مصفوفةٌ أَم حليبٌ مسحوبٌ خَيّرُه !
لغةٌ واحدة … علمٌ واحد … نشيدٌ واحد … هذه كانت زبدة الخض والمخاض السوري العسير التي توافق عليها من حضر في اللقاء الحواري الذي جرى في برلين تحت رعاية مركز حرمون … صالون هنانو.
في الوقت الذي كنا نستبشر فيه خيراً بهذا المسعى الذي بدأت به نخبٌ عربية سورية أكاديمية ذات باعٍ طويلٍ في الحقل المعرفي والسياسي, ولها تاريخٌ طويلٌ في مقارعة الاستبداد والنظام الدكتاتوري, وخاصة المنحدرون من جذور يسارية علمانية.
لا يمكن التشكيك في نوايا ومقاصد كل من حضر أو داخل في تلك الندوة الحوارية, فقد علت أصواتٌ عربية سورية ولامست تماماً الجرح الكردي, و أبدت مواقفها من الحل الفيدرالي والقضية الكردية كقضية شعب, في الوقت الذي تراخت أصوات غالبية الكرد في الصالة, وفشلوا في إيصال صدى الشعب الكردي وطموحه, رغم ذلك تم إخراج ما سميت بالمصفوفة ونشرها على إنها زبدة الحوار ! .
أهم النقاط التي نجح بعض المثقفين أو المشرفين على الندوة في تمريرها كانت مؤسفة, خاصة اسلوب عنوّنة المنشور الإعلامي الذي صدر عنه في موقع جيرون تحت عنوان سوريون يناقشون (مخاطر الفيدرالية واللامركزية), تمعنوا بشكلٍ جيد بهذا العنوان الذي يوحي ويخاطب المتلقي بحكمٍ مسبق, ألا وهو أن الفيدرالية خطر واللامركزية خطر فتجنبوه يا معشر السوريين, أو بمعنى آخر أنهم يقولون بشكلٍ مواربٍ إن فضائل المركزية كبيرة وعليكم الإبقاء عليها!
ولكن الطامة الكبرى إن الحوار أو اللقاء كان مخصصاً لمناقشة سبل إيجاد حلول أو حل للقضية الكردية, ولكن ما ورد في المصفوفة لغي ونفى بنيوياً وجود قضية كوردية أصلاً.
فعندما نقول قضية كوردية يعني إننا نتحدث عن شعبٍ وعن قوميةٍ لهم قضية لا تشبه القضايا الأخرى والعامة في سوريا, يعني إننا نخصص ونميز هذه القضية عن غيرها من القضايا والمشاكل من حيث الحجم, والميّزة التي لا يمكن أن تتقارن مع قضية عابرة أو بسيطة. فالقضية الكردية هي قضيةُ حقوقٍ قومية لثاني أكبر قومية في الدولة السورية, ولا نتكلم هنا عن المظالم العامة التي تشاركت بها جميع مكونات الدولة السورية, فأي حديث عن الأعياد أو الفلكلور أو اللغة ومعاملات الزواج والطلاق وفتح محلات تجارية والسفر والدراسة والأسماء والعمل وممارسة السياسة وتأسيس منظمات وأحزاب وإلى آخره لا يعني أننا نتحدث عن القضية القومية للكرد؛ لأن كل ما ذكر سابقاً هي قضايا إنسانية وحقوق طبيعية مشرعنة بوثائق دولية, وهي لا تمنح كهبةٍ أو صدقةٍ أو منية فهي حقوق متعلقة بوجود الإنسان أينما كان.
وعليه أن ما ورد في هذا البند هو نسفٌ أو إعادة إنتاج ما كان عليه الشعب الكردي في ظل النظام البعثي, ولكن هذه المرة بالتراضي وليسَ بشكلٍ قسري!
1-الإقرار الدستوري بوجود الأكراد القومي في سورية, واعتبارهم جزءً أصيلاً من الشعب السوري الواحد, يتمتعون بجميع حقوق المواطنة التي يمتع بها بقية السوريين.
لننظر سوياً إلى هذه الفقرة بدءً من الصياغة, حيث كتب كلمة الأكراد وليس الكرد, وهذا بحد ذاته له دلالاتٌ باطنيةٌ عميقةٌ وتقزيمٌ واستخفاف للشعب الكردي, لأن هذه الكلمة اطلقها غلاة الشوفينيين على الكرد لتصغيرهم, وذلك على وزن الأعراب ومع ذلك هذا الخطأ يمكن تداركه واعتقد إن لا يمانع أحداً من التصحيح.!
ولكن ما لا يمكن التسامح به بالمطلق هو تجنب استخدام كلمة الشعب, أو حتى كلمة القومية, وكان يجب كأضعف الإيمان وكتعبيرٍ عن الحقيقة والإخلاص مع الذات في إيجاد حلٍ عادلٍ أن تكون الفقرة هكذا, ( الإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي وحقوقه القومية في إطارِ اتحادٍ طوعيٍ بين مختلف مكونات الدولة السورية), وهذا هو أفضل التعابير التي تطمئن الكرد والعرب معاً, فهي تنفي نية الكرد بالاستقلال والانفصال عن الوطن السوري الحالي, وتنفي نية العرب بإنكار حقوق الكرد كشعب وقومية أو الانقلاب عليهم بعد انتهاء الحرب والكارثة السورية. وما تبقى من التفاصيل استناداً على هذا الإقرار يمكن التحاور والتوافق عليه مع الشركاء العرب والسريان والتركمان في غربي كوردستان والشمال السوري, دون أن يتدخل فيه أحدٌ من خارج هذه الجغرافية إلا من باب المساعدة والوساطة فقط.
من يقرأ الفقرة أعلاه يفهم إنه كان هناك شك بوجود الكرد !!
وإلا ما معنى الإقرار بوجود (الأكراد)؟
هل يعني على كل كوردي أن يتلمس جسمه ليشعر أنه موجودٌ حقاً؟ وهل كان هناك جدلٌ حول وجود الكرد أو عدم وجودهم؟
هل يعني هذا إنه انجازٌ و دحضٌ لنظرية أحمد حاج علي, وهيثم المالح التي تقول بأن الكرد كانوا عرباً ونسيو أصولهم….! وعليه أن نصفق ونشكر الله ونحمده على أننا بشر!
ربما حصل وإن نسينا اصولنا العربية ونحن لا ندري نتيجة فقدان الذاكرة من الحر الشديد … وشر البلية ما يضحك؟
وما الجديد يا إخوتنا الأكاديميين والنخب التي كنا و مازلنا نراهن عليهم من شركائنا العرب؟
إقرارٌ بوجودنا فقط دون الإشارة إلى الحقوق القومية للكرد كشعب يعيش على جزء من أرضه التي تسمى غربي كوردستان أو كوردستان الصغيرة, والحقت بالدولة السورية التي نشأت بعد 1916 دون أن يكون للكرد أو لأي مكونٍ آخر رأي في ذلك, لأنكم تعلمون إن من قسَّمَ ووَزَّعَ الأراضي الكردية وهي إلى هذا اليوم تسمى بأدبياتكم قوى استعمارية ظالمة, ولهذا يجب عليكم قبل غيركم تصحيح ما أفرزه الوجود الغربي أو ما تسمونهم بالاستعمار الظالم؟
ما الجديد في إقراركم على إننا موجودون كبشر ولكن مجردين من الحقوق القومية كسائر القوميات والشعوب في العالم؟
إقرارٌ بوجودنا كمواطنين سوريين انتزعت منهم خصوصيتهم وحقوقهم القومية..؟
وما الجديد الذي أتيتم به بعد مخاضٍ عسيرٍ وكارثةٍ مؤلمة طالت خمسة سنوات وستطول؟
فبشار الأسد والنظام البعثي قالوا مراراً إن الكرد جزءٌ أساسيٌ من النسيج السوري الأصيل, وهم أصلاء وليسوا بوافدين, ولكن دون أن يقر لنا بأي حقوق قومية كما هو حالكم!
وداعش أيضا أقر بوجود الكرد بل أنه وضع خريطة دولته وأظهر فيها كوردستان كقطعة جغرافية متميزة غير ملحقة لا بالعراق ولا بسوريا, ولكن باللون الأسود واستمر بقطع الرؤوس الكردية وتدمير مدنهم وقراهم, نعم كل من قتلنا وقصفنا و قطع رؤوسنا و رش علينا السلاح الكيميائي, وكل من علقنا على أعواد المشانق وحرق قرانا بما فيها من بشر وحيوانات ونباتات وأشجار, كل هؤلاء أقروا بوجودنا كبشرٍ من لحمٍ ودم يعني كائنات حية تتكلم بالكردية وتبكي وتغني وتصرخ تتوجع بالكردية, يعني أننا بكل تلك الحالات والأوقات لم نكن مخلوقات خرافية أو أطباق طائرة .. نعم كنا موجودون ولكن دون حقوق, دون هويتنا الخاصة, دائما كنا نحمل أو يُحَمِّلوننا هوياتً مكتوبةً عليها عربي سوري, ويقولون أنتم أهلنا و من نسيج أمتنا واخوتنا, ولكن انسوا إنكم كورد .. فأنتم منّا وفينا ويجمعنا الدين الحنيف والوعاء العروبي الرائع … !
2- اعتبار اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للدولة في الوثائق الرسمية واعتبار اللغة الكردية إحدى اللغات السورية.
وماذا يعني ذلك؟ والله يا سادة هذا ليس فتحاً ولا انتصاراً ولا منيةً, ولا تميّزاً عن البعث ونظامه, طبيعيٌ إن اللغة الكردية هي احدى اللغات في سوريا بما أنكم جعلتم من الكرد سوريين ونزعتم منهم خصوصيتهم القومية وحقوقهم كشعبٍ في البند الأول أعلاه, يعني أكيد ما راح تكون اللغة الكردية إحدى اللغات السنغالية أو الصينية مثلاً!
يعني حسب هذا البند تقرون بحق الكرد في التكلم ببيوتهم ومع عائلاتهم بلغتهم الأم, وكذلك يحق لهم أن يكتبوا على صفحاتهم الفيسبوكية بالكردية, ويكتبوا الشعر والرواية في أوقات فراغهم بلغتهم الأم الكردية, كثر الله خيركم!
ولكن ستبقى العربية وثم العربية هي اللغة الوحيدة والرسمية, ولا يجوز أن تجاريها أية لغة والعياذ بالله!
في السياسة تنكرتم لوجودنا كقومٍ وشعبٍ وفي اللغة أيضاً, هل تعلمون يا رعاكم الله إن في كل بلاد المهجر والاغتراب يحق لأي مجموعة عرقية أن تتعلم بلغتها الأم, وأن يكون لهم مدارس بلغتهم إن استطاعوا تدبير ذلك من الناحية الاقتصادية, وتأمين الكوادر والعنصر البشري؟ فكيف بشعبٍ يعيش على أرضه تفرضون عليه أن تكون لغتهم الرسمية اللغة العربية؟
3- جعل عيد النيروز كإحدى الأعياد الوطنية!
وهذا كان الطعم وذر الرماد في العيون, انتزاع ومنع الحقوق القومية عن الكرد كشعب, والإبقاء على حق الرقص والدبكة وشوي الكباب بيوم العيد! اصلاً يوم النوروز عطلة رسمية بحجة عيد الأم منذ أيام حافظ الأسد فما الجديد؟
4- نظام لامركزي إداري!
يعني نسخة معطرة بنكهة الجكلس, ومعدلة عن قانون الإدارة المحلية البعثي, ومع ذلك ما لحقت به من لاءات و تأكيدات على المركزية أفرغ حتى هذا البند البائس من مضمونه, حيث يؤكد البيان أو الوثيقة على مركزية كل شيء ماعدا التنفس ومعاملات الزواج والطلاق ورعي الأغنام في البراري.
– دستورٌ مركزيٌ واحد … لغة واحدة … علم واحد … ونشيد وطني واحد … وأمن مركزي وشرطة مركزية واحدة … جيش وطني واحد … حكومة مركزية واحدة … تمثيلٌ ديبلوماسيٌ مركزيٌ واحد … مجلس وزراء مركزي واحد … سياسة اقتصادية مركزية واحدة ….وقانون استثمار مركزي واحد … واتفاقيات اقتصادية مركزية واحدة !
يعني لم يبق من اللامركزية اللا إدارية المسكينة سوى اللباس الداخلي![1]