سوريا: فرص حل القضية الكردية في ظل المجريات الأخيرة
نواف خليل
الأدوات القديمة في الرصد والتحليل لم تعد تفي بالغرض لتغطية المآلات التي وصلت اليها سوريا في السنوات التي تلت آذار العام 2011 م. وان كان الدخول للعام الجديد يٌلزمنا بعمل جرد لما جرى من حوادث دموية شكلت فصولا أخرى من تاريخ النزيف السوري، إلا ان الحاضر والمستقبل لا يقدمان أي فرصة للتفاؤل والاعتقاد بأن القادم سيحمل معه آفاق الحل والسلام والاتفاق، ومن ثم إنجاز عملية كنس مخلفات الحرب والنهوض والبناء بالبلاد المدمرة. ثمة، مع ذلك، بصيص أمل في الاتفاقات العامة في خطوطها العريضة، والتي تفرضها المتغيرات الدولية، للعمل والتشاور حول إيجاد حل ما للوضع السوري.
كان هناك حدث عن مؤتمر الأستانة، الذي شارك فيه قادة ومسؤولون في الجماعات المسلحة، برعاية تركية روسية، بالإضافة إلى ممثلي النظام في دمشق، لتأكيد الاتفاق الثلاثي الروسي الايراني التركي وتثبيت وقف اطلاق النار، على أقل تقدير. اللقاء الذي رعت تركيا حزب العدالة والتنمية، الجانب المسلح ل”المعارضة” فيه، بينما رعت روسيا الجانب الآخر، أستثنى، بضغط تركي، الكرد كمكون وفيدرالية الشمال السوري، كإطار ياسي جغرافي/ديمغرافي موسّع، وقوات سوريا الديمقراطية، إحدى الفواعل القوية والأكثر حضورا في المشهد العسكري السوري والحرب ضد “داعش” في سوريا والمنطقة.
هل هذا الإقصاء لقوة سورية كبيرة تسيطر على مساحة جغرافية وبشرية، وبإيعاز تركي سافر سياسهم في الحل أو في جزء من الحل في الأزمة السورية؟.
لا طبعا..
الأزمة السورية لا يمكن أن تٌحل بمعزل عن الإتفاق السوري الداخلي. الإتفاق السوري بين كل الأطراف والأطياف. بين المركز والأطراف. هنا في الحالة الكردية. في حالة فيدرالية الشمال السوري، القائمة على التوافق بين المكونات العربية والكردية والسريانية. ذلك التوافق الذي تحميه قوات سوريا الديمقراطية، الشريك الرئيسي للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي. رغم اهمية العاملين الدولي روسيا والولايات المتحدة الإقليمي مثل تركيا وإيران والسعودية، إلا ان الأزمة تبقى في الدرجة الأولى سورية، والتوافق يجب أن يكون سوريا، وأن يراعي التغييرات التي حدثت في البلاد، وألا يصر بعض الأطراف على العودة إلى المربع الأول. فليس من المعقول العودة إلى ما كان عليه النظام السابق من مركزية وحكم الاجهزة الاستخباراتية التي كانت تحكم بقبضة حديدة ورفض الهويات المتعددة كتعبير ونزوع للنظام والمعارضة وارضاء لتركيا اردوغان وايران ، خاصة بعد الاستدارة التركية واعلانها بوضوح انها تهدف الى القضاء على الادارة الذاتية، أو أي شكل من اشكال الادارة يكون فيها الكرد طرفا فاعلا.
الكرد رفضوا المشاركة في الحرب التي شنتها المحاور الإقليمية في سوريا ، والتي طالت في اوجه كثيرة منها البلد والشعب السوري أيضا. الكرد وحلفاؤهم العرب والسريان في مناطق الشمال، والشمال الشرقي، والتي تسمى الآن فيدرالية #شمال سوريا# ، تمكنوا من تقديم قراءة صحيحة للمشهد. هم كانوا مع المطالب الشعبية المحقة في الديمقراطية والحرية. مع المظاهرات السلمية والاعتصامات المطلبية المدنية الهادئة. رفضوا المواجهات وحذروا من التسليح ومن ثم اسلمة الحراك وبالتالي تطييفه . عندما حدث ذلك وتوالدت مجموعات المعارضة، وظهرت “جبهة النصرة” ومن ثم “داعش” بدأ الكرد وحلفاؤهم بالاستعداد لما هو اخطر واعظم من خلال اعداد البديل على الصعد الادارية والمعيشية والعسكرية لحماية مناطقهم من فوضى السلاح والمجموعات التي لم تتاخر في الدخول للمنطقة من تركيا علانية في 02-2012 وتحديدا الى مدينة سره كانيه ” رأس العين “.
حاولت تركيا استغلال الفوضى لتحلق أكبر الضربات بالجانب الكردي. حدثت مواجهات عنيفة بين وحدات حماية الشعب والمجموعات الإرهابية التي كانت تركيا والمعارضة السورية الإسطنبولية تقول إنه “ثوار ” و”جيش حر”. تمكن الكرد وحلفاؤهم العرب والسريان/المسيحيين من طرد هذه المجموعات، ولكن بعد خسائر كبيرة في الأرواح والأستقرار والعمران. فهم الكرد سياسة تركيا، فراهنوا على البناء والدفاع وتمتين الجبهة الداخلية بين المكونات وخصوصا العشائر العربية التي بدأ البعض يتحرك من عنتاب وأورفة بأسمها. فشلت الخطة التركية. إندحر الإرهابيون ولم تحدث مواجهات عربية كردية. بل على العكس، حدث توافق بين المكونين وتشكلت المقاطعات برئاسات ومشاركات عربية كردية سريانية، وبحضور لافت للمرأة.
ظهر بوادر الفشل التركي بعيد التدخل العسكري الروسي وتقدم القوات النظامية السورية في حلب. قررت أنقرة التحالف مع روسيا ومحاولة التقارب مع إيران، حيث عزفت على وتر “الخطر” الكردي، محاولة النيل مرة أخرى من فيدرالية الشمال وقوات سوريا الديمقراطية. الآن تبحث تركيا عن صيغة ما من خلال “مؤتمرات” دولية تقصي من خلاله الكرد، وترفض الفيدرالية، وتعلن قوات سوريا الديمقراطية، قوات “إرهابية”. في سبيل ذلك تعرض أنقرة أوراقها في البازار. وهو ما ظهر جليا من البيان الذي القاه محمد علوش رئيس وفد الجماعات المسلحة واحد قادة “جيش الاسلام”، والذي ساوى بين “داعش” وحزب الاتحاد الديمقراطي!. علوش الذي وضع وجيشه الاسلامي النساء في الاقفاص، واختطفو الناشطة رزان زيتونة وزملاءها منذ سنوات، وهو المتهم بالارهاب والتخريب والتحرك بحسب إملاءات الخارج.
المعضلة التركية القديمة/ الجديدة تتمثل في فشل الجيش التركي والمجموعات المسلحة المرتبطة بها في “إقتحام” منطقة الباب. بعدما كان إحتلال جرابلس قد وقع بدون اي خسائر، لكن الانتظار التركي امام الباب طال وإزدادت أعداد قتلى الجيش التركي في عمليات الكرد والفر التي شنها مسلحو “#داعش# ”، فيما ارتفع عدد الشهداء من المدنيين وفق المرصد السوري المعارض إلى أكثر من 400 مدنياً ثلثهم من الأطفال. لكن تبقى المعضلة الأكبر بالنسبة لأنقرة وحزبها الحاكم، هي في التعاون الأميركي ( التحالف الدولي) مع قوات سوريا الديمقراطية. فهذا التعاون يحدث طردا مع كل تهديد تركي وتحرش بهذه القوات. والخوف في أنقرة الآن من تزايد هذا التعاون والرفع من وتيرته مع إدارة دونالد ترامب، التي اعلنت بوضوح أن على رأس اهدافها محاربة “داعش” وإلحاق الهزيمة بصورة نهائية به، وكان لافتا في هذا الاطار الابقاء على بريت مكغورك مبعوث الرئيس الامريكي السابق لدى التحالف الدولي لمحاربة الارهاب، وهو المعروف عنه دعمه لقوات سوريا الديمقراطية وعلاقاته الشخصية الطيبة مع قادتها.
التصارع بين تركيا وفيدرالية شمال سوريا في أوجه. أنقرة تحاول تمرير “إتفاق” ما تقصي من خلاله “شرعيا” الكرد وفيدرالية الشمال، والأخيرة تحاول من خلال تحقيق الانتصار العسكري في الرقة وتحرير سد الطبقة، والحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية من أميركا، إلى درجة الوصول الحليف الرئيسي ، وضع أنقرة وحلفائها من المجموعات السورية المسلحة أمام الأمر الواقع.
الادارة الذاتية تمتد على مساحة جغرافية واسعة وتدار بشكل تشاركي توافقي، تحميها قوات بلغ عديدها اكثر من خمسين ألفا، ولهذا لا يمكن لمن يبحث عن خلق “خارطة طريق” للخروج من “الجحيم السوري” الا اشراك القيادة السياسة والعسكرية لتلك الادارة، والا فإن اي قرار إو تسوية تظهر هنا أو هناك لن تكون ملزمة لهذه القوات، ولن تعترف بها، كما ورد مؤخرا في البيان الرسمي لوحدات حماية الشعب، تعليقا على مؤتمر الأستانة وتصريحات ممثل الجماعات المسلحة المعادية للكرد ولفيدرالية شمال سوريا…[1]