عن الجذر المعرفي والسياسي للأزمة السورية؛ وعن الحلول (2 من 2)
سيهانوك ديبو
الحقيقة الأولى: أن بلداً يحتل بلداً آخر؛ أن تركيا تحتل سوريا.
الحقيقة الثانية: أن من دخل مع الدبابة التركية هم داعش أو تفريخاته المستجدة؛ وليس بالجيش الحر.
الحقيقة الثالثة: أن قوات الاحتلال التركي تتحرك بتهور سيقضي عليها عاجلاً أم آجلاً؛ مرتبط ذلك بحجم العداوة التي تبديها تركيا في ذلك لكينونة الشعب الكردي وقضيته ووجوده.
هذه الحقائق باعتبارها الحقيقة الملموسة وليس بالتحليل الاستشرافي. وبالرغم من أنها كذلك؛ إلا أن ما يلاحظه السوري حجم المحاولة التي يبديها عموم الإعلام العربي في اعطاء شرعية للاحتلال التركي وتصوير المشهد في صورة معاكسة له تماماً في أنه تحرير من قبل المجموعات المسلحة المنسلخة من #داعش# والمرتبطة به وبمراكز تصنيعه وتوجيهه التركي في الوقت نفسه تحت مسميات الزنكي والفرقة13 والصقور .. إلى ما شابه في ذلك من انسلاخات، ويتم تصوير التهديد التركي لأمن تركيا نفسها ومجمل البلدان المجاورة لها على أن احتلالها لسوريا في خدمة السيادة السورية نفسها!! وهو نفسه أي الإعلام العربي؛ عمومه؛ صوّر الإخلاء المذل لأهالي وكل من في داريا بمن فيهم المدنيين المتبقيين ونَزْحِهم إلى خارجها بأنه انتصار!!
الأسوأ من مثل هكذا أعلام هو إعلان عموم (المعارضة) بالتصفيق لما تقوم به تركيا والاستدارة معها حتى لو وصلت بهم الدوائر إلى الوقوف في حضن النظام مرة أخرى؛ مثلما خرج أغلبهم من هذا الحضن في بادئ الحراك الثوري السوري وبُعيده وفي لاحق الأزمة السورية، وهؤلاء هم أنفسهم من شهدناهم في مؤتمرات المعارضة الرافضين والممانعين لذكر أو إدراج كلمة الشعب الكردي في سوريا؛ تحت حجج الانفصال أو التقسيم، وهؤلاء مع تركيا في المعاداة ضد النظام وفي المصالحة معه، ومع إرسالها الجماعات الإرهابية كما داعش إلى سوريا ومع احتلالها المباشر لها. الحنين إلى العثمانية والتبعية لها ما زالت تزخر عند هؤلاء ولو بعد مئة عامة سابقة منقضية أو آنية متبقية أو لاحقة مستقدمة.
المشهد لا يمكن أن ينته عند هذا الفصل: التردي المعرفي السياسي لا يمكن أن تكون هو التغيير الذي سأله شعب سوريا قبل ست سنوات؛ أشبه بالضد من حركية التاريخ أن يتم إعادة النظام الاستبدادي حينما يربت على كتفه الأنظمة الاستبدادية، وشيء مثل هذه الأشياء المتبعثرة من قبل كتل الستاتيك والعدم.
في روج آفا- شمال سوريا يُلاحظ بأن الهجوم على مشروع الحل الديمقراطي في أوجهه ومن المتوقع بأن ترتفع وتيرة الهجوم أكثر؛ وهذا دليل بحد ذاته على أن المشروع بات في معرض القوي الذي تجد الأنظمة الاستبدادية الخطر على وجودها.
إنها بصراحة -الأنظمة الاستبدادية- إنها بصراحة- المعارضة الاستبدادية- تبغيان (الأكراد) الموتى، وكلاهما يرفضان مع الأكراد الموتى للكرد الأحياء الفاعلين. وهذا أصل حقيقة الحقائق الثلاثة وما تشبهها بكل الانتماءات لها من مجموعات المشبوهين والمتشبِّهين لهم وبهم ومنهم. لقد أنتهى زمن الظل والذل. إنه زمن الانبعاث الذي لا يمكن أن يزول، وأنه يُفضي بالنهاية إلى عيش حقيقي سليم لجميع الشعوب والثقافات التي اشتركت في إنتاج القيمة المجتمعية للشرق الأوسط الديمقراطي.[1]