عنوان الكتاب: ملحمة دوريش عفدي المغناة والشفهية الكردية
اسم الكاتب: #عبد الناصر حسو#
مكان الأصدار: عمان، الأردن
مؤسسة النشر: دار خطوط للنشر والتوزيع والترجمة
تأريخ الأصدار: 2021
رقم الطبعة: الاولی
مهمة الدراسة ليست جمع شذرات أحداث الملحمة من أفواه المغنيين لإعطاء صورة شبه متكاملة، إنما الانطلاقة كانت في الأساس اثبات تعددية الثقافات المحلية في الروايات حسب المناطق، فلكل منطقة روايتها الخاصة التي تلبي احتياجات الناس، وليس البحث عن رواية واحدة مكتملة أقرب إلى الواقع التاريخي، هذا من مهمة الباحث المؤرخ، وليست مهمة هذه الدراسة، لأن أدوات البحث مختلفة في الحقلين، حقل علم التاريخ وحقل الدراسات الأدبية/ الشفهية.حاولت أن لا أسكن في تاريخ العشائر وأنسابها، مستبعداً النظرة التبجيلية والتحقيرية معاً للماضي، كما أنني استبعدت النظرة العقائدية الواحدية لمصلحة تعددية النظرة، ومقاربة الموضوع من زوايا مختلفة، بمعنى، لكل سؤال، عديد الأجوبة، وهذه الأجوبة وجهات نظر تؤمن بيئة مناسبة للحوار بحيث لا يقصي أحداها الأخرى، وجاهدت في الوقت نفسه أن لا يسكن التاريخ فيّ، مقتنعاً أن قراءة التراث، أي تراث كان، جبهة صراع ثقافي وأيديولوجي، فوقفت موقفاً حيادياً رغم أنني مقتنع بأن الحياد مجرد فكرة، وهمية، مثالية، براغماتية، وقد لا تكون متوفرة في أغلب الدراسات التي تدّعي الحياد، خاصة في هذه المرحلة.أثير هنا تساؤلاً، هل هناك بالتحديد ثقافة نقية صافية لم تتأثر أو تتسرب إليها ثقافات أخرى؟ أو هل هناك صورة نقية وهوية صافية متواجدة في العالم؟ لقد استحضرتْ مرحلة مابعد الكولونيالية صورة نقية ذات مواصفات خارقة للتعبير عن هوية (الأنا)، وهذا يستدعي استحضار هوية (الآخر) بوصفه هوية فاضحة، مفككة، معرّضة للاتهامات المستمرة باعتبارها خارج سياق الانتماء ومنطق التاريخ، وهي صورة سياسية أكثر مما هي صورة ثقافية/ حضارية، يحدث هذا في الازمات والحروب والهزائم دائماً. لازال التواصل بين الشعوب مستمر ومتجدد بتجدد المكان والزمان، لذلك، فالنقاء الثقافي والصفاء الهوياتي، مجرد وهم في جميع مراحل التاريخ، ولدى جميع الامم والشعوب والافراد، لا يوجد نقاء ثقافي، ولا توجد هوية ثابتة منجزة سكونية، مهما كانت المجموعة البشرية التي أنتجت تلك الثقافة في عزلة تامة وداخل أسوار فولاذية تمنع رياح الثقافات الأخرى أن تهب على نوافذها، لذلك فالثقافات متناسجة، متلاقحة، متمازجة، متواصلة تشكل هوية ثقافية في فضاء هجين، ويتيح الاختلاف الثقافي أن ينمو ويساهم في انتاج معارف جديدة، وهذه ميزة جميع ثقافات العالم، وهذا التناسج حيوي، ثري، غني بالأشكال والأفكار والأساليب تسمو نحو العالمية وليس العولمية كما يدّعي مؤيدو العولمة..
[1]