الكابوس الشرق أوسطي
لقد أضحت الدول العالميّة تصفّق مع إعلامها للسلطان العثمانيّ الجديد الغبيّ المتهوّر كي يمضي قُدُماً في غيِّه، وكأنّها تجرّه إلى الهاوية دون وعي منه، فحتّى إذا غاص كثيراً في وحل الغباء انقضوا عليه، ومزّقوه إرباً إرباً، ويبدو فيما يبدو أنّ الاحتلال التركي لجرابلس جاء لصالح قوّات سوريا الديمقراطيّة، وأضحى فخاًّ لتركيا، فلولا هذا الاحتلال-الفخّ لما اعترفت تركيا بقوّات سوريا الديمقراطيّة بوساطة التحالف الدوليّ، ولما أفرغت داريّا، ولما فشلت غزوة حلب الجرّارة، وكأنّ هناك اتّفاقاً ما بين النظام السوري وتركيا والائتلاف في حصر الصراع ضدّ الكرد ومناطق الإدارة الذاتيّة، وعمليّة تسليم حلب ودمشق للنظام وحصر الصراع في إدلب وجرابلس ضدّ المدّ الديمقراطيّ الوحيد في سوريا، استهدافاً لمشروع الفيدراليّة في سوريا، وإنّ الغد ينبئ أنّ الدولة التركيّة ستصمت مرغمةً أمام أيّ تقدّم لقوّات سوريا الديمقراطيّة بعد الإذلال المشين لها في اتفاقيّة الساجور غير المعلنة، لفتح الطريق أمام قوّات سوريا الديمقراطيّة لوصل #عفرين# ب#كوباني#، بعد أنّ أوعز المايسترو الأميركي للنظام السوريّ والروسيّ والفرنسيّ بعد أيّام من الاحتلال التركيّ لجرابلس للتنديد به، ووقوع السلطان في الفخ الروسيّ مرّة ثانية.
كأنّ غاية مركزيّة الرأسمال العالميّ تكمن في عزل السلطان عن التأثير في المسألة السوريّة، ونقل الصراع إلى الجانب التركيّ بعد تخبّط العلاقة بين داعش وأردوغان من جهة، وبعد انقلاب بعض الأقلام العربيّة على السلطان العثمانيّ المشروع الذي تطلّعت إليه نخبة المفكّرين العرب.
إنّ معظم أقلام المفكّرين تفكّر وتحلّل الحياة في فلك الدول القوميّة وسياساتها اللاأخلاقيّة، وتريد أن تحلّلها وفق منظور أخلاقيّ وهميّ، ناسية المجتمع نسياناً مطلقاً، بل أصبحت تلك الأقلام جاهلة كلّ الجهل بالسياسة المجتمعيّة. من هنا يستطيع المجتمع أن يطلق لفظة (المثقّف) على كلّ من يهتمّ بالسياسة المجتمعيّة الأخلاقيّة، لا من خلال تلك النخب التي تهتمّ بالدولة واللعب الإقليميّة الرأسماليّة التي رأت في السياسة مؤسّسة رأسماليّة بحتة، وهيهات أن يعي هذا الكلام من لا يقدّر المجتمع وسياسته الأخلاقيّة.
بعد فضيحة الاحتلال وفضائح بناء أردوغان الجدار العازل في الأراضي السوريّة، لم نرَ مظاهرةً واحدة للعرب تناهض الاحتلال التركيّ لجرابلس وبنائه الجدار في الأراضي السوريّة خارج مناطق روج آفا والشمال السوريّ لا في مناطق النظام ولا المعارضة، ولا في الخارج.
إنّ القوميّة العربيّة حقٌّ مشروعٌ للمكوّن العربيّ كما القوميّة الكرديّة وغيرها من القوميّات المشروعة في العالم، لكنّ القومويّة العروبيّة (كقوميّة استعلائيّة) تنشط عندما يتعلّق الأمر بالكرد فحسب، فالعروبيّون يتحجّجون أنّ الكرد سيقسّمون سوريا، ويتعاملون مع الكرد على أساس النيّة، أمّا الاحتلال التركيّ الواضح لسوريا يتعاملون معه على نطاق مختلف، وقد أثبت هذا الاحتلال أنّ الائتلاف السوريّ يخون العرب قبل الكرد، فهدفه الآن حفظ الأمن القوميّ التركيّ وإن ضحّى بالشمال السوريّ كاملاً للاحتلال التركيّ، وقد ثبت بالدليل القاطع أنّ الائتلاف والمجلس الوطنيّ السوريّ مع أردوغان هم شبيحةُ النظام السوريّ، فهي معادلة قلب الحقائق رأساً على عقب، وهي برهان على زيف القومويّة العروبيّة، وبداية النهايّة للقومويّة في سوريا.[1]