الموصل… هل ستكون الفاصلة لعراقٍ جديد..؟
دلبرين فارس
الوساطة التي جاء بها وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، والذي كان في انقرة قبل أن يلتقي بالعبادي في بغداد، لإشراك القوات التركية في عملية استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي فشلت بعد تأكيد الأطراف العراقية على رفضها التام لأي شكل من أشكال الوجود التركي في العراق، لكن يبدو أن تعقيدات الأمور، خاصة وأن أنقرة أعلنت بلهجة عنجهية ” كما في تعابير السياسيين العراقيين” أنها لن تسحب قواتها من العراق ( دون أن تحصل على مكاسب استراتيجية تحقق فيها طموحاتها وأطماعها في العراق “الموصل وكركوك وتلعفر”)، كما طموحاتها وأطماعها في الشمال السوري وحلب.
يتساءل كثيرون عن سر الإصرار التركي على المشاركة في عملية الموصل، ورغم تعدد التأويلات في هذا الأمر يبقى، الثابت والأكيد والمعلن، إن تركيا لن تتخلى عن أطماعها التاريخية، أو ما تعتبرها أجزاء من تركيا في العراق وسوريا حسب زعمها بمعاهدات ومواثيق استعمارية تعود إلى الفترة الاستعمارية العثمانية، الفرنسية والبريطانية للمنطقة، تركيا حالها كحال تنظيم القاعدة بكل تسمياتها، والتي تسعى لبناء خلافة اسلامية وفق ايديولوجية تكفيرية أزلية خاصة بها.
ومما لشك فيه أن الحالة السياسية والعسكرية في الموصل وحلب تتشابه وتتقارب في العديد من النقاط ( السياسية والعسكرية والاجتماعية) وعلى المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ولا ننسى هنا دور الوجود التركي الاستعماري في المنطقتين المتشابهتين استراتيجياً واقتصادياً وتاريخياً بالنسبة لتركيا .
العديد من الأوساط السياسية انقسموا، ما بين متفائل ومتشائم من نتائج الصراع والمعركة في الموصل، فبينما رأى البعض أن تحرير الموصل هو “عمل بطولي” تخوف آخرون من سيناريوهات ما بعد استعادة الموصل التي قد تنذر بأزمات دولية وإقليمية طائفية وإنسانية.
وهنا يقول أحدهم: إن الموصل ستكون مختبراً لكل أنواع النزاعات والحسابات الإقليمية والفئوية الخاصة، الحشد الشعبي له رؤيته التي تعبر عن الرؤية الإيرانية، وهناك من يتقاطع مع الرؤية والمصالح التركية.
ويرى أخرون أن تحرير الموصل، احتاج وقتاً طويلاً للتنسيق والاتفاق والتقسيم وترتيب الأجندات كي تنتهي المعركة بنصر لقوات التحالف الدولي الذي يقوده أوباما، والذي يسعى لتحقيقي إنجازاً للسياسة الخارجية الأمريكية، مهما كان الثمن.
البعض ذهبوا إلى أن الأهم هو مواجهة التحديات الماثلة بعد الانتهاء من معركة الموصل، ويحذر من أنَّ خريطة المنطقة الجغرافية والسياسية تغيرت بالفعل، وأنَّنا نمر بالمرحلة الأخيرة من إعادة توزيع النفوذ، بصورة ربما تشبه ما حدث قبل 100 عام بعد اتفاق سايكس- بيكو و لوزان.
وبين المتشائم والمتفائل من تحرير الموصل هناك ضرورة تاريخية يجب أن لا تغفل، أن أي عملية سياسية ما بعد دحر داعش في الموصل، يجب تكون شاملة لجميع فئات المجتمع بصورة منصفة، وأن تتغلب الهوية العراقية الجامعة على الهويات الاثنية والطائفية، وهذا سيحتاج إلى بُعد نظر من قبل كل الفرقاء والأطراف العراقية، وبعيداً عن أي تدخل من الأطراف الإقليمية الطامعة، والتي لم تَقُم يوماً ما بأي عملٍ تخدم المصلحة العراقية العامة يثنى عليه، على عكس ذلك أنها تعمل وإلى هذه اللحظة التاريخية وبكل وسائلها لتعميق الصراعات وخلق الفتن والصراعات بين أبناء الوطن الواحد في سبيل الحفاظ على أجندتها ومطامعها الجشعة.
لذا السؤال الذي يتعلق بالعراق الجديد، سيكمن إجابته في الإجابة على سؤال العراق ما بعد تحرير الموصل، لما لمعركة الموصل من أهمية بالنسبة لكل أطراف الصراع سواء كان عراقياً أو إقليمياً وحتى دولياً، والذي سيؤسس لمراحل لاحقة، تحمل في طياتها العديد من السيناريوهات المتوقعة في مرحلة ما بعد دواعش العراق.
ومن هنا فأن العراق بحاجة لمرحلة تاريخية تؤسس لبداية جديدة قائمة على القوى الوطنية العراقية النقية، ومبنية على المصالحة الوطنية العراقية المحضة، وكف يد القوى الطامعة الإقليمية، وقيام عملية سياسية خالية من المرتزقة، وتمثل جميع أطياف الشعب العراقي، ولكن يبقى السؤال هنا، هل هناك رغبة دولية ومحلية جادة للوصول بالعراق إلى مرحلة السلم التام بعد صراعٍ يتجاوز عمره الأربعمائة عام .
ومن الجدير بالذكر أن غالبية الضحايا سواء كانوا في العراق أو في سوريا هم من المواطنين الأبرياء الذين يدفعون ثمن مطامع وأحقاد سلطوية تركية وايرانية تاريخية، ناهيك عن مطامع القوى الكبرى التي أرهقت كاهل الشعوب بالحروب والأزمات البينية.[1]