الشعبُ الحرّ لا يستعبدُ شعباً آخر
النظامُ التركيُّ في مستنقعِ الأزمات
إبراهيم كرد
الحريةُ, شأنها شأنُ العمل والمساواة, وشأنها شأن السِلم والحرب وحرية الشعوب, وهي من الشعارات الاستراتيجية لكلّ شعب, وكلُّ فردٍ يسعى ويناضل من أجل الحصول عليها, والشعوبُ تضحي بأغلى ما لديها في سبيل الحرية, لتزدهرَ شجرتها, وتحقّق الديمقراطيةَ والعدل.
قيل: (( الحرية أفضلُ ما يعالج به الخطأ, والعقوبات أسوأ العلاجات )).
من واجب الإنسانية إظهارُ محتواها المتنوع, والمعرفة العلمية هي الخيط الذي يقود الإنسانَ حتى و لو كان حافياً إلى نيل الحرية, قال إيبيكيت الفيلسوف: ( العارفُ فقط هو الحرّ ).
فالحرية لا تأتي من فراغ, بل هي أيضاً نتيجة التقدم الاجتماعي كله, ومؤشر لتطور الشخصية, وكل خطوة إلى الأمام على طريق الحضارة هي خطوة نحو الحرية, وفي عالم الضرورة كلمة الحرية مقترنة بالمسؤولية, ولكن لا يمكن بلوغ الحرية الأصلية حتى لو كانت القوى المنتجة متطورةً, والمعارف العلمية وصلت إلى مستوى رفيع نسبياً, وإذا كانت الحياة الاجتماعية مقيدة في أطر العلاقات التناحرية الضيقة, وتسود العقوبة في التطور الاجتماعي والسياسي, والتناقضات الداخلية والصراع السياسي الاقتصادي, كأسباب أساسية للاضطهاد القومي والاجتماعي تؤدي إلى التفريق.
مفهوم الحرية كمقولة اجتماعية سياسية ترفضُ الاستبدادَ, أسوؤها استبداد الجهل بالعلم, والتناحر بين الديكتاتورية والحرية أساسه سياسي اقتصادي, فباحتلال كردستان وسلب الأراضي من أصحابها, هي لنهب خيراتها وكنوزها وموقعها الاستراتيجي الهام.
لم تعد الحرية مفهوماُ تعبيرياً مجرداً, بل ترتبط الحرية والديمقراطية بالانعتاق القومي والتحرر الوطني والاجتماعي للتخلص من الاضطهاد السياسي الداخلي والخارجي, فالحرية والديمقراطية في حياة الإنسان والإنسانية هي ضرورة سياسية واجتماعية, لذلك على كل فرد أو مؤسسة أو حزب أو عالم في شعب مظلوم ومضطهد سياسياً وقومياً أن يمتلك الشعور بالمسؤولية علمياً, لأن المعرفة العلمية والشعور بالمسؤولية مقياس للحرية, والمسؤولية توجّه الحرية, والحرية تولّد الشعور بالمسؤولية, ومرتبطتان و متلازمتان في النشاط الإنساني الاجتماعي والوعي السياسي.
وكلما ازداد شعورُ المرء بالمسؤولية اتجاه شعبه, ومن الجماهير الشعبية من العمال والفلاحين والمثقفين, تكون وسيلةً هامةً لبلوغ الحرية وتحقيق الديمقراطية التي ارتبطت بالعلم الاجتماعي, وكلما تسلح الإنسانُ بالعلم والمعرفة وبالوعي الاجتماعي والسياسي, كلما كان عمله وشعوره بالمسؤولية بوعي هادفٍ يخدم الحرية والديمقراطية في جوهرها الاجتماعي والسياسي.
القانون وسيلة طبيعية وفعّالة, ومن الواجب الخضوع لإرادة وسيادة القانون لكي تتطابق المسؤولية بكامل حجمها مع محتواها الحقيقي, والتي تمليه الضرورة الاجتماعية والسياسية, فالحرية والشعور بالمسؤولية على الرغم من جمالهما
وقدسيتهما كنافذة للتنفس الضروري من أجل الناس, يجب أن يستندا إلى المعرفة الحقيقية عمقاً وإخلاصاً وتمكناً من المعارف والثقافة العلمية التي يتطلبها العصر لكي نتنبأ بعواقب عملنا ونشاطنا المباشر وغير المباشر, وأن نمتلك الحرية لكي لا نقع في شباك التضليل الإيديولوجي والإعلامي البراغماتي, ولابد أيضاً من نظرية وتكتيك واستراتيجية واضحة, متجاوبة مع مصالح الجماهير وقواها المناضلة الوطنية والثورية المستمرة, لأن الضوءَ الذي يشع بالحرية من شعلة المرتفع, ينفذ إلى الزوايا المظلمة, ويقلق أولئك المتسترين بظلامها, والقوى الاستبدادية ينتابها الخوف من نور الحرية الذي ينشرُ الحقيقةَ ويكشفُ زيفَ الإيديولوجيات الرجعية المخادعة, والتي تحارب الفكر العلمي والتقدم الاجتماعي تحت شعار الحرية, هم داسوها بكل وقاحة ويدوسونها, فالرجعية التركية والرجعية الإيرانية والرجعية العربية لا تعترف بحرية الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه منذ آلاف السنين, وبناء دولته المستقلة وتقرير مصيره بنفسه, علماً أن هذا الحق يستند إلى شرع الله والأعراف والقوانين الدولية, ويتفق مع ميثاق الأمم المتحدة حق للشعوب في تقرير مصيرها, هذه الرجعيات ترفع شعار الحرية وترفع شعار الدين, لكنهم يقولون مالا يفعلون كبر مقتاً عند الله والبشر و حتى الشجر والحجر, لماذا؟ لأنهم نازيون عنصريون, من أجل الربح السريع, وسيادة المال حتى ولو على جماجم الشعوب, لذلك لا بد من التسلح بالإيديولوجية السياسية العلمية, وامتلاك قوانين الديالكتيك والمقولات المادية التاريخية, لكي لا نقع في شباك الإيديولوجيات الغربية والتحذيرية, كالعهود السابقة المخادعة بلباس الدين.
وشرطُ الحرية أيضاً هو الممارسة الاجتماعية بالوعي الاجتماعي, لمعرفة تناقضات المجتمع , هي المصدر الحقيقي للمعرفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, لتصبح أساساً لنشاط الناس العملي السياسي الناجح, هي الحرية.
ومن هنا تبرز مسؤولية العالم والمثقف والسياسي البارع والمناضل ( دون إهمال شرط الحرية), لأن الجهالة وجهل قوانين التطور الاجتماعي، ودور القوى المنتجة يمنع المرءَ من الإحساس بلون الحرية, وطعمها الحقيقي في المجتمع الذي أغرقته التناقضات الاقتصادية والسياسية والصراعات القومية.
لذلك لا بدّ من تربية وتطوير الوعي الاجتماعي والسياسي لدى الجماهير بعمق, وتنمية الشعور بالمسؤولية عند كل فرد في النشاط الفعال, وهو الشرط الهام لاستمرار تنامي الحرية الاجتماعية وتنامي الحرية الشخصية والسياسية, من خلال تطوّر قواه المبدعة ومواهبه تطوراً حراً شاملاً, لتطور المجتمع تطوراً حراً والعكس صحيح.
فنشاط الإنسان المشحون بأعمق الوعي الاجتماعي والسياسي, وبمعرفة قوانين التطور وتحمل المسؤولية, هو الذي يستحق نشاطاً حراً أصيلاً واعياً حقاً, ومتسلحاً بالمعارف اللازمة لهذا النشاط العملي والنظري, كل ذلك مسؤولية العلماء المتميزين في التطور الهائل في هذا العصر, من سياسيين ومناضلين وكُتّاب وشعراء وفنانين ومثقفين ثوريين, لأن العالم يعتبر رفيق تقدم الحرية ومشعلاً لها, ولكن ليس برجال العلم وحدهم وإنما بسائر الناس, ويجعل كل إنسان مسؤولاُ مسؤولية شخصية وفي الوعي والتنظيم والممارسة وفق إيديولوجية واضحة, ومن يتغنى بالحرية يجب أن يتحمل المسؤولية ضد أعداء الحرية والديمقراطية, وضد أعداء الإنسانية وضد صانعي الحروب القذرة من أجل المال وسيادة البترودولار.
والسؤال هل حركات التحرر العربية والتركية والإيرانية تعترف بحركة التحرر الكردية, وحق الشعب الكردي بالحرية والمساواة, لمجابهة الحرب القذرة الداعشية وأخواتها القديمة والجديدة؟ أم مازالت هذه الحركات في الأفق القومي الضيق
فليعلم أحرارُ العالم بأنّ حركةَ التحرّر الكردية في كردستان, أصبحت رقماً قياسياً في الشرق الأوسط, ذات محتوى وطني ديمقراطي, انطلقت من المسؤولية التاريخية لتحقيق حرية كردستان وبناء دولته وتقرير مصيره بنفسه, إن تاريخ الشعب الكردي ناصع البياض في مجال الإنسانية, واتجاه الشعوب في المنطقة, والدليل على ذلك شعار أخوة الشعوب الديمقراطية والمساواة بين القوميات, كبيرها وصغيرها في الحقوق والواجبات, وبالتالي الإنسانية قبل كل شيء, وليعلم أحرار العالم والشعوب المناضلة كما قيل ويقال: ((الشعب الحر لا يستعبد شعباُ آخر, شعب يستعبد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً)), ما من شعب ناضلَ إلا وانتصرَ، والشعبُ الكردي من الشعوب المناضلة، وحليفه النصرُ المؤزّر والمؤكد.[1]