#الأمُة الديَمقراطية# ، مشروعٌ حُرّ مُبّددٌ للأزمات
آلدار خليل
من المعروف أنَّ السعي القومي والديني القائمَين على استغلال الشعوب وجعلها تحت هيبة الحكم والسلطة الواحدة من أهم المشاكل التي عانت منها المنطقة على مرِّ التاريخ، بحيث أنَّ الانطلاق من مبدأ اللون الواحد في كل شيء طغى في الكثير من الجوانب على عدم قيام الأطراف التي كانت مسحوقة بما وهبتها الحياة من حق في العيش كالآخرين دون تفريق.
في الثورة التي بدأت في روج آفا تم الأخذ – بالضرورة- بتلك العوامل ونتيجة تقصٍّ دقيقٍ وتفكيكٍ للمراحل المفصلية في تاريخ الشعوب؛ استندت #ثورة روج آفا# إلى كل ما يمكن من خلاله منع تسرُّب تلك المحاولات القائمة على التعصب القومي أو الديني او العرقي إلى الشرايين الدقيقة للثورة الشعبية التي شهدتها منطقتنا.
لقد كانت النظرية الأفضل في العمل على تحقيق أهداف الثورة وتحقيق التغيير المنشود في بنية المجتمع الذي ظل قابعاً تحت لون واحد؛ هي نظرية الأمة الديمقراطية، بحيث لا يمكن حين العمل بهذه النظرية من أن نكون بموضع يسمح لخلق الفتنة أو اللامساواة، حيث الجميع في هذا المشروع هم الأصحاب والكل يعمل من أجل الكل ولا يوجد في هذه النظرية الديمقراطية أيُّ نوعٍ من غلبة الطابع القومي، فمن حق كلِّ من يعيش على الجغرافيا التي تُطبَّق عليها نظرية الأمة الديمقراطية أن يقوم بحرية عمل ما يريد مادام هذا العمل يصبُّ في خدمة وتطور قومه .
الكرد اليوم يطالبون بالحياة الحرة وهم كانوا مثلهم كمثل العرب والسريان والآشور والكلدان من الشعوب المضطهدة على يد النظام القومي المتوارث في الدولة السورية، و بناءً على هذا فبالسعي نحو الاستحقاقات الوطنية نتجاوز موضوع الحقوق لنصل إلى إعادة الدور الطبيعي بالشكل الذي يخدم تطلعات الشعوب، وفي هذا السعي لم تعد المرأة أو العمال والكادحون وكل مغلوب على أمره كما في السابق مجرد وقودٍ لمشروع يستفيد منه طرف دون آخر، وبالمقابل يمكن ملاحظة أنَّ الأطرافَ التي تسعى إلى تحقيق الثورة وتريد إحداث التغيير وتتبنى المنطق الديمقراطي – كما تعلن هي ذلك- تعود وتواجه مشروعنا القائم على الاتحاد ضمن التنوع وتفعيل كل ما يمكن من أجل حرية المكونات بمختلف انتماءاتها، فلماذا هذه الأهداف لا تناسب توجهاتهم مع أنَّهم دعاة ثورة كما يقولون؟ هذا إن دّل على شيء إنما يدل على أنَّ الثورةَ التي تدّعيها هذه الأطراف هي ذاتها بحاجة إلى ثورة لأن التحركَ الذي تريد من خلاله إحداث التغيير ذو صبغةٍ قومية في بعض المواقع وأخرى دينية وهذا يؤدي بالمحصلة إلى إعادة الدور القديم، سواء للنهج الذي بدد أحلام الشعوب في المنطقة أو بالحكم المطلق الذي انتهجته دولة البعث السورية.
أمَّا نحن ففي مطالبنا التي نريد تحقيقها نتشابه مع كل ما طالبت به تيك الأطراف مِن ثورةٍ وحريةٍ، ونبذٍ للطابع القومي، ولكن على الساحة العملية فمواقفهم هي مواقف مضادة، فعلى سبيل المثال نموذج #الإدارة الذاتية# #غرب كردستان# هو نموذج علماني يعتمد على حاجة الشعب للتنظيم الاجتماعي والحماية من التيارات المهددة لسلمية عيشه فلماذا تقوم هذه المعارضات بمعاداة هذه الفكرة مع أنَّها ( أي هذه الفكرة ) نموذجٌ مناسب لعموم المكونات، وهي تجربة صالحة للديمومة بحكم أنَّها لا تقبل لأي طرف أن يتّفرد بالإدارة.
وبنفس التوجُّه نحو دمقرطة الحياة السياسية في سوريا؛ بادر شعبُنا وبكلِّ مكوناتها على طرح مشاريع من شأنها تخفيف الحدة في المواقف نحو الحل، فجاء مشروع مجلس سوريا الديمقراطية كمحطة مهمة في إحداث التغيير بما يناسب عموم السوريين، ورغم ذلك جاءت المعارضات وعارضت هذا التوجه مع أنَّه غير محصور بفئة أو بطرف وإنما هو سعي لعموم السوريين، ومن ثم مشروع الاتحاد الفيدرالي مؤخراً كان موضع رفض عند بعض الأطراف، ويمكننا ملاحظة أنَّ هذه الأطراف التي تدَّعي أنَّها حريصةٌ على مصلحة السوريين تريد الحل بالجزئيات التي تناسب أطرافاً خارج إطار حقوق الشعوب السوري، والدليل على ذلك مؤخراً أنَّها ( أي هذي المعارضات ) منعت مشاركة أهم الفاعلين على الجغرافية السورية من مؤتمر الآستانة.
نحن نريد ونسعى لنبذ المركزية وتبديل الواقع المفروض إلى واقع مرسوم بإرادة السوريين ونحن حين نتبنى مشروع الأمة الديمقراطية فذلك لأننا نراه الحل والإجراء المناسب، وتقارباتنا في هذا الإطار ليست تقاربات آنية مرحلية، فدعائم هذا المشروع هو العمل المشترك والتعاون والتضحية والنضال معاً، وهذه الأواصر هي نتاج تاريخ عميق وواقع نعيشه وحتماً سيكون مؤدياً إلى مستقبل مشترك وما المحاولات التي تريدها الأطراف المُعيقة إلا رغبة منها في إعادة اللون القومي أو الديني الذي لم ولن يصلح للمرحلة التي نعيشها بحكم أنَّها على مدار مئات السنين لم تُجْدِ نفعاً فكيف في ظل هذه التغيُّرات؟! وبخاصة أمام الانهيار الأكبر للامبراطوريات القومية المركزية في المنطقة واستنادها على عكازات لجهات متحالفة أصلاً ضدَّ ذلك المنطق.[1]