الخوف متلازمة الكرد
ياسر خلف
جرت العادة أن يحتفل النظام في السابع عشر من نيسان لكل سنة بعيد الجلاء وهو حسب ما كان يدرس في مدارس ومناهج البعث بأنها يوم مغادرة آخر جندي فرنسي من الأراضي السورية، والتي هي في حقيقة الأمر كانت نتيجة اتفاق بين القوى العظمة آنذاك في تقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دول قومية رسمت حدودها بما يتناسب ومصالح ونفوذ تلك الدول، حيث لعبت بريطانية وفرنسا الدور الأعظم في هذا التوزيع والتقسيم والتي سميت الاتفاقية على أسماء موقعيها من الدولتين مارك سايكس وجورج بيكو، وبموافقة من روسيا القيصرية والتي قسمت كردستان أيضاً بموجبها إلى أربعة أجزاء، وزعت جغرافياً بين تلك الدول القومية المستحدثة من قبلها، وهي كانت رغبت من تلك الدول بإبقاء منطقة الشرق الأوسط بؤرة للتوتر والصراع اللامتناهي وهذا ما نشهده في حاضرنا الآن، حيث أصبحت الشرق الأوسط برمته تعيش مخاضاً ونزفاً لا مثيل له من دمارٍ وخرابٍ وقتلٍ وحروبٍ باتت أشبه بحربٍ عالميةٍ ثالثة، حقيقة إن المتتبع للمشهد السوري منذ ما يقارب الستة سنوات يُدرِكُ جيداً أن المعادلة الدولية وتقسيم المنطقة بدأت تتشكل من جديد، فبعد مرور نحو المائة عام على اتفاقية سايكس بيكو اقتضت الحاجة وخاصة من قبل الهيمنات المركزية إلى إعادة ترسيم حدود مصالحها ومنافعها، فكان نتيجتها هذه الفوضى الهدامة للمنظمة والتي وصلت إلى ذروتها في سوريا، حيث لم يتبقى من اتفاقية سايكس بيكو في الشمال السوري سوى تلك السكة الحديدة الفاصلة بين روج آفا وشمال كردستان، وهو ما وعتها جيداً الدول المحتلة لكردستان وخاصة تركيا التي تحارب الشعب الكردي باستماتة لا مثيل لها، وحاولت وتحاول بشتى الوسائل التمسك ومنع المساس بحدود سايكس بيكو، فمنذ اللحظة الأولى من انطلاق الأحداث في سوريا نُصبت الخيام على كامل تلك الحدود، واحتضنت ما تمسى بالمعارضة الخارجية، وأسست لها مجالس وهيئات تابعة لها تأتمر بأمرها بطريقة استخباراتية محبوكة بدقة هدفها فقط معاداة #الشعب الكردي# ومنعه من أي حقوق في سوريا. حيث جندت ومولت شتى الفصائل المتشددة ووجهتها إلى روج آفا والشمال السوري، كانت سري كانية المحطة الأولى لتلك الفصائل الإرهابية والتي وصل عددها إلى ما يقارب الثلاث مئة فصيل، أدخلت بشكلٍ مباشرٍ إلى روج آفا عبر الحدود من تركيا، حيث صرح أحد متزعمي تلك الفصائل آنذاك بأن هدفهم الوصول إلى منابع النفط في الرميلان ونهر دجلة في ديرك، وتهجير كامل الشعب الكردي من تلك المنطقة التي نصبت حكومة اردوغان الخيام على كامل الحدود، وبالفعل قامت تركيا بقطع السلك الشائك الفاصل بين شمال كردستان وغربها مع تزامن دخول تلك المجاميع سري كانية وبمساعدة بعض الأحزاب الكردية في الانكسي وتشجيعٍ منها، والتي لا تزال مقراتها موجودة في تركيا إلى وقتنا الحاضر، لكن ما كانت تجهلها تركيا وتوابعها من فصائل إرهابية وأقنعتها السياسية هي إرادة الحياة والمقاومة التي أبداها وحدات حماية الشعب والمرأة والشعب بكافة فئاته ومكوناته في مواجهة هذه الهجمات الإرهابية، لتكون المحطة الأولى والرسالة الموجهة لجميع المحتلين بأن مؤامرة سايكس بيكو قد انتهت دون رجعة، والشعوب هي الآن من ترسم خارطة إرادتها وملامح حياتها المستقبلية، وهنا أدرك المحتلون وتوابعهم خطورة هذه المقاومة والوعي الشعبي في روج آفا والشمال السوري على مصالحهم ودولهم القومية العنصرية، لتقوم بتكثيف جهودها ومؤامراتها للحد من تقدم القوى الديمقراطية واردة الحرية المتشكلة في روج آفا والشمال السوري، لتوجه توابعهم من الفصائل الإرهابية كداعش ومثيلاتها للحيلولة دون اندثار حدود سايكس بيكو لتكون كوباني المحطة الثانية التي دحرت هذه الهجمة الإرهابية الممولة الشرسة، ولتثبت للعالم أن عصر الحدود المصطنعة قد ولى زمنها وانتهت تحت إقدام المقاومين، وخرائط الإرادة والحياة يشكلها الشعوب بمقاومتهم ودمائهم، هذه المقاومة والتصميم على النصر التي امتدت إلى ما بعد نهر الفرات ودحرها للإرهاب في معقلهم.
مدينة منبج ومناطق الشهباء كانت بمثابة الصدمة والناقوس الذي هز عروش المحتلين والطغاة بعد أن فشلت جميع مخططاتهم ليلجئ إلى التدخل المباشر بعد أن كانت قبلها تدار بالوكالة، وليتفق الأعداء الأصدقاء مجدداً في كيفية الحفاظ على حدود سايكس بيكو التي لم يتبقى منها سوى سكة القطار الحديدية، فكان لابد لتركيا وإيران ونظام الأسد على كيفية مواجهة الشعب الكردي وبقية المكونات في روج آفا والشمال السوري، فكان اللقاء الأول الذي جمعهم في الجزائر وكأنهم يريدون إعادة التاريخ مرة أخرى باتفاقية جزائر أخرى للنيل من إرادة الشعب الكردي، ولقاءاتٌ أخرى جرت في طهران وأخرى في دمشق بشكلٍ سري ليكلل هذه اللقاءات بدخول الاحتلال التركي الشمال السوري واحتلالها لمدينة جرابلس، وتوجهها صوب مدينة الباب للحيلولة دون تواصل جغرافية الشمال السوري وروج آفا و إعلان الفدرالية الديمقراطية، لكن إرادة الشعوب ومقاومتها في روج آفا والشمال السوري جرت عكس مخططاتهم، فقد فشل الاحتلال التركي من دخول مدينة الباب بعد تخلي التحالف من تقديم الدعم جوي لها كما حدث في جرابلس من استلامها من داعش، وكذلك بدأت حملة الرقة بدعمٍ وإسنادٍ مباشرٍ من التحالف الدولي لقوات سوريا الديمقراطية، ومنع الأتراك من المشاركة فيها لتبدأ طقوس التحالف الجديدة القديمة بين تركيا وإيران والنظام السوري برعاية روسية، حيث تخلى بموجبها تركيا عن المعارضة في حلب عبر مؤامرة ما سمي بالباصات الخضراء (باصات الإجلاء) التي جرى بموجب اتفاقٍ بين تركيا وروسيا، بإجلاء ما تبقى من فصائل مسلحة من شرق حلب إلى ادلب بعد أن قامت تركيا بسحب الفصائل المرتبطة بها إلى جرابلس والباب، لضمها إلى مرتزقة تركيا ومسلحيها وتغض وبالمقابل روسيا النظر عن احتلال تركيا لمدينة الباب وتقديم غطاء جوي لقواتها لإنهاء أي مقاومة وثورة في الشمال السوري، والقضاء على إرادة الشعوب هناك، وإرجاع الوضع إلى ما قبل عام 2011 لحدود اتفاقية سايكس بيكو، وذلك عبر اتفاقية الأستانة الأخيرة وإصرار تركيا على استثناء الشعب الكردي فيها عبر ممثليها في قوات ومجلس سوريا الديمقراطية، وعدم اكتفائها بذلك ليصل إلى حد الطلب باستثنائها من ما يسمى باتفاقية وقف إطلاق النار، والمطالبة بترك وحدات حماية الشعب لسلاحها؟
لكن ما لا تدركها العنجهية التركية وإيران والنظام البعثي أن عجلة الحرية لا ترجع إلى الوراء، وإرادة الشعوب أقوى من المؤامرات وهي من تصنع قدرها بنضالها وتصميمها على النصر والعيش بحرية وكرامة.
فما تشهده روج آفا والشمال السوري من بناء لإرادتها وإدارتها ومؤسستها وتحقيقها لنصرٍ تلو النصر، وتحريرها لمناطق واسعة من الشمال السوري واقترابها من دحر الإرهاب في آخر معاقله في الرقة، وإعلان الفدرالية الديمقراطية لشمال سورية كحل أمثل لكامل سورية الذي بدأ يلقى القبول من شعوب ومكونات المنطقة بعد أن ذاقت الأمريين من النظام والفصائل الإرهابية الممولة من تركيا، وكذلك تلقى الدعم والمشاركة المباشرة من قوات التحالف بقيادة أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية في حملتها التحررية، وهو ما ينذر ببداية النهاية لكامل المخططات التركية ومؤامراتها.[1]