هل باتت القومويّة سلاحَ المتسلّط الوحيد؟
أهي نهاية شهر العسل الداعشيّ الأردوغانيّ؟
لقد بدأ التعصّب القومي في الغرب قبل قرنين من الزمان مع ظهور الثورة الفرنسيّة، وقد لاقت أوروبا خلالها ويلات ودماراً لم يذكر التاريخ مشابهاً لها، وفي النهاية استطاع الغرب التخلّص من هذا الفكر المدمّر بعد الحربين العالميتن الدمويّتين، ومع ظهور ما يسمّى باليقظة العربيّة والكرديّة والتركيّة… قبل قرن من الزمان، تمسّكنا كشرقيين بهذا التعصّب القوميّ لدرجة أنّنا صرنا متعصّبين قوميّاً (قومويين) أكثر من المتعصّبين الغربيين أصحاب هذا الفكر، فالشرقيّة الصلبة لا تقتنع بفكرة ما بسهولة، لكن حينما تقتنع تتمسك بها وتعضّ عليها بالنواجذ، ولا تتخلّى عنها بسهولة أيضاً.
وعندما تكون أمّة شرقيّة ما مضطهَدة من قبل أغلبيّة قومويّة ما، تُطالب النخبة المثقّفة المضطهَدة بالحلّ الديمقرطيّ، لكنّ عندما تستلم تلك النخبة التي حلمت بالحلّ الديمقراطيّ دفّة الحكم ليوم واحد فحسب تقتنع بمقولة: (وداوِها بالتي كانت هي الداء) أي تمارس تلك النخبة نفس ممارسات الجاني، عندما كانت مجنيّاً عليها. ومع أنّنا نعرف داء التعصّب القوميّ، ونعرف الدواء الديمقراطيّ، لكنّ شهوة السلطة تجلب معها القوّة، والقوّة تجلب معها التعصّب بكلّ أنواعه.
ما أسهل أن تستخرج مكنونات التعصّب القومي الفاشستي من أيّ شخص ديمقراطيّ هادئ متّزن بل يدّعي الديمقراطيّة؛ إنّه سرطان التعصّب المتفشّي في ذهنيّة الشرقيّ غير الأصيلة، فالقومويّة غير أصيلة في الشرق بما أنّها منتوج غربيّ، ومع الأسف يعتبر هذا المتعصّب القوميّ مثقّفاً لطالما يدقّ طبول القومويّة التي تدغدغ السلطة الكامنة في كلّ مقموع قبل أن تكون موجودة في كلّ قامع.
فكلّ من يريد أن يجمع عدداً من الأتباع فما عليه سوى أن يعزف على وتر الشعب الواحد والعلم الواحد والوطن الواحد النشاذ، ليرى كلّ تابع في نفسه أنّه الربّ الخالد، وأنّه الإله الذي لا إله إلّا هو، وبالتالي يستطيع أيّ قومويّ أن يصنع جيشاً من العبيد لكي يبني زيقورات سومريّة يستطيع من خلالها أن يصبح كاهناً ورسولاً لإله الدولة القوميّة – الحلم.
لقد كان المجتمع الطبيعيّ الذي ولد في هذا الشرق المدمّى يمتلك ثقافة أكثر من ثقافة هذا الشعب المسيّر من قبل الغرب، فلم يعترف بقتل الإنسان ولا هدْم الطبيعة، ولا التملّك الجشع لكلّ ما تقع عليه عيناه، من هنا ينبع الحنين إلى ذاك الفكر كلّما انتشر الاضطهاد، ويظهر الاغتراب عن الذاكرة كلّما تفشّت السلطة مع انبعاث القومويّة، فالتعصّب القوميّ وشهوة السلطة وجهان لعملة واحدة، ومن يرد أن يتحدّث عن بشاعة القومويّة فتهمة العمالة جاهزة.
إنّ تخلّي المفكّر والقائد #عبد الله أوجلان# عن مفهوم الدولة القوميّة كان ثورة إنسانيّة، وكان للكرد دور الريادة في هذا الثورة، وليس نقطةَ ضعفٍ أو تنازلاً أو خداعاً ومناورة كما يظنّ البعض، ومن هنا علينا البحث والتمحيص أكثر لكي يتمّ التفريق بين القوميّة وبين القومويّة.[1]