حزب العدالة و التنمية ليس بعدو للكرد وحدهم
السياسة التركية تجاه سوريا … بقاء الهدف و تغير الأداة
خالد عمر
إنَّ تاريخ الدولة العثمانية ذاخرٌ بالمجازر والفرمانات التي ستبقى وصمات عار تلاحق أحفاد السلاطين, جرائمُ إبادة جماعية وتطهيرٍ عرقيٍ ارتكبتها الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى بحق الأرمن والسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم, ولقد كانت المذبحة الأرمنية تعتبر من أولى جرائم الإبادة الجماعية التي تم ارتكابها في تاريخ البشرية الحديث, وتشير الدراسات إلى أن هدفها كان إنهاء وجود الأرمن كشعب وكقومية. حيث راح ضحيتها أكثر من مليون أرمني, إضافةً إلى عمليات القتل فقد مُرِسَتْ أبشع عمليات التنكيل والاعتداء والتجاوزات على النساء الأرمنيات.
“مجازر سيفو” وهو الاسم الذي يطلق على المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق السريان والآشور والكلدان وراح ضحيتها مئات الآلاف إضافةً إلى عمليات الترحيل والتهجير التي مُرِسَتْ بحقهم من مناطق سكنهم ومواطنهم الأصلية.
وبالنسبة للمجازر التي ارتكبتها وترتكبها الدولة التركية بحق الكرد فتاريخ الدولة التركية مليءٌ بالأمثلة, و لعل مجزرة ديرسم التي وقعت إبان ثورة الشيخ سعيد لازالت حاضرة في الأذهان. ولم ينسها أحد حيث فقد حياته خلالها أكثر من ثلاثين ألف شخص بعد قصفهم بالطائرات. وكذلك مجزرة جزيرة بوطان التي تم فيها قتل وحرق 150 كردياً قبل أشهر من الآن.
لسنا هنا بصدد ذكر إحصائيات أو تواريخ حول ما قامت به الأنظمة الحاكمة على مر تاريخها سوآءً في عهد سلاطين بني عثمان أو في عهد الجمهورية التركية الفتاة أو في عهد حزب العدالة والتنمية, إن ما هو مهمٌ وعلى الجميع إدراكه واستنباطه أن الذهنية التي سادت الأنظمة المتلاحقة على الحكم هي نفسها, وهي ذهنية فاشية سلطوية معادية لحقوق الشعوب ونضالاتها المشروعة وتطلعاتها إلى التحرر والحرية. وأن من لا يريد الخير لأخيك وشريكك لا يمكن أن يريد الخير لك.
لا تختلف ذهنية حزب العدالة والتنمية عن ذهنية السلاطين العثمانيين ولا عن ذهنية العلمانية التركية في بداية ظهورها ولا في حاضرها, فكل هذه الأطراف لها ذات الهدف وهو معاداة الشعب الكردي والقضية الكردية وإن اختلفت الأساليب باختلاف الزمان. ولكن ما يجب وعيه وإدراكه هو أن معاداتهم لا تقتصر على الكرد فقط, ولكن ولأن الكرد أمة مشتتة لا دولة لها ولا تمثيلاً قانونياً دولياً لهم, وتعرضوا على مر التاريخ لأبشع عمليات الإبادة والصهر على يد الأنظمة الغاصبة لكردستان, فإن حزب العدالة والتنمية يجعل من معاداته للكرد بحجة خطرهم على أمن الدولة التركية واجهةً لضرب تطلعات بقية الشعوب والأقوام وحقوقها المشروعة. وذلك لأن حل أزمة الشرق الأوسط حل كلي وليس جزئي, أي أن الأزمة المُعاشة لن تُحَّلَ بمجرد حصول شعبٍ واحدٍ من الشعوب القاطنة على جغرافية الشرق الأوسط على حقوقها, وذلك بسبب التداخل والتمازج التاريخي والثقافي والاجتماعي للشعوب الموجودة باختلافاتها القومية والدينية والمذهبية, وعليه فإنه ولاستمرار بقاء السلطات الحاكمة في دول الشرق الأوسط فإنها لا تجد أمامها ومهما كانت على خلاف إلا أن تتوحد و تتفق على الوقوف ضد حقوق الشعوب. ونحن الآن نعيش أمثلة حية عن هذه الاتفاقات بين أنظمة لا تطيق بعضها.
حزب العدالة والتنمية الذي أظهر نفسه في بداية الحراك الثوري في سوريا على أنه أبٌّ للشعوب المضطهدة وأبٌ للمسلمين السنة وأنه ضد النظام العلوي – كما كان يسميه – بسبب ظلمه وتنكيله بالعرب السنة, انقلب بين ليلةٍ وضحاها إلى مُغازِلٍ لهذا النظام وقابلٍ ببقائه في السلطة, والأنكى من ذلك حصول توافق فيما بينهما فيما يتعلق بمحاربة الكرد واجتياح النظام التركي لجرابلس, لترتكب الدولة التركية بنيران مدفعيتها وصواريخها وبوساطة مرتزقتها من المجموعات الإرهابية تحت مسمى الجيش الحر مجازر بحق المدنيين العرب في ريف جرابلس كما حصل في قريتي بئرالكوسا والدندنية.
الغاية من كل ما سبق ذكره وإيراده هو أن تصل المكونات الموجودة في عموم سوريا وبالأخص في شمالها إلى معرفة حقيقة واضحة جلية, هي أن حزب العدالة والتنمية وكل من يعادي مشروع الفيدرالية في سوريا لا يعادون الكرد وحدهم, ولا يريدون ضرب الكرد حباً بالعرب, ويجب أن يعلموا أنهم لن ينالوا الحرية التي خرجوا منذ خمسة سنوات منادين بها بمعزلٍ عن الكرد. وكذلك الكرد في سوريا لا يرون حريتهم وتحررهم بمعزلٍ عن العرب والسريان والتركمان وغيرهم من المكونات, فالحل السوري حلٌ كليٌ مجملٌ غيرُ قابلٍ للتجزئةِ والقسمة, وبالتالي لا سبيل أمام هذه الشعوب سوى التكاتف والتعاون والتعاضد في سبيل إنجاح مشروع فيدرالية روج آفا- شمال سوريا و تعميم التجربة على كامل الأرض السورية.[1]