هل العراق يتغير ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4891 - #09-08-2015# - 09:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تاريخ العراق اكثر من غيره مليء بالاحداث الكثيرة و منها الدامية، الجغرافيا و سمات المجتمع العراقي الخاص لهما التاثير المباشر على حياة الفرد العراقي و الشعب بشكل عام . حدثت فيه من الثورات و امتدت صراعات و بزغت فجر الثقافات في المقابل، اقترفت ابشع الجرائم الانسانية من قبل الافراد و الجماعات و الايديولوجيات مقابل اكثر الافعال الانسانية التي اثرت على حياة المجتمع العراقي و الاخرين ايضا، نرى لحد اليوم العطف و الرافة و الحنان و الحب مقابل العنف و القتل و الجريمة و الكره في ذات الشخص، و هنا بحث العالم الكبير علي الوردي هذه السمات بدقة و استنتج كثيرا في هذه الصفات المتناقضة التي هي محل السخرية احيانا، لانها اكثر شيء وضوحا في العراق و ليس غيره في المنطقة، امام ذلك هناك اسباب و عوامل كثيرة و متعددة المنابع و منها خارجية، و لكنه ابرز المتناقضات الاجتماعية و الثقافية و السياسية مجتمعة ادت الى الاختلاف او جمع التناقضات في سلوك الفرد ذاته، اضافة الى كثرة الغزوات التي حصلت فيه و امتدت ايدي الشرق و الغرب الى كيانه و غير من معالمه تلقائيا و بمرور الزمن و تاثر بالثقافات و الصفات المختلفة التي وردت اليه طوال التاريخ بعد دخول افواج و جماعات مسالمين و محاربين اليه .
لقد مرت مراحل كثيرة مختلفة جذريا عن بعضها في العراق، مراحل و ان كانت اكثريتها متشددة و انتابتها الكثير من الفوضى، الا ان هناك اخرى مسالمة و امنة و لم يحدث شيء فيها غير التقدم التلقائي في حياة الناس .
اي العراق قابل للتغيير ولو في احلك مراحل حياة الناس و كيفما كان وضعه، اي قابل لتقبل المغاير و التغيير بشكل مرن. اننا نحسب للمراحل بعقود و ليس بسنين و ان شاهدنا تغييرات مفاجئة كثيرة خلال سنوات قليلة من تاريخه . الان و نحن وسط مجتمع ترسبت في كيانه مجموعة من الصفات المتناقضة و منها الدخيلة و الاصيلة، اي شابَ المجتمع العراقي تغييرا ملموسا في كينونته في العقود الاخيرة بالاخص نتيجة تاثره بالسياسات و الاهداف الضيقة التي مارستها السلطات عليها وبطرق شتى و بالكثير من الضغوطات المتعددة الشكل سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا مما اثر بشكل مباشر على اخلاقيات و العادات والتقاليد العراقية الاصيلة بشكل ملحوظ، رغم وضوح الاصالة المخفية من تحت غبار الشواذ . لو تجنبنا مرحلة الدكتاتورية البعثية و ما بعد السقوط لتبين لنا بوضوح ما كان عليه الشعب العراقي و ما توارثه من تاريخه دون تغيير فجائي الا انه تقدم نحو الامام في تقبل المتغير المفيد بشكل بطيء و سلس، و ما فترة الملكية الا دليل على ما تمتع به الشعب العراقي من النزاهة و الاصالة و ما حمل من السمات الايجابية و ما يمكن ان نمسيه الخير في معدنه .
كما هو المعروف عندنا جميعا بان التغيير يكون من قبل النخبة و تتاثر به النخبة عموما تدريجيا الى ان يعم على الجميع، فان الجمع الغفير من الجماهير الذي يتاثر دائما عاطفيا بما هو الموجود لا يمكن ان يقفزوا بسرعة من حالة الى اخرى، الا اذا فرضت عليهم الامور عنوة و اجبروا، الى ان تثبت المتغيرات نفسها بمرور الزمن كما تاثر الشعب العراقي بضغوطات و مفروضات النظام السابق بشكل كبير، و نحتاج لمدة من اجل قلع بعضها من كيان الفرد الذي ورث منها غير قليل .
بعد السقوط لم يشهد العراق مرحلة طبيعية بل تخلل التغيير مجموعة كبيرة من الاخطاء الجوهرية و فرضت عليه ارادات غير نابعة من صميم المجتمع و تاريخه و افكاره، لذا كان و لايزال تظهر شكلية و مظهرية هذه التغييرات و منها رد فعل للكبت الذي مورس عليه، و يمكن ان ندعي بانها لم تتعمق في كيانه، انه شعب محب للحياة كما يدلنا التاريخ عليه، انه مجتهد و دائم الحركة و يحمل صفات لا يمكن ايجادها في شعوب اخرى بسهولة، اي ذات صفات ايجابية خاصة قابلة للتوجه الايجابي و التغيير نحو الافضل، و لكن يجب ان نقول فيه تناقض بانه لين الارادة احيانا و خاضع لما يفرض عليه بقوة كما نشهده في ثنايا الغزوات المتعددة التي تعرض لها في تاريخه و تقبل المستوردات الكثيرة، و في المقابل انه لا يمكن ان يتحمل ما يعيق حركته الى الابد فانه انتفض كثيرا و ثار و غير من حاله بالقوة كانت ام بخطوات باحثة عن المتغيرات المطلوبة .
اليوم بعدما تحمل الشعب العراقي ما لم يتحمله منقبل من صعوبة العوامل السلبية التي اثرت على حياته بشكل غير مقبول من كافة النواحي و شهد من الغبن و الاجحاف لا مثيل له في تاريخه من اللاعدالة و الظلم والفساد، و يمكن ان ندعي بانه عامل مباشر ايجابي من اجل ان يختصر المدة و المرحلة التي يمكن ان يحاول ان يعبر الى الضفة الاخرى من خلال التغيير السياسي المباشر ان لم يتدخل الاخرون الذين لهم مصالح متنوعة فيه من اجل مستقبل شعوبهم على حساب هذا الشعب كما يحصل لحد اليوم . انه بداية انتفاضة كبيرة بعدما قطع الخوف و الشك في نجاح خطواته، و من خلال هذين الاسبوعين استهل ما ينوي بخطوات جميلة يشهد لها الجميع و اثبت بانه قادر على التغيير باقل التضحيات، و لنشهد المستقبل القريب، نعم العراق يتغير نحو الافضل و بسواعد الشعب نفسه.[1]