تأخرتم علينا “جثير”
خالد عمر
” تأخرتم علينا جثير … جثير … جثير ” قالتها تلك المرأة من ريف الرقة بنبرةٍ مؤلمة، وضمن عباراتٍ قصيرةٍ مؤلفةٍ من كلماتٍ معدودة، إلا أنها استطاعت من خلالها التعبير عن مأساة أهالي الرقة وغيرها من المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش ومثيلاتها. لقد اختصرت تلك الجمل تعبيراً شبهَ كافٍ عن الأهوال التي لاقاها ويلاقيها السوريون على يد عناصر داعش, ونستطيع بسهولةٍ أن نتصور ما أرادت تلك المرأة الرقاوية أن تقولها حينما تمتزج في مخيلتنا نبرةُ صوتِها وكلماتِها، مع مشاهد مقاطع الفيديو التي كانت داعش تبثها وهي تصور جرائمها التي ارتكبتها بحق المدنيين، حيث كانت تُمارِس أفظعَ وأغربَ طرقِ التقتيلِ التي لا يستطيع الإنسان أن يتخيلها أو يصدق أن هناك بشراً بهذه الوحشية. من جانبٍ آخر فقد تمثلت في صورة وملامح وصوت وكلمات تلك المرأة القضية المجتمعية الأولى ألا وهي قضية استعباد المرأة على يد السلطة الذكورية المتحكمة باسم الإله, هذه القضية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ البشري, فداعش الذهنية وداعش التنظيم ضاعفتا من مأساة المرأة في مناطق سيطرتها عشرات الأضعاف.
جانبٌ آخرٌ لحديثِ تلك المرأة يرينا أن بدأ حملة تحرير الرقة على يد قوات سوريا الديمقراطية بعمودها الرئيسي وحدات حماية الشعب والمرأة، قد كان بل وأصبح يشكل الأمل الوحيد بالنجاة من الحياة الأليمة التي عاشها ويعيشها الرقاويون, وأنهم كانوا ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر، وكل الذي كان يُشْغِلُهُم وهم بانتظار المحرِّرِين هو بذل كل الجهد للبقاء أحياء لحين مجيء الفرج, ولا شك أنهم ورغم التعتيم الذي فرضه داعش عليهم إلا أنهم كانوا يسمعون بأخبار انتصارات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و ال YPJ-YPG على داعش, فبعد أكثر من ثلاث سنوات من احتلال داعش لمدينتهم، ودون أن تحاول أيةُّ جهةٍ أن تسعى إلى تحريرهم وتخليصهم من الحياة الجهنمية التي جاءت بمجيء داعش، ومع ثبوت أن الكرد أضحوا القوة الوحيدة التي تحارب الإرهاب بجدية بهدف التخلص منه وتخليص السوريين منه وأنهم نجحوا وينجحون في ذلك, لم يبق أمام أهالي الرقة إلا أن ينتظروا المعجزة التي ستخلصهم من الكابوس المُعاش “داعش” , وهذه المعجزة ليست سوى قدوم قوات سوريا الديمقراطية من أجل تحرير الرقة وأهلها.
بغض النظر أن (محاربة داعش والقضاء عليها )هو مسألة استراتيجية بالنسبة للكرد في روج آفا وباقي أجزاء كردستان، وبالنسبة لكل القوى الديمقراطية في سوريا, وبغض النظر عن أنها من أولى أولويات متطلبات حل القضية السورية، ومن المهام التي تلقي بنفسها بكل ثقلها على عاتق الساعين الحقيقيين إلى الحل, وبغض النظر عن رمزيّة الرقة كمركز وعاصمة دولة الخلافة الداعشية, فإن تحرير مدينة الرقة وريفها بالنسبة للكرد مسألةٌ تحملُ العديد من الجوانب والأسباب الموجبة لهذا التحرير, منها أن الرقة وريفها تشكلان أحد أهم مناطق العمق بالنسبة لروج آفا- شمال سوريا، وببقاء سيطرة داعش عليها سيبقى الوضع الأمني في روج آفا متوتراً وغيرَ مُسْتَقِر, كما أن الرقة فيها الآلاف من النساء الإيزيديات اللواتي أتى بهن داعش إلى الرقة بعد سيطرتها على شنكال بسهولة، وارتكاب المجازر المروّعة بحق أهلها الآمنين بعد أن تُركوا مخذولينَ وجهاً لوجه بصدور عارية أمام برابرة العصر, وعليه فلن يهدأ بال الكرد وبالأخص وحدات حماية المرأة قبل أن يحرروا النساء الإيزيديات الموجودات فيها, ثم أن النضال من أجل تحرر الإنسان والمجتمع السوري هو من أهم المبادىء والأهداف التي تشكلت وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية من أجل تحقيقها, وعليه فإن تحرير الرقة خطوة لابد منها وستأتي بعدها خطواتٌ أخرى لابد منها طالما أننا نقود عملية الحل للأزمة السورية.
Tags: الإرهابتأخرتم علينا جثيرتحرير الرقةخالد عمرداعشروج آفاغضب الفراتكاتبمقال[1]