البائس الحالم بالدولة الشمطاء لغيره
الشهيد ” رستم جودي ” وتنقيبه عن الأيديولوجيا
صلاح الدين مسلم
الذاكرة شارعٌ مكتظٌّ من شوارع مدينة قامشلو، حيث تتواجد الشرائح كلّها في فندق يجمع القصص عن تاريخ ملاحم الشعوب تجاه الدولة. ففي ذلك الفندق رأيتُ شخصاً يتمنطقُ أملَ الدولة السوريّة المهدّمة حالماً بأن تستعيد الشمطاء عافيتها، ليقدّم لتلك الطبقة المستفيدة منها أفانين الطاعة، وهناك من يتأمّل الثورة السوريّة التي لم تناقش وضع المواطن ضمن حقيقة الدولة، ويتحدّث عن تلك المتهالكة كأنّها أمُّه الرؤوم وقد خانها وهو يتلحّف الذنب تجاهها، وهناك شخص قد أنهكته الثورة وهو في معرّة النعمان وقد دفن كلّ أصدقائه وأقربائه ولاذ بالفرار إلى قامشلو التي يعرف أنّه لن يسجن ولن يستجوب فيها، وهو على أمل أن تعود الدولة الإسلاميّة البهيّة العادلة، شيوعيّ يرتشف القهوة وهو يتأمّل الدولة الإشتراكيّة العادلة، بعثيّ قديم لم يعد راتبه التقاعديّ يسعفه وهو يعمل على تاكسي خصوصيّ يأمل أن تعود الدولة الأسديّة العادلة، مناضل كرديّ خشبيّ ظلّ يتنقّل من حزب كرديّ إلى آخر وهو يحلم بدولة كردستان التي لم يرها، وهو لا يريد أن يرى السلبيات التي يعانيها المواطن في باشور كردستان أو #إقليم كردستان# حيث الطبقة الناهبة أصبحت تستفحل في جسد هذه الدويلة التابعة للسلطان العثمانيّ.
وبينما كنت جالساً أتأمّل شوارع اليأس في فندق الأحلام الدولتيّة، رأيت شاباً يبيع صحيفة روناهي، اشتريت عدداً منه وجلست طالباً فنجاناً من القهوة، لقد انتابتني لحظة سعادة غريبة، لقد تذكّرت قهوة الروضة في دمشق وكيف كانت الجرائد البعثيّة؛ تشرين، البعث، الوحدة… هي الوحيدة التي يجب أن تُقرأ، فتصفحت جريدتي روناهي باللغتين الكرديّة والعربيّة، وأنا أتلفّت يميناً ويساراً ومازال الخوف من عنصر المخابرات هو الهاجس الذي ينتابني، فتابعت القهقهة في داخلي، وأنا أردّدُ: لقد طمست الدولة البعثيّة هنا، واقتلعت مخالب وأنياب تلك الدولة الفتّاكة، فحتّى هذه اللحظة مازالت ذاكرة الدولة تعشّش فينا، ولم نقتلها بعدُ في داخلنا.
في الصفحة العاشرة من تلك الصحيفحة رأيت مقالاً مترجماً إلى اللغة العربيّة للشهيد رستم جودي الذي استلهم أفكاره من المفكر والفيلسوف #عبدالله أوجلان# ، حيث يتحدّث في مقاله عن السلطة والدولة، ولفت انتباهي هذا المقتطف من مقالته: (إن لم نقم في ظلّ هذه الثورة بمناقشة الدولة فلا يمكننا إنجاح وإيصال الثورة إلى النصر. وأيّ ثورة سنقوم بها دون مناقشة الدولة ستخون حقيقتها، كما حصل في جميع ثورات التحرّر الوطنيّ السابقة…) لقد عدت إلى القهقهة في داخلي، أتأمّل ذاك المفكّر القابع في زنزانته وذاك الشهيد الذي استشهد قبل أعوام أي قبل نشوب الثورة السوريّة، وكيف أنّهما وصلا إلى تلك التركيبة، ومازلنا نناقش الدولة في ذواتنا المتأرجحة بين التبعيّة للدولة ونحن المقموعون وكأنّها دولتنا وبين حلم التحرّر من ذواتنا المتآكلة المهشّمة التابعة لذكورية فراعنتنا التي اصطنعناها ومازلنا نقهقه حتّى الآن.[1]