قامشلو … عامٌ على مأساة
هيلين عثمان
كانتْ ليلةً منْ تلكَ الليالي الصيفية الملونة؛ هذا الشارع كعادته يضج بالحياة هنا، حيث يختلط ضجيج السيارات مع موسيقى أصحاب المحلات … تلك الزاوية المعتادة حيث المثلجات والتفاف الأطفال حول ذلك المكان، كلما نظرت إليهم أعود عشرات السنين إلى الوراء؛ ذكريات الطفولة تشعل بداخلي كلما كان في ذلك الزمان. على بعد خطوات يكون ذلك الاستوديو يحفظ في كل رف من رفوفه أجمل ذكريات وسهرات أهل هذه المدينة …. ثم تأتي تلك الصيدلية والتجمع الدائم حول صاحبها الذي يأخذ كل شكاويهم وأمراضهم بسعة صدر غير معتادة … نعم هنا شارع عامودا؛ لكل من لم يعش فيه لن يفهم هذه الكلمات … هنا حيث أنقضى هذا اليوم كعادته بسرعه هائلة، حان وقت الذهاب ربما زيارتي القادمة لأمي تكون غداً أو بعدَ غد… فكلما تركت هذا المكان رغم قربي الشديد منه أشعر بغصة؛ لا أدري ربما أشعر بأن أرواح أخواتي الراحلين تدور هنا … توجهت إلى المنزل؛ وتركت شارع عامودا بجماله وجمال عبق ذكرياتي فيه … أشرقت شمس يوم جديد … ولكن هذا اليوم بدايته مخيفة؛ فقد بدأ بصوت تفجيرٍ مرعبٍ تكاد الأرض تهتز تحت اقدامنا … توجهتُ للشرفة؛ الكل مستنفر في الشارع، والجميع في تساؤل عن موقع التفجير … ولكن وكأن أحدهم يتحدث عن شارع #عامودا# كنت أحاول أن افهم ما يجري … أنظر إلى هاتفي أقرأ رسائل كثيرة … ما الذي حدث!!؟؟ … هل أهلك بخير؟ … كنت في حالة غريبة من عدم التصديق؛ توجهتُ لهناك … حيث اوقفوا السيارة على بعدٍ كبيرٍ من الشارع، أرى من هذا البعد بيوت وجدران متهاوية، هنا الحال هكذا… كيف سيكون في موقع التفجير!! لم تعد خطواتي تسير بي إلى الامام؛ وكأنها تدفعني للخلف … يا ألهي كم أصبحتْ بعيدةً هذه المسافة! … ها قد وصلت! … ولكن يا إله السماوات هل هذا كابوس … زلزال … ما الذي أراه؛ نيرانٌ ودخانٌ ودمار … هناك دماء وأشلاء؛ لمن هي؟ من جيراني. وهذا الشعر الجميل لمن يعود؟ من جاراتي الحسناوات، أصواتُ بكاءٍ وعويل؛ لم أفقد أهلي رغم بيتهم المدمر … لكن زاوية ذكرياتي وطفولتي، أصدقائي وجيراني لقد تدمروا بشكلٍ كامل…. ماتت طفولتي … وماتت أرواح اخوتي من جديد … لم يعد الأطفال هناك … وكل صور الذكريات والأفراح تناثرت واحترقت، وذلك الرجل الصيدلاني الطيب؛ رحل كل شيء؛ زال من هذا المكان … احرقوه دمروه … وبدلو رائحة العبق برائحة جديدة تعلق في هذا المكان … أنها رائحة الإرهاب.[1]