سوريا الاحتلال العثماني المعاصر
إبراهيم مراد
معركة دابق عام 1516 كانت حاسمة لاحتلال العثمانيين وقتها سوريا بعد معارك مع المماليك الذين كسروا مع انسحاب أمراءهم و مواليهم و انضمامهم للعثمانيين بقيادة سليم الأول, الذي اتجه عقب انتصاره على المماليك إلى حلب و تسلم المدينة من محافظها معيناً أحمد باشا والياً عليها. ثم اتجه إلى حُمُّص و دخلها دون قتال، ليصل دمشق و يقيم فيها اثنى عشر يوماً حيث تمكن من احتلالها.
كان قد تمكن العثمانيون من دخول سوريا و إعلان حلب أول ولاية عثمانية وقتها بسبب انسحاب أهم أمراء و موالين المماليك ومنهم جان بردي الغزالي نائب دمشق, وجمال الدين اليمن شيخ تنوخ, والأمير منصور الشهابي أمير الشهابيين في حوران وحاصبيا, وفخر الدين أمير الشوف, وعساف التركماني أمير كسروان و غيرهم الكثيرون الذين باتوا يشعروا بالهزيمة “مراجع “.
و أستمر الاحتلال العثماني لسوريا قروناً من الزمن كان من المقرر أن ينتهي نهائياً في 10-1918 إلا أنه فعلياً أستمر و تمدد لسنوات أخرى, دفع لواء اسكندرون ضريبته عام 1939 عقب انسحاب الفرنسيين من سوريا, مما جعل الأتراك الجدد(العثمانيين ) يستغلون الوضع ويدخلونه و يبسطون السيطرة عليه و إعلانه ضمن ولاية هتاي. مما جعل العلاقات التركية- السورية منذ ذلك الوقت تسود أكثر فأكثر إلى حين وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم.
توالت الأحداث على مر عقود من الزمن, وتمكنت سوريا من إعلان استقلالها و بسط نفوذها و ديكتورياتها عبر حكامها, إلا أن الاحتلال العثماني لم يقتصر على لواء إسكندرون. فمع انطلاق الثورة السورية سقطت الكثير من الأقنعة لاسيما دور تركيا خلال الأعوام الخُمس التي جاءت بالدمار للبلاد.
دور تركيا في الأزمة السورية
إن كان علينا تحليل الوضع الحالي و الاحتلال التركي لشمال سوريا علينا الرجوع قليلاً بالأحداث للوراء و إعادتها وذكر اللاعبين و دورهم, ف كان لتركيا متمثّلةً بحكومة حزب العدالة و التنمية منذ انطلاقة شرارة الثورة السورية الدور الأقذر في تحويل مسارها إلى أزمة من كافة النواحي الاقتصادية و العسكرية و السياسية. وهنا أكرر مرة أخرى حيث ذكرت في عدة مقالات سابقة بأن تركيا هي إحدى أقوى أسباب إطالة عُمر الأزمة, وتدخلها في الشأن السوري مكن النظام السوري من البقاء حتى يومنا هذا بحجة نظام شرعي يحارب الإرهاب الذي خلقت تركيا مناخه لنشأة عشرات المجموعات المتطرفة ذات نزعات تحمل في عمقها الإرهاب.
استخدم اسم الجيش الحر لتبرير وجودها في الحين التي سخرت به تركيا أرضية متينة لتقوية التنظيمات الإرهابية التي باتت فعلاً تهدد العالم أجمع ك داعش و النصرة.
كانت قد سعت تركيا جاهدةً على مر الأعوام الخمس التي مضت أن تفرض نفسها على الشأن السوري مما يسخر لها المناخ لاحتلال البلاد عبر وكلاء. واقتصادياً على مر الزمان إلا أن فشلها عسكرياً من خلال المجموعات المُسلحة التي ما تزال تدعمهم جعلها تستخدم قضية اللاجئين السوريين ك سلاح ضد الاتحاد الأوربي و الأميركان, كما كانت تستخدم الإسلام والمحور السني في كسب و تعاطف الجمهور الشرقي, إلا أن معارضة الغرب للمنطقة العازلة التي لطالما حلم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان جاءت بالهستيرية السياسية للبلاد, و خاصةً بعد تفاقم العلاقات مؤخراً بين تركيا و الغرب نسبةً لفشل السلطان إردوغان من تلبية متطلبات الغرب في السعي نحو دمقرطة الإسلام السياسي أو حله إن صح التعبير في المنطقة؛
سوريا ” التدخل التركي احتلالٌ أم إنقاذ “
هل فعلاً التدخل العسكري التركي في الشمال السوري احتلال؟! سؤالٌ يطرحُ نفسه منذ عدة أيام لا يلقى جواباً يوازي تطورات المنطقة. طبعاَ ترى أطراف المعارضة السورية المحسوبة على تركيا و التي تتلقى دعمها بأن التدخل التركي إنقاذٌ لسوريا, بينما أبعاد هذا التدخل أخطر بكثير مما يتصور المرء. ولذلك بدأت مقالتي بالتطرق إلى معركة دابق وتواطئ أمراء المماليك وقتها مع العثمانيين .فالتاريخ يعيد نفسه أحياناً كما يقال.
فعلياً باتت طرُق الاحتلال مختلفة في يومنا هذا، فالاحتلال الاقتصادي أصبح يوازي في مخاطره العسكري بكونه يقضي على القرار الداخلي و الإرادة الشعبية, وهذا ما تسعى إليه تركيا فعلاً.
إن أردنا التطرق إلى الاحتلال التركي لسوريا فبدايته كانت مع انطلاق الحراك الشعبي, وبسط سيطرتها على خيرات و معامل مدينة حلب و إدلب وغيرها من المُدُن السورية, ونقلها إلى تركيا عبر فصائل مسلحة كانت تدعمها انصهرت مع الزمن و بايعت جبهة النصرة أو تنظيم #داعش# .
غاية #الاحتلال التركي#
قبل التطرق إلى أهداف الدولة التركية من احتلال مدينة جرابلس هناك سؤالٌ يطرح نفسه باستمرار .لماذا جرابلس ؟! جغرافياً للمنطقة أهمية كبيرة بحيث تقع على بعد 125 كم شمال شرق مدينة حلب أقصى شمال سوريا على الضفة الغربية لنهر الفرات, وتعتبر نقطة هامة لوصل مدينة كوباني بعفرين, و هذا ما يقلق الدولة التركية والتي أصبحت واضحةً جداً فتصرفاتها تدل على غاياتها. في الوقت ذاته الذي أكدت به مجريات الأحداث خلال الأعوام الثلاثة السابقة بأن حجة تركيا لمحاربة داعش باتت مستحيلة التصديق, بكون العلاقات بينهما من الممكن وصفها بالإستراتيجية هذا من جهة, وأما من جهة أخرى فلتركيا أهداف أخرى و أهمها:
إيقاف تمدد الكُرد و حلفائهم من العرب و السريان في الشمال السوري المحاذي للحدود التركية خوفاً من تمكنهم إيصال المناطق الكُردية ببعضها.
إقناع الرأي العام العالمي بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي بعدما كشفت العلاقات المشتركة بينهما لتكون خطوة أولية في بناء علاقات ثنائية جديدة مع روسيا.
فرض المنطقة العازلة ك أمر واقع لطالما لقى المشروع رفضاً غربياً و أميركياً.
تزايد العلاقات الكُردية – الغربية و سوء العلاقات التركية الغربية جاء بالهستيرية للحكومة التركية مما جعلها تحاول فرض نفسها بديلاً في محاربة داعش.
محاولةً لفرض هيمنة الدولة التركية على المنطقة مستقبلاً من خلال المجموعات المُسلحة التي فرضت بالتوغل الأخير و التي ستكون ضامنة لتركيا .[1]