ال PYD من روح التجدد والأفكار الصائبة الى ملامسة ضمائر الشعوب
دلبرين فارس
الدولة التركية احتلت جرابلس تحت ذريعة محاربة داعش، والعالم اجمع على دراية تامة بالتعاون والتنسيق بين نظام الدولة التركية وتنظيم داعش الإرهابي بكافة مسمياته، كذلك يُدرِك كُل القوى العالمية والضليعة في الصراع السوري أن هذه الحملة الغوغائية العسكرية التركية موجهة ضد الكرد بشكلٍ مباشر, وضد القوى الديمقراطية السورية المتحالفة تحت سقف الإدارة الذاتية الديمقراطية.
ومن المؤكد وحسبما يشير معظم الدلائل قبل وخلال هذا الاحتلال وبماركة قوى عديدة وعلى رأسها الإئتلاف السوري المعارض أنها من نتاج الاتفاقات والتوازنات الدولية لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيران.
السؤال هنا على ماذا أتفقوا؟ وكيف لهذه الأضداد أن تجتمع وتتوافق على هذه الحملة؟ وفق ذلك فأن الدولة التركية تهدف من وراء احتلالها قطع الطريق أمام تشكيل النظام الفدرالي لشمال سوريا والذي تم الإعلان في وقتٍ سابق مجموعة من القوى الديمقراطية السورية ومن كافة المكونات. وحسب ما هو جلي للعيان ووفق المعطيات القريبة والبعيدة فأن الدولة التركية بمنهج العداء للكرد والتدخل المباشر عسكرياً في سوريا يزيد من هجيج النار المشتعلة في سوريا. وستحرق نفسها بهذه النيران الذي أستعصى اطفاؤها كما يشير إليه كافة التقارير الدولية وتحليلات المراقبون للصراع الشديد في سوريا.
هدف تركيا تتريك العرب وتشكيل حزام أمني إرهابي يفصل الشعب الكردي عن بعضه من الجانبين على غرار الحزام العربي الذي فرضه البعث على شمال سوريا مدينة جرابلس الواقعة بين مقاطعتي #عفرين# و#كوباني# وبلدة كركميش التابعة لمنطقة ديلوك في #شمال كوردستان# ؛ وقعت هذه البلدة بيد المجموعات الجهادية غالبيتهم كانوا من المهاجرين الأجانب الذين التحقوا بدافع الجهاد المقدس حسب زعمهم في سوريا والعراق.
ومع مطلع عام 2013 تمكن تنظيم داعش الإرهابي من فرض سيطرته بشكلٍ كامل على البلدة، قوات سوريا الديمقراطية وبعد تحريرها لأهم نقطة ارتكاز بالنسبة لما يسمى بتنظيم بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ألا وهي مدينة منبج, وبعد انسحاب فلول التنظيم من منبج والقرى التابعة لمنبج تمركزوا في جرابلس والباب. لكن وبعد توسيع نطاق التحرير بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية والألوية المنضوية تحتها وفي مقدمتها المجالس العسكرية لكل من(منبج والباب وجرابلس)، بدأت الأنظار تتوجه من قبل تلك القوى المحلية وبمساندة الألوية الأخرى المنضوية تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية إلى تحرير آخر معاقل التنظيم الإرهابي في جرابلس والباب. ربما ساعاتٌ أو أيامٌ قليلة كانت تفصل عن بدأ ساعة الصفر لعملية التحرير, خاصةً أن قوات مجلس جرابلس والباب ومنبج العسكرية قد تمكنت من فرض حصارٍ وطوقٍ عسكريٍ على معاقل التنظيم غرب الفرات، كيلومتراتٍ معدودة كانت تفصلهم عن معقل التنظيم الأخير في الشمال السوري. بهذه النقاط الموجزة يمكن أن نقول بأن آخر شوكة للتنظيم كانت ستقتلع من الشمال السوري وكانت ستكون الخطوة الأخيرة نحو تحقيق وإتمام المشروع الديمقراطي الفدرالي لشمال سوريا، هذا المشروع السياسي الديمقراطي الذي تبنتها القوى الديمقراطية والناجم عن تأسيس مجلس سوريا الديمقراطي، وبالتالي كان كسراً للحزام العربي الذي فرضه البعث السوري منذ عام 1965، والذي كان الهدف منه تفريغ المناطق الحدودية في الشمال السوري من الكرد, وإحداثِ نمطٍ ديمغرافيٍ جديد على المنطقة عامة.
فوبيا الكرد وبعد تحرير منبج شَكَّلَ تخوفاً كبيراً لدى الدولة التركية التي طالما أظهرت نوياها علنيةً تجاه الشعب الكردي وبشكلٍ مباشر ودون تردد. يبدو أن هذه الفوبيا المتلازمة ليست مقتصرة على الدولة التركية فقط، الأنظمة الإقليمية التقليدية أيضاً عبروا عن هاجسهم المزعوم تجاه الشعب الكردي, ويبدوا أن القضاء على داعش ودحرهم من سوريا سيهدد بزلزلة عروشهم، النظام التركي يقود التوجه السني الراديكالي في المنطقة عامة وفي سوريا خاصة على نحو إعادة السلطنة والخلافة العثمانية، يتعارض تطلعات النظام الإيراني الذي يقود التوجه الشيعي في المنطقة عامة، اختلافٌ بالشكل والمضمون هو نفسه معاداة الشعوب واستعبادها، تأجيج الصراع والضلوع في الأزمة حتى النخاع، ليس بالجديد لطالما ظَهَرَ وبشكلٍ أشد عبر التاريخ الطويل لهذه الأضداد(الصراع العثماني- الصفوي)، الدولة التركية يعتمد في صراعها المباشر والعلني مع القوى الديمقراطية والشعب الكردي على القوى السنية المتطرفة في سوريا, والمتمثلة بالجماعات التي تمولها مادياً السعودية وقطر الدولتان العربيتان، بينما مهمة التحضين والتفريخ تقع على عاتق الدولة التركية، كذلك الاعتماد على الشخصيات الكردية والعربية العلمانية الهزيلة وبعض الحُزَيّبات الرجعية المعارضة في سوريا، الدولة التركية وحتى في كل عهودها لكي تضمن بقاء وجود هيمنتها وتحمي سلطتها تعتمد هذه السياسة، وعلى النقيض من ذلك ليس بمقدور النظام التركي وتوائمه من الأنظمة الأخرى أن تعتمد القوى الديمقراطية والثورية في سياستها العامة. لأن الديمقراطية والثورة الديمقراطية لا تخدم المصالح والأجندات السلطوية البحتة لمثل هذه الأنظمة المتسلطة على رقاب الشعوب.
القوى الغوغائية الهادفة للسلطة في صراعٍ مستمر في ما بينها ولا تحمل في داخلها وفي مضمونها أي مشروعٍ ديمقراطيٍ على كافة الأصعدة, حتى وأن تخلل الصراع فيما بينهم فترات من الوئام الذي لا يدوم طويلاً، حتى يتجدد الصراع هذا ما شاهدناه منذ بدأ الصراع في سوريا، لذا مثل هذه القوى سهلة الانقياد والتوجه, وتلبي ما يتطلع إليه النظام التركي وتخدم أسواق مافيا الحروب والنزاعات بشكلٍ عام.
القوى الشعبية الثورية (إرادة الشعوب) تختلف تماماً وبتطلعاتها وتوجهاتها وسياساتها في المنطقة لذا التقرب أو احتواء هذه القوى تعني تحرر الشعوب وكسر الأغلال المفروضة من هذه الأنظمة المبنية على أساس التسلط وتسويق برامجها السلطوية على حساب حرية الشعوب وتعايشها المشترك. لذا النظام التركي لن تقبل وبأي شكلٍ كان بوجود مثل هذه الإرادة التي لا تخدم هيمنتها وسياستها، الثورة في روج آفا- شمال سوريا أثبتت ذلك، هذه الأنظمة المتناقضة والمتصارعة فيما بينها تتفق فيما بينها مجرد أن تأخذ الديمقراطية وحقوق الأنسان طابعاً كردياً, وتحاول بكل الوسائل وعبر كافة الأدوات الرخيصة قمع الشعب الكردي وخنق أي تحرك يفضي إلى حريته وحرية الشعوب الأخرى.
الشعب الكردي يقود المحور الثوري والتحول الديمقراطي في سوريا ويشارك كل المكونات الموجودة في المنطقة. ومنذ بدأ الصراع في سوريا سارع الشعب الكردي إلى حماية نفسه وحماية كل المكونات المتعايشة معه, وقدم آلاف الضحايا والشهداء في سبيل الكرامة والحرية والتأخي والعيش المشترك رغم كل محاولات الأنظمة وعلى رأسها تركيا الأخلال بهذا الواقع الحقيقي القائم على الأرض. وبدأ يُثمِر كمشروع حلٍ للأزمة والصراع في سوريا، لذا سارع النظام التركي والذي يشكل فوبيا الكرد الهاجس والكابوس الوحيد لهيمنته ولسلطنته المبنية على أنقاض وأكتاف الشعوب إلى احتلال جرابلس, وتقديم كل أشكال التنازل لأضداده من الأنظمة الإقليمية والدولية، لكن يبقى السؤال هنا هل سيخدم السياسة التركية وفق منطقها هذا حلحلة الأزمة في سوريا؟ أم سَيُزيد الطين بَلة؟ هذه المحاولة الفاشلة للنظام التركي والأنظمة السلطوية الاستبدادية رغم كل ما لحق بها من ضعفٍ وهزائم وفساد ووهن لاتزال وستبقى في حراكٍ مستمر عابثةً هنا وهناك, محاوِلةً النيل من أي مشروعٍ ديمقراطي يفضي لحل الأزمة بالشكل الديمقراطي العادل.
والتدخل التركي بهذا الشكل من التصدير لمشاكلها الداخلية إلى خارج حدودها وعدم جديتها في إيجاد حلٍ للقضية الكردية في تركيا سيزيد من غوص تركيا في الصراعات. وبالتالي ستشهد تركيا في ظل نظام العدالة والتنمية أعنف موجات الصراع بينها وبين الكرد خاصةً مع استمرار العزلة المفروضة على قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان منذ أكثر من 500 يوم، وإعلان حزب العمال الكردستاني الحرب على الجيش التركي الذي هدم أكثر من خمسة مدنٍ كردية, وهَجَّرَ الآلاف من قراهم ومدنهم، وخَتمِ مسار السلام الذي أعلنه حزب العمال الكردستاني من طرفه والذي لم يلتزم به النظام التركي لابَلّ تنكر له وشنَّ حرباً شعواء ضد الكرد والأحزاب والمؤسسات المدنية والسياسية الكردية. ضف على ذلك سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها أردوغان وعصابته الحاكمة بحق كل الأصوات والقنوات الديمقراطية الحرة المعارضة لسياساته الداخلية والخارجية والتي لن تدوم طويلاً وسيعود بالوبال على تركيا.[1]