فرمانات الإيزيديين والعبر الواجب استخلاصها ..
آلدار خليل
ما حدث في #03-08-2014# في شنكال لا يمكن أن يزول من الذاكرة، فهو وقعٌ تاريخي ومأساة وإبادة حقيقية تعرض لها الكرد الإيزيديين في أرضه حيث الذبح والتهجير والخطف وأمورٌ تتنافي مع الأخلاق والمعايير الإنسانية، إنها تراجيديا تتجاوز الإبادة الأرمنية ومجازر السيفو ومجزرة الأنفال والإبادة في البوسنة وعمليات التطهير العرقي في أوروبا، والصمت حيال ما حدث وعدم إيلاءه الأهمية الكافية لهو موقفٌ سلبي في تاريخ الإنسانية والمجتمع الأممي، فبالرغم من حدة الهجمات وفظاعتها إلا إن روج آفا لم تتخلى عن أهلها في شنكال وفي الظروف التي كانت تمر به روج آفاي كردستان من حيث الصعوبة والحصار والهجوم بشتى الأسلحة لم ينل ذلك من عزيمة شعبنا وعن رغبته في نصرة إخوانهم في شنكال، ففتحوا بدمائهم ممرات آمنة وأنقذوا أكثر من مائة وخمسون من الحشود التائهة من شعبنا الإيزيدي في البراري والوديان من وحشية المهاجمين، وبالرغم من الشح الهائل في الامكانات استطاعت روج آفا احتضانهم، وهذا ليس إلا من باب الواجب والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية والوطنية، نظراً لما حمله شعبنا من هذه القيم التي يعتبرها بأنها أساس ثورته الحرة في روج آفاي كردستان التي تتمثل بالحس الإنساني والأخلاقي، فتم بناء المخيمات وتقديم الطبابة والغذاء وفق الإمكانات المتاحة، فكان تقاسم اللقمة بين شعب روج آفا وأهلنا في شنكال أقوى رد على كل من تلطخ يده بالدماء أو ساهم في حبك خيوط المؤامرة أو لم يقف بوجهها، إن ما حدث في شنكال فرمان آخر أُضيف إلى سلسلة حالات التهجير والإبادة والنفي التي تعرض لها الكرد الإيزيديين على مر التاريخ ليكون ما حدث في 3 آب الرقم 73 من حيث الهجوم المستهدف من أجل النيل من هذا الشعب ومن وجوده التاريخي على أرض ميزوبوتاميا، فالفرمان الأخير هو متمم عددي بالأسلوب والهدف لسلسلة الفرمانات والإبادات العثمانية في المنطقة. إن ما يحدث الآن بشكل عام يفسر بشكل جلّي بأن غياب عنصر الدفاع والحماية الذاتية وعدم إيلائه الاهتمام لهو خطأ فادح في هذه الظروف، نظراً لتربص الكثير من الجهات التي تحاول وتكد من أجل استثمار أي ثغرة بغية بسط النفوذ وإحكام السيطرة من أجل الاستعباد والحكم بالنار والحديد، وكل ذلك بدافع القمع والنيل من أي إجراء شعبي يؤدي إلى خلق الوعي والتنظيم والتحرر.
إن التنظيم الاجتماعي والعمل على اتخاذ مبدأ الحماية الذاتية والدفاع الذاتي ضرورة مهمة في هذه الظروف وهي حاجة قصوى تنم على مدى القدرة على الحفاظ على الهوية والوجود وكذلك منع تكرار حملات الهجوم على الشعوب والنيل منها بهدف النفوذ والسلطة، إذ لابد من الموعظة مما حدث في شنكال والمنطقة واتخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون التعرض لأي نوع من النفي، ففي المجال المجتمعي لابد من التنظيم وفق القوانين والإجراءات التي تضمن التكافل والتعاون والتعزيز الديمقراطي، وكذلك على المستوى الاقتصادي لابد من وضع السبل التي تكفل دون الرضوخ وتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما إنه من المهم عسكرياً تحديد المعايير الصحيحة للتنظيم والعمل على تكوين قوام عسكري يتحلى بثقافة المجتمع الإيزيدي ويعمل على الدفاع عنه ويمنع المساس بثوابته التاريخية، والأهم من كل هذا تحديد مرجعية قرار وإدارة شعبية تكون متمخضة عن المجتمع الإيزيدي وتفاصيله الخاصة.
إن فكرة الإدارة والحماية الذاتية في الوقت التي تكون جواباً وحلاً مهماً لعموم المشاكل في المنطقة فإنها أيضاً تحتاج إلى الجهد والتضحية والتنظيم بشكل كبير جداً، لأن هذا النموذج هو طرح مضاد للنمط التقليدي السائد، وبالتالي الفكر الذي داوم على استعباد الشعوب لعقود مريرة لن يسكت اتباعه في العمل بكل السبل من أجل إفشال ما يتم طرحه من قبل الشعوب كما حال الإدارة والحماية الذاتية، لذا فإن العدول عن فكرة الدفاع الذاتي بمثابة إعطاء الإذن لجميع القوى المتربصة بالشعوب في المنطقة كي يقدموا على حالات إبادة ممنهجة بل وتسهيل ذلك، ومن خلال مشاهد الصراع مع الإرهاب تبين إن التنظيم الذاتي أنجح فكرة، ومن خلال الصراع مع دوائر العزل السياسي والمجتمعي تبين إن التنظيم المجتمعي وفق الكومين بمبدأ قلب الهرم التقليدي والبدء بإجراءات التنظيم وفق الحاجة الذاتية هو أنجح طريقة، ولذلك فإن حالة معارضة تلك الدوائر التي تتمتع بذهنية الاستبداد والعزل على فكرة الدفاع الذاتي والتنظيم المجتمعي تثبت صحة وصوابية ما نقوله وما نطرحه.
إن الكرد الإيزيديين في شنكال أمام تحديات تاريخية وإن الوقوع في الأخطاء ينذر بعواقب أخرى، لذا لابد من الاستفادة من جميع ما حدث وخاصة الموقعة المشؤومة في #03-08-2014#، ففيها العبر والدروس التي يمكن استخلاص أفضل نظام حماية وإدارة يكون كفيلاً بتحقيق الاستقرار والأمان والحفاظ على الكرد الإيزيديين وتاريخهم الأصيل وقيمهم الاجتماعية، لذا لابد للشنكاليين البدء بإجراءات التنظيم الفعلي وإعلان إدارتهم الذاتية ووضع المعايير الصحيحة للحفاظ على المجتمع الإيزيدي وحماية مقدساته ومناطقه ومن أولى الشروط الأساسية لنجاح ذلك هو عودة النازحين الإيزيديين إلى مناطقهم لحمايتها والدفاع عنها وإدارتها، ففي هذه الإجراءات تكمن الأسباب الرئيسية في منع تكرار ما حدث ومنع شنكال من أن تكون أحد النقاط التي يبحث المتآمرون من أجل النيل منها وإبادة شعبها.[1]