شأن المثقف تحت ثقل السياسة في العراق
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4988 - #17-11-2015# - 10:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ليس المثقف ببعيد عن السياسة كما نعلم، و لا يمكن ان يعيش المثقف و ان كان مستقلا حزبيا بعيدا عن الفكر و الفلسفة و المواقف ازاء ما يحدث و يمسه . هل يمكن ان نصنف المثقف وفق ثقافته او خصوصيته الفكرية او انتماءاته المختلفة و منها العائلية و الدينية و الحزبية و المذهبية و الوظيفية او المهنية بشكل عام . الكاتب، الفنان، السياسي، المفكر، العالم، الاكاديمي، و يمكن ان نضيف الوجه الاجتماعي في العراق الان الذي له التاثير المباشر على الوعي و الراي العام بعد اجتياح المصلحة الحزبية و سيطرتها على الاكثرية .
ما نعيشه في هذه المرحلة هو عسكرة المجتمع عدا ما تمكنت الجهات بسرعة غير مسبوقة من تسييسه بنسبة كبيرة او بشكل ربما نقول مطلق ان ابعدنا المنعزلين و المرتكنين في زوايا منسية، اصبحت السياسة التي لم تفد العراقيين بشيء عائقا و ثقلا على عاتق المثقف و ان كان مستقلا حزبيا .
كان بالامكان من تخفيف العبا الملقى على عاتق المثقف بدعمه من كافة الجوانب و تسهيل طريقه لايصال منتوجاته الفكرية الثقفاية بشكل عام الى المجتمع و يمكنه من تغيير الواقع بشكل سلس بموقفه و خطواته و تنظيراته و عمله على ارض الواقع . لكن ما نلمسه ليس الا التراوح في احسن الاحوال ان لم يكن التراجع اصلا . الوضع السياسي المتازم اضيفت اليه الازمة الاقتصادية و القلق من المستقبل القريب، و عدم راحة البال بعدما عانى كثيرا و تنفس الصعداء قليلا و لفترة قصيرة جدا . تدخلت الايادي العديدة في اثارة الفوضى التي نراها من الناحية الثقافية المجتمعية كانت ام النخوبية . لم اصدق عندما قرات و رايت و احتكت بنفسي بما هو المثقف عليه من التوجه و العقلية و النظرة الى المواضيع العامة و الواقع و الذي صدمني بعدما تاكدت من خلال البحث و التلاقي مع الكثيرين وتاكدت بانه مؤثر على الثقافة و المثقفين بشكل عام و ليس بتوجهات فردية او شاذة كما كنت اعتقد من قبل .
هل من المعقول ان تؤمن انت المثقف البارع الكاتب المعتبر صاحب عقلية تنويرية بامور خرافية، لا بل تنصب كل جهودك من اجل تثبيتها و ترويجها ؟ اليس هذا ما يثير الشك في ثقافتك و نتاجاتك حتى الابداعية ؟ اليس من المجحف ان تخلط بين عقيدتك العائلية و المجتمعية الدينية و المذهبية بثقافتك و ترتبط بما يصدره المحيط اكثر من ايمانك انت بنفسك بما تقوم به ؟ هل هذا خداع الذات ام العيش في فراغ ثقافي فرضته الظروف الخاصة او المصالح ؟ فهل يمكن ان ننتج جيلا قارئا بما لدينا من الكتاب ؟ اهل من المعقول ان يهتم الفنان بما لا يقبله العقل من الامور اليومية العامة ؟ اليس من المفجع ان يعيد المفكر العالم ما يردده رجل الدين لاغراض دعائية دينية مذهبية لا صلة لها بالثقافة وا لعلوم ؟ هل يصح ان يسير الاكاديمي كما المواطن البسيط في توجيهاته اليومية و التربوية لما له من احتكاك مباشر مع الاجيال ؟ انه حقا الفوضى التي لا يوجد مثيلها في اية بقعة في العالم . ما السبب ؟
باعتقادي المتواضع، ان السياسة و التحزب و المصلحة التي فرضت نفسها على العقيدة و الاخلاق لم تدع استقلالية التفكير و التوجه و التعامل مع الحياة، و ما فرضته التدخلات الخارجية من تغيير مسيرة الشعب الاقنصادية السياسية العامة، و التدخلات المباشرة في شؤون المواطن الخاصة اينما كان، و لم يفرقوا بين المثقف و غيره، و لاغراض شتى سواء بهدف افراغ العراق من الموجود الثري للثقافة او تسليبه بالطريقة التي سنحت لهم العمل عليه بسهولة ، وبالتالي فرض التغيير في عقليته و سلوكه بما يمكن ان يوصله الى حالة الحيرة بين الذات وا لواقع الذي يعيشه، و ما يفرضه عليه من الاسلوب و التفكير المغاير لما يؤمن اصلا، و عليه تصديق ماهو غير الحقيقي و التضليل المسيطر، الى ان يصل الى مستوى من التغيير الذي لا يمكنه ان يعود الى حقيقته و يسير على المشوٌه مصدقا ما هو فيه و ليس هو بمن هو الان و لا كما كان، و انفرطت حاله الثقافي و الاجتماعي، و ليس هناك ما يؤشر الى عودته سالما مسالما عقليا و ثقافيا على الاقل الى ما كان عليه، و انه اصبح في مستوى لا ينتج الا ما فرض عليه خارجيا اي غير ملائم مع طبيعته و بيئته دون قناعة ذاتية،هذا بشكل عام .
اذا، السياسة في العراق بدلا من ان تكون يدا مساعدة لتجسيد الثقافة الحقيقية و ما ورثه العراقيون من حضارتهم العميقة، فانها غيرتهم الى ما لا يقبله العقل في امورهم الثقافية . و هنا لا اتكلم عنهم بشكل مطلق و لكن عموما ارى و اتعامل مع ما اكتبه و اتاكد بشكل عملي .
هل من المعقول ان يقرا القاريء القليل العدد الموجود لحد الان المطبوعات المسلية الترفيهية غير المؤثرة اكثر من الكتابات الجدية من كافة النواحي؟ من جانب اخر، لم نر في العالم الراسمالي ابداعا الا و كان مدعوما من الاثرياء الذواقة و الاغنياء المثقفين او من قبل الدولة في المناطق الاخرى، و لكن ما لدينا من اصحاب الاموال و الاثرياء ليسوا الا رجال الحزب و العتبات و الافكار التشويهية التي دخلت العراق في الاونة الاخيرة و في اخر ايام الدكتاتورية، و كما نرى الدولة مشغولة باي شي لا صلة له بالثقافة و العلم و المعرفة، و ما يدع المبدع ان لا يهتم باختصاصه و هو يعمل وفق ما فُرض عليه و الذي لا صلة له بالثقافة و المثقفين . فهل من امل في العودة على الاقل و اعادة دور المثقف و دعمه و من ازدياد عدد القراء في هذا العصر الذي يؤثر عليه التقدم التكنولوجي و الاتصالات، و هو ما يشغل اجيالنا اكثر من اي شيء اخر . اي، اضافة الى التراجع في مستوى الثقافة كما هو حال بلدان المنطقة بشكل عام نتيجة الظروف الموضوعية التي تؤثر عليهم فان العراق وصل لمستوى لا يمكن مقارنتها بهم ايضا و يمكن ان نوقل انه وصل الى الحضيض، و هذا ما ينذر الخطر لمستقبل اجيالنا ، فاين نحن من المرحلة الذهبية التي كانت الاجيال المثقفة الموجودة تقرا و الاخر يطبع و يؤلف، عدا ما كانت الاقلام العراقية المبدعة هي كانت تؤلف بشكل متميز ايضا . اين الفنانين الذين يُشار اليهم بالبنان و لازالت نتاجاتهم فريدة . اين المبدعين من المفكرين و الفنانين و العلماء الذين زودوا المنطقة بنتاجاتهم اكثر من اي دولة اخرى ؟ للنتظر ما يزيح المعرقلات، و هل يمكن التفاؤل بالشعب العراقي، و هو يملك تراثا كبيرا و غنيا ان ينفض الغبار عن عقله و فكره بحركة ابداعية ناتجة من العقلاء المبدعين الذي لازالوا منعزلين . هل تحين الفرصة لبروزهم و لاشغال هممهم و يبينوا حقيقة هذا الشعب و تاريخه.[1]