيّة التركيّة والفارسيّة والعربيّة التي تصارعت فيما بينها أبداً، لكنّها اتّفقت على وأد أيّة نهضة كرديّة، أو أيّة نظريّة كرديّة أو أيّ قرار كرديّ، وهنا لبّ الموضوع، فالنظام الذي انسحب من كلّ المدن والقرى التي سلّمها لداعش، ولم يُمطر هذا الوحش الداعشيّ بأيّة قذيقة من طائرة، الآن يقصف من طرد داعش من كلّ الشمال السوريّ.
الحوار المتمدن[1]