أكره الرمادي من الألوان !!!
الحالة الكردية السورية صراع الإعلام والأعلام
مصطفى عبدو
غالباً اللون الأسود هو رمز يعبر عن السوداوية وما هو سلبي، وأن اللون الأبيض يعبر عن الأمل والتفاؤل وما هو إيجابي. وبتعبير آخر، اللون الأسود يرمز للأشياء القبيحة وغير المرغوب فيها، بينما اللون الأبيض عكس ذلك، فهو رمز للأشياء الجميلة. ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا
لون آخر، لون لا يعتبر الأمور كلها سوداء، وأيضا لا يعتبرها كلها بيضاء، إنه الرمادي.
فالرمادي ليس لوناً بحد ذاته، ويعزو البعض اللون الرمادي إلى امتزاج اللونين الأسود والأبيض بنسب متفاوتة ، ولكن ليس بالضرورة أن ينتج الرمادي من اختلاط الأبيض بالأسود. وكما هو معروف فالرمادي لون يعكس الكآبة والركود وقلة النشاط والحيلة، وكذلك فإن حالة عدم الرغبة في الظهور هي حالة رمادية.
هناك من الناس من يتعاملون دوما بالمنطق الأسود وهم كثر، فمثلاً عندما تسأل أحدهم عن موضوع ما، يجيبك بكلام سلبي وسوداوي جداً، فهويقوم بتقديس الأشخاص ومقولاتهم وأفعالهم، ويتعامل مع الناس بشكل من التعصب، وتجده يدافع عن فكرة خاطئة، وسبب ذلك تعلقه بذلك الشخص ويعتبر كل أقواله صحيحة وكأنه معصوم من الخطأ. والخطير في الأمر أنه يصبح يكره كل من يخالفه ويقوم بعملية التصنيف، وقد يؤثر ذلك حتى في العلاقات الأخوية. أما الذي يتعامل بالمنطق الأبيض، فهو صاحب مقولة ” الحياة حلوة “ ويتعامل مع الناس بمنطق التفاؤل وسعة الصدر وتقبل الآخر.
في الحياة كما في الألوان هناك أشخاص بألوان الطيف، وهناك أحزاب أيضاً. فتجد منها اليسارية، واليمينية، والديمقراطية، والشيوعية، وهناك الحزب الليبرالي، والخضر، والسلام، والإصلاح، والتجديد، والتغيير، والتواصل…و و و، إلى جانب كل ذلك تبقى هناك بقايا رمادية لا تنتمي إلى أي من ألوان الطيف هذه، إنه الإنسان الرمادي، الذي لا ينتمي بالضرورة لأحد ولا يهمه كيف يعيش وأين يعيش فكل شيء لديه سواء، فهو إنسان بلا إرادة, بلا رأي، بلا شخصية، بلا فكر،بلا حياة,فهو نادراً ما يتابع نشرات الأخبار وإن فعل بحكم العادة أو المحيط فهو بلا رأي في الأحداث، لا يتحدث في السياسة فالسياسة عنده رجس من عمل الشيطان، لا يشكو من ارتفاع الأسعار ولا من فقدان المواد حتى لو فقدت الكرامة، فهذه أيضاً قد لا تعنيه في شيء، فهولا يشكو حتى إذا بلغت الأزمات ذروتها فكل شيء عنده صابون. اجتماعيّاً، لا تعنيه الحوادث أو القضايا المجتمعية ولا الجرائم الإنسانية ولا ما بلغت إليه الأوضاع، فهو لا تعنيه الثورات سواء الحمراء منها أو الخضراء، لا يؤمن بأن سنة الحياة التغيير، ليس له موقف واضح فهو رمادي الموقف والرأي. الرمادي فرد لا يملك استقلالًاً اقتصاديّاً ومع ذلك تجده ممتن لكل مما هو عليه ، وتتلاشى البدايات والنهايات عنده. إنه الإنسان الرمادي صنيعة النظم الديكتاتورية وما أكثرها بذرة السوء هذه وفي مجتمعنا هذا.
فلماذا يكثر مثل هذا الإنسان الرمادي؟
عندما تغيب العدالة الاجتماعية وتسود ثقافة الإنكار والخضوع وتحتكر المؤسسات، بينما تتولى أجهزة الضبط عملية فرز أطياف الشعب فليس بمستغرب حينها أن تتفشى السلبية بين الناس فتمتزج ألوان الناس في النهاية مكونة اللون الرمادي.
فكل إنسان له إيجابياته وسلبياته، والمطلوب منا أن ندعم هذه الإيجابيات ونقتدي بها، ونُقَوِّم السلبيات وننصح صاحبها بالابتعاد عنها. فمحبة شخص لا يعني أن كلامه كله صحيح، وكره شخص لا يعني أن كلامه كله خطأ. فلنناقش الأفكار لا الأشخاص.[1]