تركيا وأوهام الامبراطورية العثمانية
حسينة عنتر
أكثر الأطراف المعنية بالملف السوري تحولوا إلى حالة أشخاص يعانون من انفصام الشخصية، أو كأن هناك من يدفعهم إلى تغير مواقفهم واستراتيجاتهم حيال القضية السورية، فالأزمة التي باتت عمرها أكثر من خمس سنوات، طرأت عليها مستجدات لربما تكون واضحة أو غامضة تستعصى عليها الحلول، فالشعب الذي ثار ضد نظام فاشي مستبد و طالب بإسقاطه،ما لبث أن توجه نحو التحول إلى أمور أخرى لا علاقة لها بالثورة السورية، ولا بما قامت من أجلها هذ الثورة، فبادرت بعض الدول الاقليمية والدولية إلى التدخل بشكل أو بآخر، والتحكم في مسار الثورة، مما ساهم في تشكيل فصائل عديدة تقاتل على الأراضي السورية خدمة لأجندات هذه الدول التي تخلق الذرائع للتدخل، وبالفعل فقد تدخلت هذه الدول منذ خمسة أعوام لدعم المعارضة ومحاربة النظام، وهذه مسرحية ألفتها هذه الدول كتركيا والسعودية وبعض دول الخليج، وخاصة تركيا التي بدأت تتخبط هنا وهناك، فتصف حزب العمال الكردستاني عدوها اللدود بالإرهاب، والأن تدعو داعش ثم جماعة فتح الله غولن كذلك بالإرهاب بعد أن كان غولن صديق اردوغان الأول والآن هو عدوه، وذلك بعد التطورات الأخيرة التي جرت على الساحة التركية عقب الانقلاب الفاشل. مما دفعت الحكومة التركية إلى اصدار قرارات تعسفية وغير معقولة، كإحالة أكثر من نصف جيشه وفصل ضباط من رتب عليا إلى التقاعد، وشملت حالات الفصل مؤسسات الدولة، كفصل عمداء الكليات والجامعات كذلك كبارموظفي الدولة. أما من الناحية الخارجية، فهناك تغير ملحوظ وواضح في سياسته فجمع بين خصومه و قدم الكثير من التنازلات لدول كروسيا، وإيران، وإسرائيل. فاللقاء الروسي -التركي والتركي الإيراني أدى إلى تقارب بين النظام السوري والتركي، وهذا ما أسفر عنه الاجتماع الرباعي الروسي الايراني التركي السوري، وفتح باب المفاوضات أمام هذه الحكومات. هذا كله جاء نتيجة الانتصارات التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الشعبية والمرأة في شمال غرب سوريا ضد داعش ودحره، وخاصة بعد تحرير مدينة منبج وتخوف الدولة التركية والايرانية من نشوء كيان كردي مستقل في الشمال السوري حسب زعمها فإن ايران تحولت من الشريك الداعم للنظام السوري إلى الراعي الأول له، ودخول جيشها إلى الأراضي السورية ومحاربتها إلى جانب النظام وقواته بالإضافة إلى حزب الله ضد فصائل المعارضة. ولكن المعادلة أخذت مجريات جديدة عندما حققت قوات سوريا الديمقراطية الكثير من الانتصارات ضد المجموعات الارهابية وداعش في تل أبيض وعين عيسى والشدادي، وانتصارها الأخير في منبج زادت من المخاوف التركية، وهذا ما دفعتها إلى إرسال مخابراتها إلى دمشق للقاء الحكومة السورية وكسب رضى النظام، ونتيجة لذلك قامت قوات النظام البعثي بأعمال شغب وتخريب واستفزاز ضد قوات الأسايش في الحسكة مما أدى إلى نشوب اصطدامات واشتباكات عنيفة بين قوات النظام البعثي وقوات الاسايش في المدينة، واستخدام الأخيرللسلاح الجوي وقصف المدنيين بالطائرات وخاصة في مناطق تواجد الكرد مثل (المفتي، الكلاسة، الصالحية..) مما أدى إلى نزوح الألاف من السكان إلى المناطق المجاورة وسقوط عدد من القتلى في صفوف المدنيين، لكن كل هذه باءت بالفشل الذريع، وهذه السياسات جميعها باتت مكشوفة لدى الجميع. وتسعى تركيا
للضغط وتضييق الخناق على انجازات سوريا الديمقراطية، فجاءت اشتباكات #الحسكة# كبؤرة صراخ جديدة متعددة الأبعاد، منها ما خفي ومنها ما هو ظاهرفي العلن على الساحة الاقليمية والدولية، كما هو الحال مع تركيا والتي طالبت روسيا باستخدام قاعدة انجرليك والتي تبعد نحو 100 كم من الاراضي السورية بعد أن أوقفت الحكومة الإيرانية استخدام روسيا لمطار همدان، لكن ليس لمحاربة داعش بل لمرور ما يسمى بمرتزقة الائتلاف وجيش الفتح وما إلى هناك من المجموعات الارهابية التي تعمل تحت إدارة اردوغان وأعوانه، واقتحامه لمدينة جرابلس ومن ثم بلدة الراعي، للوصول الى مدينة الباب لتشكل حاجزاً أمام تقدم قوات سوريا الديمقراطية، والأغرب من ذلك هو تصريحات الحكومة التركية التي تؤكد دور الأسد في المرحلة الانتقالية، والايام القادمة كفيلة عن كشف القناع وسقوطه.
[1]