هل استقلال كوردستان ضد اليسارية ام العكس ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4975 - #04-11-2015# - 00:57
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
انتقدني الكثيرون من الاصدقاء على مواقفي و ما اصر عليه من المباديء الثابتة عن القضية الكوردية، على الرغم من انهم يعلمون جيدا ان مبادئي المعلنة في هذا المضمار لم تكن يوما نابعا من النزعية القومية او التعصب العرقي، و نعتوني بالتعصب احيانا و بالمنحرف مرة و ضد اليسارية الحقيقية مرة اخرى، و اخيرا نعتني صديق عزيز يمكن ان اصل الى الشوفينية في ايامي الاخيرة من عمري اذا ما تاكدت و اصريت على حق الشعب الكوردستاني في تقرير المصير، لان هناك اعلى و اكبر من استقلال كوردستان يمكن تحقيقه من اجل الانسانية التي اؤمن بها انا قبل الاخرين، و يجب ان لا الطخ تاريخي بما لا يتوافق مع ما يهم الانسانية التي تؤمن و تقر بها اليسارية، و ليس تجزءتها كما افعل انا، و سوف اصل الى حد يمكن ان يوصفوني بالقومي المعتدل وليس يساريا او لا امت بصلة باليسار من قريب او بعيد في يوم ما .
و منذ مدة طويلة و اناقش هؤلاء و امثالهم من كافة القوميات العربية و الكوردية و حتى الفارسية من اصدقاء مقربين و التركمانية التي لا يعترفون بما اسير عليه من اساسه، و المفرح ان مدينتي خانقين خالية منهم على رغم وجود نسبة لا يمكن انكارها من التركمان فيها، و لا يمكن ان نحتسب لما موجود من المتطرفين اقل من اصابع اليد التي تركْمن اخيرا عدد منهم من اجل مصالح مالية او حزبية خاصة به و خارجة عن ارادته و لا يعترف بهذا الا في السر .
اصل الموضوع هو الخلاف حول ما هي اليسارية و الفلسفة التي نعتمد عليها و المنهج او العقلية التي نعتقد ان سلوك اي منا في امر خاص او نظرتنا الى قضية او اعتقادنا بمفهوم ما يمكن ان يكون خارج نطاق اعتقادات و توجهات و افكاراي كان منا، فيعتبرنا البعض خارجون عن قانون اليسارية المعتمِد على النصوص الجامدة عند اكثرية هؤلاء . اليسارية بشكل عام سواء الاشتراكية كانت ام الاشتراكية الديموقراطية ام الشيوعية، لا تقف ابدا ضد اي حقوق للطبقة او فئة او عرق او حتى قطاع ما في تحقيق ما يؤمنون به وهو ليس ضد اية مصلحة للاخرين، و كل ما يقع لصالح الطبقة الكادحة بشكل عام هو جوهر اليسارية و ان كان دون الاستناد على النصوص الجامدة . فهنا نسال؛ اليس الشعوب المغلوبة على امرها و متورطة بحكام متسلطين لهم الحق في التخلص من جور سلاطينهم او سلطاتهم قبل التفكير في الامور الجزئية او حتى النضال المتعدد معا سواء كان عرقيا او طبقيا و في ان واحد . فهل من المعقول ان لا نكون مع القضية الكوردية او الفلسطينية لاننا نعتقد بانها تخص القومية الكوردية او العربية الخاصة لمجموعة معينة لا تضمن حالة نريدها و يخض شعب دون التفريق بين الطبقات . اذا و من جانب اخر، اليسارية و تاريخها كانت دائما مع حقوق المغدورين و المظلومين من كافة النواحي قبل اي شيء اخر . و كما نعلم ان الثورات التي اندلعت و بالاخص في الشرق الاوسط و الدول النامية او المتاخرة، راح ضحيتها الكثيرون و لم يكون ان لم اكثريته فبعض منهم يعلموا ماهي اليسارية و الطبقية، و لكن تضحياتهم تقع لصالح جوهر و فحوى اليسارية و مراحل تطبيقها او الاعتماد عليها كايديولوجيا و فكر و فلسفة في النهاية، فبماذا نصنفهم اذا . لو بسطنا الامر اكثر و لا نعقده و نستند على النصوص الجامدة و ما يامر به هذا المفكر اليساري و ذاك القومي و هذا القيلسوف و ذاك الناشط او الثوري، و نلخص امر اليسار في منطقتنا بانها في مرحلة الخلاص من الفساد المستشري و احقاق ما يهم الشعب بشكل عام و من ثم بين ثناياه من الممكن ان نميزه من الطبقات،و ينشط من اجل االتحرير من السلطات الجاثمة على صدور الجميع، اليس من المعقول ان لا ندخل متاهات من هم افراد هذه الطبقة او ذاك و ندخل في تصنيف الافراد و طبقيتهم او قوميتهم او تقسيم الشعب على طبقات نظريا على الورق و الذي لا يمكن تصنيف ما يضمنه على اي اسس علمية معتمدة، لانه لا يمكن ان نفرق بين طبقة نسميها كادحة من كافة الجوانب و نميزها مع طبقة اخرى غير كادحة بامتياز، و لا يمكن ان ندخل الطبقة الاخرى ضمن التصنيف ذاته سواء اعتمدنا على المعيشة او الظروف الذاتية لها او مواردها او ثقافتها و سماتها و نظرتها الى الحياة و طريقة معيشتها و ما يمس الجوانب الهامة في حياتها، و ما ينطبق او لا ينطبق على صفات الطبقة الكادحة او البرجوازية فيها ، بعدما نرى ان هناك خلطا واضحا بين سمات الطبقتين في شرائح و فئات لا يمكن تصنيفها او تميزها ضمن طبقات، وعليه لا يمكن تسميتها على واقع الارض بشكل علمي صحيح بحيث تكون متلائمة مع ما تنصه الماركسية او اليسارية بشكل عام . من هم ضمن الطبقة الكادحة او البرجوازية الثورية او ما يمكن ان نسميها الطبقة المتوسطة او البرجوازية القحة، و هكذا بالنسبة الى النظام هل هو راسمالي ام اشتراكي ام يمكن ان نصنفه ضمن المرحلة الفيودالية او حتى العبودية و بانواعهااو مراحل متنقلة بين تلك المراحل و لم تستقر على اية مرحلة بعد .
لو قلنا اننا مع جميع القوميات في تحقيق مصيرهم بما فيهم الكورد، و قلنا نحن مع الحرية و الديموقراطية ضمن شروط الاشتراكية او اليسارية، او قلنا اننا مع الانسانية بكل ما تعبر عنه فكرا و فلسفة، سواء ضمنناها الى فكر او فلسفة او مباديء اجتماعية او ثقافية عامة، لا تمت بالفكر والفلسفة باليسارية باي شيء . فهل من المعقول ان لا نكون مع حق اي شعب تقرير مصيره، لاننا يمكن نُنعت باالعنصرية او المؤمنة بالقومية المعتدلة في احسن الاحوال ، ام من اولى امور ما يخص اليسار هو تحقيق اهداف الشعوب المغدورة بما فيها حق تقرير المصير، اليس اليسار مع تحقيق ما يهم الشعوب المجتمعة على اهداف عامة لها و لا تضر بالاخرين، اليس الانسانية ان تحفظ كرامة الانسان و ان تحقق اهدافه العامة و الخاصة بعيدا عن الاضرار بالاخر . اليس من المفروض ان يكون لكل انسان يساري اهم هدفه له هو ضمان حقوق الانسان قبل غيره، ام اليسار بعيد عن هذا كما يعتقد البعض من الجموديين، و ينفي بعض الحقوق من اجل ضمان حقوق الجمع البشري كما يعتقد، اليس لنا ان نفكر بخصوصية تربيتنا و عقليتنا و بما يفرضه علينا ما تعلمناه به من بيئتنا و نحمل ما افرزته لنا و نكون في طليعة من يؤمن بالتغيير من اجل الانسان و حياته قبل اي شيء اخر، اليس الانسان الاولوية الاولى، و لا اعتقاد لليسار بما يفرض من ما بعد الانسان او مابعد الطبيعة مهما كان منطقنا قويا حوله .
اذا، كيف افكر و انا اعتبر يساري بشكل عام، انا لي اولوياتي و لي الحق ان التزم بها، و لي حرية في التفكير و العمل بها، لانها في اعتقادي من اجل الانسان او لا تضر بالاخر و تفيد ربما مجموعة معينة . فهل من المعقول ان ابتعد عن اولويتي وهو تحقيق ما يهم مجموعة دون اخرى و لا يضر باخرى ايضا، اي بالاحرى و بصريح العبارة من المفروض و المبدئي ان اكون ضد تحقيق مصير الشعب الكوردي لانه يخص قومية دون اخرى وانا على اليقين بانه لا يضر بالاخرى في اي جانب كان، هل انا على الخطا ان اكون مع استقلال كوردستان لا بل مع تحقيق استقلال ولو قرية عربية بعيدة نائية ان لم يضر هذا بالاخر و يعيش الانسان فيها مكرما محترما سعيدا، اليس هذا الهدف النهائي لليسار و هو ما يخص الانسان و سعادته . فلماذا اكون مع ضيم مجموعة من اجل نص ما او نظرة يمكن ان لا تتحقق على ارض الواقع، و قد قيل في ظرف معين او انتهت صلايحته .
اليسارية كما اعرف عنها بفكري و ثقافتي المتوضعة ان تكون هكذا، و يمكن ان اُعتبر ربما ساذجا او منحرفا، الا انني اؤمن بان الواقع اكثر اهمية من النصوص عند الانسان جميعا، لانه يعيشه و لا ياكل من النصوص او الكتابات النظرية المعبرة عن شخص الذي كتبها في ظرف و واقع وبيئة معينة و في زمان و مكان معينان دون ان تكون هناك فرصة تحقيقها ولو بنسبة ضئيلة جدا في كافة الاماكن على حد سواء . فاليسارية هي الفكر والفلسفة التي تؤمن بمسيرة الانسان السلمية و مصالحه في واقع تؤمٌن فيه مقومات حياته و هي تفرض نجاح تطبيقها قبل اي شيء اخر، و اولويتها المساواة وا لعدالة الاجتماعية و ضمان حقوق الجميع و تكافؤ الفرص و تحقيق الاهداف دون الاضرار بالاخر . اليسارية هي الايمان بالحياة و ما موجود مع العمل من اجل التطور، سواء كانت بسواعد الطليعة الشعبية الطبقية وفق سمات المرحلة، و ليس بالخيال و الطوباوية و ماوراء الواقع و دوافع المعيشة، كما هو حال الافكار الخيالية و منها الدينية، مهما كانت مع طبقة و ليست مع الاخرى و عند مستوى تفهم المجموع المتفهم للعصارة الفكرية الجماعية المعتمدة على الوعي و الثقافة العامة لعموم الشعب بما فيها و ان كاناحتمال هناك تميز للطبقات في ثنايا شعب ما .
بسهولة و اختصار، ومن هذا المنطلق؛ لا يمكن لاحد ان يعتبر حق تقرير المصير للشعب الكوردي ضمن مخلفات البرجوازية، و يمكن تحقيقها كتحصيل حاصل بعد انقضاءمرحلة البرجوازية، و كانه انبثاق الدول التي انقسمت عليها الكورد، جاءت وفق ما يؤمٌن مستقبل القوميات وا لشرائح بعد التغييرات و الانتقال من مرحلة فكرية وفلسفية الى اخرى، و ليست من صنع يد الاستعمار و مصالحهم و توزيعاتهم، لما اشغلوا بها العالم الشرقي و استمروا في سيطرتهم عليه بما خططته اياديهم لحد اليوم، و فرضوا الخلافات على ارض الواقع و بها يتنعمون اليوم و يعيشون برفاه و تقدم و حياة تتسم بالانسانية على حسابنا نحن . و عليه، لا يمكن ان تكون اليسارية الحقيقية التي نؤمن بها و من اولوياتنا و عقليتنا على حساب ما يهم الانسان و مصالحه او ضده، و لا يمكن للانسانية ان تكون ضد اليسارية باي شكل كان . و هذا يدلنا على ان اي هدف جماعي غير مضر بالاخر لا يمكن ان يكون ضد المباديء الاساسية لليسارية، و نستنتج انه لا استقلال كوردستان ضد اليسارية بشكل عام و لا اليسارية الحقيقية ضد استقلال كوردستان مهما تشدق النظريون اصحاب النصوص الحاضرة من عالم الغيب او ما ينسبون النصوص الى علوم، و نعلم عن العلوم ليست الا قابلة التجديد و التقدم والتطور و التغيير بمراحل، و لكنها معتمدة على اسس ثابتة.[1]