ما البديل عن عدم تقبل مجتمعاتنا الديموقراطية ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4978 - #07-11-2015# - 21:27
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
ان كانت الديموقراطية طبخة جُهزت بدوافع و مخاضات اجتماعية تاريخية خلال مراحل متنقلة لدى الشعوب الغربية، و اصبحت جاهزة التطببيق هناك بعد توفر متطلبات و دعائم و ارضيتها، فلم تنبثق لتصديرها كما هي؛ بعدما تشدقوا و تشبثوا بها هناك على اعتبارها افضل نظام سياسي وصلتها الانسانية لحد اليوم، و ادعوا بانها هي النهاية التي لا بديل عنها كما يعتقدون، و جاءت من اجل البشرية و يريدون تطبيقها في الشرق على الرغم من الارضية و الظروف وا لتاريخ و الجغرافيا المغايرة لما تطلبها .
اذا، لم تكن الديموقراطية بديل مناسب لما فيه الشرق من البيئة و الاجواء من كافة النواحي، و لم يجد الشرق بنفسه ما يناسبه بالضبط، اي عدم وجود نظام منبثق من الظروف العامة و ما توارثه الشرق من تاريخه و ثقافاته و حضاراته . و كل ما موجود من الايديولوجيات التي لا تناسب تطلعات الانسان و ما يمكن ان يفيد حياته و امنياته . و ان لم تكن هناك الية عمل لنظام سياسي بفكر وفلسفة معينة، او نظرية او حتى مفهوم سياسي خاص بنا كشرقيين و نعتقد بانه هو البداية للوصول الى جوهره للصالح العام، ونعتبره هو الانسب من غيرالموجود من ما اوقعنا به حتى اليوم في القتل والتشريد و العداءات و التناقضات و التطرف و الافعال اللاانسانية من الايديولوجيات . و حتى نحن بعيدون عن صياغة لفظية معينة عن ما يمكن ان نبني عليها الاساس من خلال عملية اومخاض اجتماعي سياسي، فلابد ان نستفيد بشكل نسبي من كل التجارب الاخرى بشكل واقعي او نستند على ما هو المطبق في اماكن اخرى، و نقتدي به او نحسبه طليعة لما نسير ورائه . و لكن كل ما يُجلب حتى الان الى الشرق نرى بانه يصطدم بواقع معلوم عنه اختلافه و عدم توافق مسيرته لتطبيقه و تجريبه و انه لا يقبل ولادة حتى مثيل للديموقراطية بشكل كبير جدا . و لا يمكن بنيان هدف او حتى اساس على حالة طارئة غير اصيلة، لان كل ما يُبنى على التقليد و المستورد غير المجرب سيصاب بخلل و بالاخص ان كان يُجرب على ارض مختلفة جدا عن ما مولود فيها اصلا .
نحن في شرق و لم يحدث لحد اليوم ثورة ثقافية مؤثرة كما هو حال ثورة فرنسا، و لم نجد مخاضا ذاتيا قويا لفصل الدين عن السياسة من رحم المجتمع، و لم نجد ارضية مناسبة لتقليد المجرب في الغرب . لم تصل الثقافة العامة الشرقية من حيث الاعتبار لقانون و الضوابط بقدر الاحترام و الالتزام بالعادات وا لتقاليد التي فرضتها حياة الناس و مسار تاريخهم . اذا كيف يمكن العمل على ايجاد الاحسن لتلافي كل هذا الدمار المستمر الذي ياتي على راس هذه الشعوب رغم ما وصلت اليه البشرية من التقدم في اماكن اخرى من العالم .
هنا دعونا ان لا نتكلم عن المفهوم او الكلمة كالديموقراطية بما فيها، فالتحركات الكبيرة و التصادمات و الصراعات و الفوضى التي نحن فيها يمكن ان تنتح او تخلق ما يفرز من جراء العملية السياسية الفكرية المناسبة لها من مفهوم، ومن الية بدائية اصيلة و ناتجة عن ما تنبثق من الاحتكاك و التلاقي التي وصلت من الغرب من قبيل الديموقراطية و الياتها مع الموجود غير الناضج . فالمفهوم المنتج يمكن ان يكون خليطا من المفاهيم المتاثرة بثوابت الشرق و افرازاته المختلفة، و يمكن ان ياخذ صياغة و نصا و مفهوما و يُعبر عنها بكلمة مثلا (شرقوكراسي) او او اية كلمة لم تجد فيها ما يفهم عنها انها ناتجة من الديموقراطية و جزئيها فقط و يمكن ان يفرزها لنا مخاض العملية الطويلة المدى، و لكن البداية لابد ان تكون هناك تحركات و توجهات يمنع التقليد كي تتفرغ الناس لامر ما جديد توفره لهم المخاضات بعيدا عن الاملائات و الاستيراد و التقليد، و تعبر عن المامول و يمكن ان تكون كلمة جديدة اصيلة من الشرق و تدخل قاموس اللغة السياسية الشرقية من جديد .
اما ما اعتقده و بعد تقيمي المتواضع لما نحن فيه، يمكن ان اعبر عن رايي الخاص في ذلك باقتضاب هنا . بما نحن كشعب ملتزم بالعادات وا لتقاليد المتوارثة اكثر من القانون من جهة، و لدينا من الطقوس و الشعيرات و ما منبثق من تداعيات الاساطير و القصص الدينية و الاجتماعية، و ليس للنخبة دور او تاثير كبير مباشر على حياة الناس من جهة اخرى . فاننا يمكن ان ننتظر بروز ما تكلمنا عنه من بعد نهاية الفوضى التي نحن فيه سواء بعد صراع المامول من الديمقوراطية الفاشلة لحد الان في مقابل سيطرة السلفية و تداعيات التاريخ و ما فيه على زمام امور المجتمع في هذه البقعة . فلتبقى الديموقراطية و الياتها الغربية تعمل ما بوسعها و تؤثر على الناس دون نتيجة حتما لمدة ما، وفي المقابل لابد من ابداع ما يدعمها او يجاورها من المفاهيم او التشكيلات المناسبة كالية لتضع الديموقراطية اي الشرقوقراطية ( او اي مفهوم يبرز بديلا للديموقراطية و نابعة من اصالة الشرق و سماته) على سكتها . كما هو حال المجلسين كالية في مناطق اخرى في العالم، و يمكن الاعتماد على النخبة التي يمكن ان تكون لها مميزات يفرقها عن الاخر من النواحي المختلفة وليست العلمية فقط . اي الاعتماد على التدريجية في مسايرة امور الشرق من اعادة السلطة الى الشعب و ما يهمه، و يكون له اليد في تطبيقه و ان يكون لرايه دورا مهما قاطعا في امور السلطة . هذا بعد ازاحة افرازات ما خلفته الاخطاء التي نتجت من استيراد الديموقراطية الغربية التي فشلت في الشرق بشكل كامل تقريبا بعدما شاهدنا انها لم تجلب غير الويل لشعوب المنطقة و تم استغلالها و تحريفها لامور لا يمت بصلة بالديموقراطية بشيء بعد تصادمها مع الموجود اصلا، و كل ما نتج عنها هو الفوضى بشكل جلي . و من الواجب مراعاة ما و من تضرر من تجربة تطبيق الديموقراطية الفوضوية في منطقتنا و في مقدمتهم الطبقة الكادحة المسحوقة التي سُحقت اكثر بما انتجته المستوردات من الفوضى القتالة التي من المفروض تحويلها الى الخلاقة.[1]