هل تعيد روسيا التوازن الى المنطقة ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4929 - #18-09-2015# - 15:11
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تدخلت روسيا بشكل مباشر بعد انتظار طالت على المنطقة نتيجة انشغالها الداخلي، و المشاكل التي خلقت بقرب من بابها الرئيسي و نوافذها المتعددة على العالم . لم تهتم روسيا بالسلطات الحليفة لها من قبل كما هي الحال لسوريا الحليفة العتيدة لها، و منذ اندلاع الثورة بعد سلسلة الربيع العربي المتتالية في الدول العربية، و بعد ان تاكدت من ان اخر ما تبقى لها ربما قد يسقط في غضون اشهر ان لم نقل ايام، و تحركت بشكل سري مباشرة او عن طريق حليفاتها و القوى التي يمكن ان تستخدم كمخلب في تحقيق اهدافها بشكل غير مباشر.
مرحلة الانسحاب الامريكي البطيء المقصود من منطقة الشرق الاوسط عسكريا في فترة حكم اوباما وفرت فرصة لاحلال البديل المنخرط مباشرة في قضايا المنطقة، و ربما لم يكلف التدخل بعض الدول شيئا يقارن مع ما يمكن ان يكلفه و يقع على امريكا، لاسباب عديدة سواء جغرافية كانت ام سياسية او اقتصادية ام تاريخية . تاكدت روسيا من قرب سيطرة المعارضة السورية و داعش على زمام الامور في سوريا او قرب حدوث الفوضى الكبيرة، ولم تبق لنظام الاسد سوى ايام معدودات وهي اندفعت الى زاوية محصورة يمكن ان تركعها القوى المسيطرة التي لم يُعرف اي منها لحد اليوم يمكن ان يبرز على الساحة اكثر من غيره مستقبلا رغم قوة داعش التي لا تقارن مع الاخريات، و يبقى هذا على مقدار الدعم من القوى التي تقف ورائهم من الدول المجاورة والعربية و العالمية ايضا . تسارعت روسيا الى الساحة و حزمت الامر دون ان تنتظر قرار او تفويض اممي و بحجج و اعذار ليس لها اي قوة قانونية دوليا، و لكنها تعلم انها على اتصال مع نظام لازال هو الرسمي في المحافل الدولية و هو الذي يقدر على تخويل اي كان من الدول لمساعدته و برضا الذات .
المعادلات التي تقف عليها المنطقة لازالت في تحرك مستمر و لم تبقى على حال لفترة طويلة، و بعد ان عزمت امريكا امرها في النظر من بعيد او اللانخراط عسكريا نتيجة للخيبة التي اصيبت بها بعد سقوط الدكتاتورية و ما تعهد به اوباما و انتخب على اثره هو انسحابه العسكري من المنطقة، و تتصرف امريكا بشكل تبقي على تاثيرها المباشر و دورها القوي بسياسة ناعمة و لكنها تتراوغ مع الجميع في الوقت ذاته . اندفعت امريكا و اصرت كثيرا و ربما تنازلت اكثر من المتوقع من الجميع لايران من اجل الوصول الى الاتفاق النووي التي يمكن ان نعتبره المنقذ السياسي لامر اوباما الشائك في سياساته و ما فرض نفسه عليه من ضرورات السياسة الخارجية على الدبلوامساية الامريكية، بشرط عدم تكلفها ماديا كما حدث من قبل و لم تنجح امريكا في تحقيق اهدافها فيها رغم خسائرها الكبيرة من جميع النواحي .
تركيا العضو في حلف ناتو لم تتقدم خطوة لمساعدة امريكا على ما تنويه لاسباب داخلية او عقيدية ايديولوجية و شخصية ايضا، اي ترى امريكا احد ارجل القاعدة التي استندت عليها و كانت تسهل لها الامر قد انكسرت منذ بداية العملية، اي منذ عمليات اسقاط الدكتاتورية العراقية و لحد الان، روسيا تصرفت سياسيا باتجاهات عديدة و تمكنت من سرقة بعض منجزات امريكا مع ايران و لم تدع ما تتلذذ به امريكا في هذه المرحلة، الاتفاقية الايرانية الامريكية فرضت خطوات على امريكا تشككت منها الدول العربية الحليفة لها و تحركت بمسار لم يعجب امريكا بعدما تدخلت روسيا و استغلت القرصة و صعبت على امريكا النجاح بسياسة التعامل الناعم . لم تنجح سلطة الاخوان في مصر مما اجبر الامر على تراجع امريكا عن بعض التوجهات مرغما و ربما قد اعادت الخطط و النظرات الى المنطقة من اساسها . اي لو نقصر القول و نختزله كثيرا، يمكن ان نقول ان ما وقعت فيه المنطقة لم تكن لصالح نوايا و امنيات امريكا ولو بنسبة بسيطة، و كل ما يهم اوباما و سياساته هو الدبلوماساية الخارجية من اجل تقوية الداخل و الانتعاش الاقتصادي، و نجح في ذلك داخليا لحد الان .
المنطقة لحد الان على نار هادئة و كل الاطراف التي لها صلة بها تعمل من قريب او بعيد ليشد من قوة و حرارة الجذوة و توجيهها الى ما يريد تدفئته في وضح الشتاء القارص التي نحن على استقباله حاليا .
التوازن لا يتم بحركة او خطوة او توجه معين ان لم تساعده او تعمل على ترسيخه عوامل اقتصادية سياسية داعمة لها، و ما يريده قبل اي شيء هو الاستقرار و الامان، و حتما كل طرف يجهد عاليا كي يقع الاستقرار المامول على خارطة تكون لصالح علو شانه و تفوقه على الاخرين، و ليس فيهم من يريد توازنا كميا او كيفيا للمنطقة و من اجل صالح المنطقة بشكل مجرد،لاهميتها السياسية الاقتصادية لهم . هناك خلافات في الرؤى بشكل جذري؛ من الاطراف؛ هناك من ليس لمصلحته الخارطة الحالية و ما موجود في ثناياها من الشعوب و الاعراق و الاديان و المذاهب، و يريد ان ينظم الامور سواء كان بتغيير الخارطة في المنطقة بشكل عام ام داخليا لكل دولة بحيث يقع لصالح توجهاته المستقبلية و ما يجسد تقوية علاقاته و يمنع التشققات التي تضر به باي فعل كان مهما كلف الامر على الشعوب المنطقة . و هناك من يعتقد بان الخارطة الحالية ليس فيها اي عيب و يمكن التحرك للاصلاح الحكومي و السلطات كي تكون منطقة امنة بشكل يكون لصالحه و ما ينويه هو ايضا في المنطقة مستقبلا . و هناك في المنطقة ذاتها من يدعم تغيير الخارطة و يساعد من يهدف لذلك، و على العكس ايضا هناك من يمنع بكل ما يملك و يدعم من يحافظ على وحدة الارض و سيادة الدول والخارطة الحالية . و عليه، ايجاد التوازن بين كل تلك التوجهات المتناقضة والمخالفة للبعض لا بل المعاكسة مع بعضها، انه لامر ليس بسهل و يحتاج لعمل مضني من قبل اي طرف يهتم اكثر بالمنطقة او ما يمكن ان يحدث و هو من اولوياته . امريكا يمكن ان يفيدها تقسيم المنطقة وفق ما يقع الجزء الاكبر منها تحت رعايتها او على الاقل ان يكون مواليا لها سياسيا و ان كانت تصر و تجاهر على اهمية الحفاظ على وحدة الاراضي للدول المنطقة ظاهريا . روسيا في المقابل يمكن ان تفيدها وحدة الاراضي و عملها على اعادة مكانتها من تحالفاتها القديمة مع الدول المنطقة و ما زادت عنهم ايران و ربما دول خليجية، و ان استطاعت و تحركت بشكل جدي ربما ستجد ذراعي مصر منشرحة و ابوابها مشرعة لها و في استقبالها . اصبحت سوريا مفتاح التوازن الشرقي الغربي بعدما التزمت روسيا ببقائها كاخر نقطة تواصل بينها و المنطقة و فرضت على الغرب ما اقدمت عليها من ضرورة تحركها كي لا تخرج هي نهائيا من معادلات المنطقة، رغم الصعوبات التي تواجهها داخليا و اقليميا . تركيا متورطة داخليا و طموحات رئيسها على السلطنة ابعدتها عن بقاء ثقلها في ترتيب المعادلات لتوازن المنطقة لحد اليوم، الدول العربية ليس لها شغل شاغل الا ما يمكن ان يقللوا به امتدادات ايران الاقليمية و طموحاتها العقيدية و تطاولها على المناطق الحساسة . هذا في الوقت الذي تمارس فيه امريكا سياسة اللاانخراط او النظر بعيدا لاتقاء الاضرار التي منيت بها منذ عقد تقريبا . اذا، التوازن صعب و لا يمكن لاي طرف فرضه مهما كانت قوته و ثقله و امكانياته في المنطقة، سواء من القوى العظمى او من دول المنطقة . و المنتظر هو اما التغيير الشامل الكامل لخريطة المنطقة وفق ما يدعي البعض هو المخطط منذ مدة، او تغييرا داخليا و الاستمرار في الفوضى الخلاقة لمدة طويلة لتنبثق منها ما يغير الامر داخليا و تتغير معه التوازنات و التحالفات و تقع المنطقة بعد فترة طويلة من التخبطات على امر لا يمكن تقديره او تصوره بشكل كامل مهما كانت التحركات علمية و بتخطيط مباشر من المتدخلين من القوة العظمى . اللامستقر من الدول، العراق ، سوريا ، تركيا ، لبنان ، اليمن ، البحرين و ربما ستزداد بشكل او اخر ان تغيرت التفاعلات الموجودة للمعادلات . التحالفات تتداخل بين ما تفرضه المصالح مابعد الاتفاق النووي الايراني و النتائج التي تتمخض عنه من كافة النواحي . التوازن ليس له ما يمكن ان نشاهده تلميحا او بشكل منظور في الافق البعيد لحد اليوم، اي حتى التوازن لا يمكن ان يُفقه من قبل اي كان يريد فقهه شكلا و تعريفا و مضمونا و بشكل يمكن ان ندعي بان حدوث و نجاح تلك المعادلات ستؤدي الى تلك التوازنات، اي بعبارة اخرى، لحد الان لا يمكن ان نعلم ماهو شكل و محتوى التوزان السياسي بذاته في هذه المنطقة بعدما اختلط الحابل بالنابل في المنطقة من جميع النواحي . و عليه، ان روسيا ليست بمقدورها ان تعيد التوازن كما فشلت امريكا في ذلك الا انها استقدمت الى المنطقة للابقاء على نقطة ترى فيها عدم فقدان مصالحها بشكل كامل و تتشبث بها لمنع قطع يدها بشكل كامل عن المنطقة وما فيها من قبل الاخرين و الا التوازن ليس من نتاج يد روسيا او حتى امريكا بنفسها و ان تعاونت معها دول المنطقة.[1]