دول داخل دولة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4916 - #05-09-2015# - 14:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
استوضح لدينا بالامس فقط و بشكل لا لبس فيه ان القوات العديدة و باسماء مختلفة تصول وتجول في بغداد و المحافظات مامورا بقيادات خارجية حقيقية و ممثلين عنهم في الداخل لاجراء و تنفيذ ما يريدون بكل سهولة دون ان يعترضهم كائن كان . الغريب ان السلطة العراقية المتمثلة باحزاب و شخصيات دينية و التنفيذية و التشريعية و في مقدمتهم القضائية تتحدث عن سيادة البلد و ما يجب الحفاظ عليها كلما رات قطة صغيرة تدخل البلد من هذا الحدود او ذاك و لا ترى الدب او الفيل و هو يجتاج و يدمر الاخضر و اليابس، و يدخل من المنافذ الرسمية دون ان يقول له احد ان عيناك جميلتان او فوق عينيك حاجب كما يقول المثل . بالامس و في وضح النهار داهمت قوة من الميليشيات المعروفة منطقة الصدر و اختطفوا عمال تركيين (مهما كان موقف بلدهم من اية قضية كانت الا انهم عمال، ان لم يكونوا عمالا او مختصين بامور سياسية بلباس العمال فليعلم العالم بهم و يفضحوا بادلة موثوقة ) امام مراى و مسمع العالم دون ان ينبس احد ببنت شفة و يعترض، و حتى عند ورود معلومات استخبارية لم يتجرئوا على ان يعلنوا عن العملية العسكرية للجيش في شارع فلسطين على ان لها علاقة بما حدث بل موهوا الناس على انها نفذت بهدف اعتقال الارهابيين . ان هذه القوة غير الرسمية او الميليشياتية نفذت عملية الخطف بكل سهولة و سلاسة و ذهبوا بارتياح كامل و كأنها قوة استخباراتية رسمية مجازة من قبل الدولة نفذت ما اُمرت به رسميا و اعتقلت جواسيس خطرين على امن البلد .
هناك قوات و ميليشيات لا تستطيع حتى الحكومة بكل قواتها ان تردعهم، مهما اخترقوا القوانين التي فقدت في العراق اليوم . انهم السلطة الحقيقيين في البلد و ينفذون ما يريدون او ما يؤتمرون به من امريهم مهما كانوا جنسية او دينا او مذهبا او عقيدة دون اي تردد .
هذا العراق الان، وهو ما يعيد الى الاذهان ما صرح به المالكي في ايام عزه و لم يعلم ام كان قاصدا مغرضا في سخريته للجيش و قوته، عندما قال ان الجيش لم يتمكن من اعتقال مجرد مقاول فاسد، فارسل ابنه احمد بنفسه ليعتقله و هو لم يحمل اي صفة رسمية لتنفيذ مثل هذا المهام . و اليوم يُعاد هذا باسم الاختطاف و لكن دون امر رئيس الحكومة، و لكن المفارقة في انه يحدث في وقت العالم ينتظر نتائج الاصلاحات و على الاقل بدء الخطوات الاولية لترسيخ القانون و سيادته .
انهم قوات عديدة و كل باسم و ورائهم اهداف و تدعمهم دول اقليمية و هم يمدونهم بالاموال و العدة و كأن هناك جيشا لدولة اخرى في العراق ينفذ ما يامره به الداعم و ما لصالحه كي تميل الكفة دائما لمن له اليد في تامين ما يهمها فقط عندما يحس ان هناك اختلال في ميلان القوة اليها، دون اي اعتبار لسيادة الدولة و قوانينها .
فهل العراق دولة محتلة ام تحول الى دويلات من حيث القوات و التركيبات العسكرية و الاحزاب و التوابع، انهم دول متحركة يفرضون سيادتهم على دولة العراق و هم داخل الدولة العراقية، و ان لم يعجبهم ما تسير عليه السلطة فانهم يضغطون، و ان لم يفد لهم فانهم يدخلون مباشرة بما يريدون تنفيذه سياسيا كان ام عسكريا . اليس من المفروض ان يكون للسلطة راي و موقف مما يجري ام انها ايضا تريد ان تتقدم و تتجاوز هذه الامور و يبقى البلد على ما هو عليه فقط، و لم يشهد البلد الا تغييرا في الكراسي و الوجوه فقط و بمحتوى واحد . لم تقدر اية حكومة مهما ادعت استقلاليتها من دوام سلطتها ان كانت تحت رحمة اية جهة خارجية او داخلية تابعة متنفذة كانت . حادثة الامس بيُنت للقاصي و الداني ان دولا تعمل بكل جد و نشاط داخل العراق و تعمل على اعاقة المسيرة الاصلاحية التي بداها الشعب و فرضها على السلطة التنفيذية، و هي بدورها خطت الخطوة التي تهمها فقط دون الاستمرارية لتحقيق اهداف الشعب و توفير المتطلبات الخدمية من جهة و السياسية التي ترفع العراقيل امام توفير الخدمات من جهة اخرى .
كيف يكسب العراق استقلاليته و سيادته في ظل هذه التركيبات و المكونات و القوى المتعددة المختلفة التي انبثقت من التدخلات الخارجية، و هي موالية و تابعة في النهاية، و من المؤسف انه يتشدق بالحفاظ على وحدة البلد و هو مقسم سياسيا و حتى عسكريا . دولة تحمل في طياتها و حتى في كيانها بشكل واضح قوات عسكرية متعددة غير تابعة لها باي شكل كان، دولة تحوي على قوات عسكرية معدة و ممولة و مؤتمرة من الخارج، دولة ترى هذه القوات وباسم الحفاظ على امن البلد تنفذ اجندات خارجية لصالح تفوقها في الصراع السياسي داخل العراق، دولة جامدة واقفة مصدومة و مترهلة القوى غير متمكنة على الخارجين عن القانون، دولة تُخطتف امام اعينها بكل علنية الناس و تُغتال اخرون، دولة لم تقدر على تنفيذ ما هي اقدمت عليه حتى بشق الانفس، دولة تحكم فيه السلطات المتعددة بعيدة عن الصلاحيات الرسمية لكل منها، دولة لها مرجعيات قانونية و دينية و اجتماعية بعدد شعر راس رئيس وزرائها، دولة مصادر انبثاق قوانينها مسلوبة من جهات و اشخاص، دولة رغم الموارد الهائلة في ازمة اقتصادية و غارقة في الفساد بكل انواعه، دولة لا يمكن ان نسميها دولة في مقياس تعريف مفهوم الدولة، اذا كيف يمكن العلاج ان لم يكن التوحيد او التقسيم بعد كل هذه الفوضى . و الايام القادمة ستبين لنا ان الاستمرار على ادعاء السيادة و الوحدة ليس الا مضيعة للوقت، و اتمنى ان لا نندم على ما يمر من هذه الايام دون ان نقدم على خطوة حل جذرية نبدا منها اعادة الهيبة و الاستقلالية و السيادة للبلد، فلننتظر ما يؤل اليه الوضع و كيف تقع حال البلد، الا ان الجهة الاخرى من النفق المظلوم واضع للعيان لمن تعمق و قرأ الواقع بشكل عقلاني صريح.[1]