الدواعش: وبلاغة الارتداد، والانشقاق العقائدي عن الإسلام
المثقف الكردي دوره في توعية مجتمعه، والدفاع عن قضايا أمته.
خالص مسور
لاشك أن التاريخ الإسلامي يحفل بالعديد من الانتكاسات الفقهية والمذهبية المثيرة، كما يحفل بالعديد من الانتصارات المبينة على أصخاب النفسيات العنجهية بالفعل. ومن تلك الانتكاسات نذكر الردة القبائلية في شبه الجزيرة العربية مثوى الإسلام ومستقره في عهد الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق، حينما ارتدت بعد وفاة الرسول مباشرة قبائل غطفان، وجهلاء طيء، وبني أسد، وهوازن، وبني سليم…الخ.
وهؤلاء ممن لم يمكن الله لإسلام في قلوبهم بعد، وكان الإرتداد لمنع دفع الزكاة، وكان المرتدون ومنهم مالك بن نويرة الذي قتله خالد بن الوليد ربما بدون وجه حق حسب وحهة نظر الخليفة عمر بن الخطاب(ر)، كانوا يقولون أن الزكاة كنا ندفعها لرسول الله(ًص) والآن وبعد وفاة الرسول فقد مات صاحب الزكاة فلمن ندفعها لأحد بعده ولماذا ندفعها أصلاً، غير أن بو بكر الصديق قال في ذلك قولته المشهورة:(والله لو أن الزكاة المستحقة عليهم لا تساوي أكثر من حبل ليف لقاتلتهم عليه حتى يؤدوه): وبالفعل قاتلهم الصديق قتالاً لا هوادة فيه حتى ثابوا إلى رشدهم، وبدأ الإسلام ينتشر بين الملل والنحل لكن بالتأكيد ليس بقطع الرؤوس ولا بالمجاز الجماعية كما يحدث الآن مع الدواعش وسيرتهم الجهادية المزعومة. هكذا كانت الردة منعطفاً تاريخياً حاسماً وخطراً في تاريخ الإسلام وعلى ركائزه الكاريزمية وشرائعه وحيثياته، لكن حزم الخليفة الصديق حسم الموقف لصالح الإسلام وحافظ على تماسك الجسد الإسلامي وروحه وأصالته.
لكن الردة الثانية والتاريخية والتي باتت تشكل المنعطف التاريخي الحاسم والأخطر ليس على الإسلام فقط، بال على الشعوب الإسلامية أيضاَ، ألا وهي الردة الداعشوية عن الإسلام بشكل أدهى وأمر، وقد اعتبرنا أعمال الدواعش الذبح جهادية ردة مؤلمة في المسيرة العقائدية الإسلامية وذلك لعدة أسباب منها:
1 – لأن في تصرفات الدواعش ما ينبي عن ارتداد صريح وواضح عن الثوابت الإسلامية والتوجه نحو دين مشتق عن الإسلام وإنما قائم على الكفر البواح والتكفير المنداح، لأنهم يقتلون المسلم الركع السجود والملحد العدمي ولايميزون بينهما في الجزاء والقتل.
2 – إن الذبح في مواقف لا تستحقه، وبخلاف حكم الله وآياته ومستوجبات الكفر بهذه الآيات علناً، يقول الرسول(ص) قي الحديث الشريف(لا يحل دم امريء إلا لثلاث، الثيب الزاني، والقاتل العمد العمد، والتارك لدينه المفارق لجماعته)، وبخلاف هؤلاء لا يستوجب الذبح أو سفك دم مسلم، وهذه المحللات الثلاث يتجاوزها الدواعش إلى تكفير المجتمع برمته، فمن بين من يتعرض لذبحهم هناك الأبرياء والركع السجود حتى من المسلمين أنفسهم، فليس هناك اليوم من يرتد عن دينه إلا لماماً، وحتى إذا وجد فإنه يستتاب فإن أبى حينئذ يحل قتله، وليس من بين من يقتلتهم الدواعش قواتل عمد ربما قد تكون هناك نسبة منهم لا تذكر، كما أن الثيب الزاني إن وجد فبنسبة لاتذكر أيضاً وفي هذه الحال يجب إحضار أربعة شهود. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ألا يعلم الدواعش هذه الأمور ولماذا يقتلون المسلمين بهذه السفالة إذاً، وهم معصوموا الدماء من الله ورسوله؟ وقد يأتينا الجواب بأن سبب هذا الأمرهوالانشقاق عن الدين الاسلامي، وبدعة جديدة، وسنة سيئة، وخروج عن دين الله والإشهار بمذهب جديد هو مذهب “التدعيش” سببه فتاوى المصري(سيد قطب) منظر الجهاد الأصغر والتكفير، والذي يرى بأن المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي كله فاسق وكافر، لأن الأفراد لا يصلون ولا يزكون، وهم يزنون ويسرقون، وحتى إذا كان هناك مصلون فإنهم لايعلمون ما يقولون، أويرددونها كالببغاء ولا يتدبرون، ولهذا أهدر سيد قطب دماء المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، وعليه يجب إعادة الكفرة والمرتدين بالسيف إلى حظيرة الدولة الإسلامية، وأن هناك إكراه في الدين ولم يعد يتبين الرشد من الغي لدى تلك المجتمعات، في عملية انقلابية صريحة على آيات الله وسنن نبيه الأعظم.
3 – الجهاد عن طريق الانتحار، وهذه بدعة وسنة سيئة تخرج المؤمن بها والممارس لها عن الإسلام مهما كانت الأسباب والمبررات، وتحت حجج جواز قتل المسلم البريء إذا كان قتلهم يؤدي إلى الوصول إلى الكفار ونحن في حالة حرب معهم، أي يجوز قتل المسلمين للوصول إلى المتحصنين وراءهم كدروع بشرية، وهذا الأمر لا يقره الإسلام إلا في حالات استثنائية وعند الضرورة القصوى، أما تفجير النفس وسط جموع الأبرياء والانتحار ليتردى صاحبه من حالق، وحالة جواز قتل المسلمين والناس الأبرياء على الأفران وفي بيوتهم وأماكن عملهم، فهذا مما لا يقره الإسلام مطلقاً، بل ليس جزاء من يفعل ذلك إلا جهنم خالداً فيها، وهو ما ينطبق على المرتدين الجدد من الدواعش ومن لف لفهم من النصرة وغيرهم، لأنهم يأتون إلى أماكن عامة يفرضون فيها الحرب وليس فيها دروع بشرية فيفجر انتحاريهم نفسه بحجة أنه بغير قتل البريء لا يمكن الوصول إلى المذنب، لكن الحقيقة الناصعة هي كل من ليس في ملتهم ومذهبهم الانشقافي الجديد يقتل شرعاً دواعشياً، و أن المجتمعات الأخرى كلها فاسدة والناس مهدوروا الدماء فيها، ولا يهم من يقتل ومن لم يقتل فالكل كفار سواسية كأسنان المشط أمام كفرهم، وبذلك يبرهن قتل الأبرياء أنصع مادة للإرتداد ال#داعش# ي العقائدي عن الإسلام، وهم مرتدوا القرن الواحد والعشرين، لكن ليس هناك أبوبكر ليتصدى لهم ليقاتلهم على الذبح، بل بالعكس هنا سيد قطب الذي بررقتل الأبرياء وجعله شرعة للمنشقين عن الإسلام ومنهاجا. وسيتحمل قطب مع دواعشه الموتورين وزرموت الأبرياء وآهات الأمهات الثكالى يوم يحشر الناس ضحى. وعلى المسلمين جميعاً قبل الآخرين محاربتهم واستئصال شأفتهم لأنهم يقتلون المسلمين وهم في ديارهم مسالمون. بالإضافة إلى أن هؤلاء الدواعش المرتدون قطعوا الطريق على المؤمنين الجدد وأوقفوا بعملهم البغيض هذا انتشارالاسلام بشكل سلمي وطبيعي، لأنه كان هناك المئات كل عام يعتنقون الإسلام طوعاً واختياراً، بذا فقد ساهموا في تنفير الناس من الإسلام لتصرفاتهم المشينة وارتدادهم عن دين الله الحنيف والله منهم ومن أعمالهم بريء، وكما قال إمام الحرمين الشريفين في خطبة عيد الفطر السعيد:(والله أن الدواعش لا علاقة لهم بالدين، إنهم يقتلون المسلمين الركع السجود) وهذا والله هو الارتداد بعينه.[1]