أستانة و حسابات التقسيم
في #23-01-2017# \ #24-01-2017# عقد في أستانة العاصمة الكازاخستانية مؤتمر جمع وفد من النظام السوري ،و وفد ضم مجموعات مسلحة اسلامية معارضة هي بأغلبيتها مجموعات تابعة للحكومة التركية .
المؤتمر كانت نتيجة لجهود مشتركة و منسقة بين ثلاثة دول هي روسيا و تركيا و إيران ،و لكل دولة من هذه الدول أهدافها و غاياتها من عقد المؤتمر الذي بدا و كإنه مسرحية أعد لها من قبل تلك الدولة خدمة لمصالحها فقط .
فالمؤكد إن ما سمي بمؤتمر أستانة لم يخدم أي مكون من المكونات السورية ،فهو كان مجرد منبر ليكشف النظام و المجموعات الاسلامية المتطرفة من خلالها ،عن عقليتهم و مواقفهم البعيدة عن أي حل ديمقراطي .
أتى النظام إلى المؤتمر بضغط من روسيا ، أو ربما إنه مقتنع إن المؤتمر هي مجرد مسرحية فعلا ،لكي يلعب الحعفري فيها أحد الادوار التي قد يقنع العالم بصواب رؤية النظام حول الأرهاب و الحل . أما ما سميت بالمعارضة فهي مجموعات مسلحة لا تسيطر ألا على مساحة قليلة من الساحة السورية لا تتجاوز 10% بل أقل من ذلك .و أجبرتها أنقرة على المجيء إلى أستانة بالترهيب و التخويف و التهديد . و هي مجموعات إسلامية متطرفة لا تحمل إي مشروع ديمقراطي للتغير ،بل أن أغلبية تلك المجموعات لا تختلف عن جبهة النصرة و تنظيم داعش بشيء ،فهي نفس الفكر و الايدولوجية الدينية المتطرفة و المعادية لكل ما هو ديمقراطي .
الدولةالثلاثة روسيا و إيران و تركيا تختلف مصالحها و مواقفها بشان النزاع السوري في العديد من الأمور ،و لكنها تتقاطع في أمور ربما أهمها هو المحافظة على نفوذهم و مواقعهم في الساحة السورية المنقسمة .و وجه التشابه بينهم هو إن الدولةالثلاثة لها قوات عسكرية داخل سوريا .
روسيا هي ألاعب الاكبر و هي المستفيدة أكثر ،تلعب على ورقة التناقضات بين كافة الاطراف ، تنسق مع معظم القوى و الدول التي لها علاقة بالنزاع السوري بما فيها إسرائيل ،تضغط على الاتراك بالمسألة الكوردية ، و تضغط على النظام المهدد بالسقوط ،و تؤكد له بالقول و الفعل “لولا التدخل الروسي لإنتهى كل شيء ” ، و تضغط على إيران المهددة من إدارة ترامب الجديدة ،و كذلك تهددها و لو بشكل غير مباشر بعلاقاتها مع دول الخليج و تركيا و إسرائيل . غايات روسيا هو جعل سوريا او الجزء الاكبر من سوريا ساحة لقواعدها العسكرية في الشرق الاوسط ،و كذلك بيع الأسلحة لكل الدول التي تشعر بالتهديد و التي تحاول روسيا إقامة أفضل علاقات معها من أجل هذه الغاية . و كان عقد هكذا مؤتمر في استانة بمثابة تدخل فعال يضهي بل هي أكثر قوة و تاثير من التدخل الاميركي في النزاع السوري ،و تعيد لموسكو هيبتها العالمية ، و تخلق نوع من المواقف التي تقول ان روسيا أصبحت أكثر حيادية في هذا النزاع على الأقل من جانب المجموعات المعارضة التي كانت تعتبر روسيا قوة محتلة و جزء من المشكلة الروسية.
أما إيران فإنها دعمت و ساندت النظام من أول مظاهرة ضده في أذار عام 2011 و هي غاياتها المحافظة على أكبر قدر من الساحة السورية خدمة لمشروعها الطائفي و المذهبي . و لها تناقضات مع روسيا بشان النزاع ، بل لديها قلق و خوف من تزايد النفوذ الروسي في سوريا ، و هي أيضا تشعر بقلق من التدخل التركي و الاميركي ، و لكنها مضطرة لقبول بالتقسيم العكة حتى لا تفقد كل شيء ، و هناك مسالة مهمة تقربها من أنقرة و هي المسالة الكوردية ، فإيران و تركيا متفقتان ضمنيا و عمليا و ربما هناك بينهما اتفاقات ل” منع قيام اي كيان او منطقة حكم ذاتي او فيدرالي للكورد في سوريا ” لانهما مقتنعتان ان حصول الكورد في سوريا على أي إنجاز و لو بسيط سيؤثر على الكورد في بقية الاجزاء بما فيما الجزءان الخاضعان لهما . إيران حاولت من خلال أستانة أن يكون لها دور في النزاع مستقبلا ، فهي المتحكمة على اﻷرض ، وابعادها عن اي مؤتمر لسلام أو الحل تعني استمرار المشكلة . و هي لن تتخلى عن النظام و رؤيتها بالأصل للحل لا تختلف عن رؤية النظام ، و لكنها تناور سياسيا و دبلوماسيا مثل القوى و الدول الأخرى .
أما المميز فهو الموقف التركي ، الذي أصر على رحيل النظام لسنوات و دعمت كافة المجموعات المعارضة ضده بما فيها تنظيمي داعش و جبهة النصرة . و لكنها و خدمة لمصالحها التي سمتهما ( اﻷمنية و القومية ) غيرت مواقفها و رؤيتها لنزاع السوري 180 درجة . و لم تعد تصر على رحيل الأسد ،و قدمت لروسيا من التنازلات ما لم يتوقعه أحد قبل ذلك ، و كل ذلك لغايات سياسية تخصها هي كدولة و حكومة ، لعلى اهمها هو اولا -إقامة منطقة نفوذ في الشمال السوري على غرار شمال قبرص ،مرتبطة مع أنقرة عبر مسميات المنطقة الأمنة و حماية حدودها من الأرهاب تديرها مجموعات تركمانية و اسلامية متطرفة .ثانيا -منع الكورد من التقدم و تحقيق مشروع الاتحاد الفيدرالي في شمال سوريا .
روسيا و تركيا و إيران دول مهمة و لكن هناك أيضا الولايات المتحدة التي لن تقبل لو تم تجهلها ، و هي لها نفوذ في سوريا و حلفاء، و حلفاءها يسيطرون على مساحات مهمة واسعة ، ولذلك فان فرض اي حل بدونها لن يكتب لها النجاح ،و العالم بدا يراقب ما سيفعله إدارة ترامب الجديدة في سوريا ،و كما يبدوا من أولى تصريحات ترامب بشأن موافقته لإقامة منطقة أمنة في سوريا سيكون تدخله أقوى من تدخل إدارة أوباما ،و لكن ما يزال الوقت مبكرا بشأن ما سيفعله عمليا في سوريا ،أو ما يخطط له .
باختصار أستانة هي خطوة كان من المفروض ان تكون باتجاه الحل الذي يوقف شلال الدم ، و لكنها كانت فعليا خطوة في اتجاه اللاحل . فالممثليين الحقيقيين تم إقصائهم و منعهم من حضور المؤتمر ،و كل الذي حضروا يمثلون أجندات أقليمية و دولية لا تخدم مصالح المكونات السورية .[1]