لا يمكن ان يستمر العراق على هذه الحال
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4795 - #03-05-2015# - 15:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
مارك ثورنبيري هج الراي العام العراقي و وسع الهوة بين من كان يشعر بالغبن و هو ينتظرالوقت و الفرصة ليعلن عن اهدافه، و من يخبيء راسه في الرمل و ينتظر رضا الاخرين و عدم اعتراضهم عن سلطته و نفوذه، و من يحسب الزمن و ينتظر فرصة ليقتنصها في تحقيق حلمه، فان كان السيد ثورنبيري مجتهدا من قرارة نفسه دون اهتمامات الدولة، و هذا بعيد جدا في دولة الولايات المتحدة المؤسساتية التي لا يمكن ان يصدر شيء حتى بسيط جدا الا بعد ان يتاكد المعنيين من طبخته و جودته و جهوزيته للتنفيذ و الاستهلاك .
فان لم يشعر احد بالمواطنة الحقيقية و يحس بالاغتراب طوال حياته و يحس الاخر بما سلب منه و لم يعد اليه في الوقت الذي يتصرف الاخر و كانه وجد ضالته في الفرصة التي سنحت له بعد تاريخ طويل من احساسه الداخلي و اقتناعه بانه مسروق من اللصوص الاقليمية في وضح النهار، و استقرت الحال على سلبهم و نهبهم و حكرهم للسلطة اكثر من ثمانين سنة بالتمام والكمال دون وجه حق، و اخيرا يحس بانه عثر على ما فقده طويلا و له ان يتصرف به . بهذه الاحساسات و النظرات المختلفة جذريا من قبل المكونات الى العراق في هذه المرحلة، و لم يهدا هذا البلد على امر منذ الفوضى التي استعرت شدتها بعد مجيء داعش، فان واقع العراق لازال ينتظر تغييرا جذريا حقيقيا و واقعيا بعيدا عن الشعارات و المثاليات في الكلام و الخيال و النظرة اليوتوبية الى المستقبل . فان العراق ثلاث مكونات رئيسية مختلفة الشكل و التركيب والطعم و الرائحة و لا يمكن مزجهم بسهولة في بودقة واحدة باقتناع و رضا الاطراف كافة بهذه الثقافات و الوعي و ما يمتلكون من الخلفيات العقيدية و الايديولوجية و ما اتكتسبوه من الموروثات التارخية . ربما يدعي البعض ان الوطنية موجودة ووهذا ليس باقتانع و انما تزايدا لمصالح و اسباب ذاتية غير حقيقية و بعيدة عن الصراحة، و كما يدعيه السياسيون اليوم و الذين يتكلمون علنا ما يهدفون اليه سياسيا و ينطقون الحقيقة احيانا في الخفاء ان احسوا بهدوء و ثقة بالمكان الذي يتكلمون فيه، و هكذا ينطبق هذا على المثقفين و الصحفيين و المهتمين بشؤون العراق العامة، يخدعون انفسهم و يريدون اني ضللوا به العالم، يبعدون عن الحقيقة الموجودة امام الاعين و هم يتجنبونها لعوامل ذاتية و مصالح مختلفة .
ان كنا نتكلم بشعارات و امنيات و عواطف و ما يمكن ان نتوقعه في خيالنا و و في اللاوعي احيانا فهذا ممكن، الا ان من اصر على زج المكونات المختلفة في دولة غير متجانسة في وقته كان يعلم بما يحدث و ما يفرز منه و ان لم يخطط لما بعده فانه اصطدم بواقع لعله يستغله اليوم لتصحيح خطاه و اعادة الامور الى نصابه و ما ينوي الاستغفار و في النهاية الاستفادة منه على المدى البعيد ايضا .
ايها الطوباويون انظروا الى ما حولكم و ما تلقون من المواقف، ايها اليساريون تعاملوا مع الواقع و سترون ما تؤمن به المكونات المختلفة و ما يعتقدونه و لا يمكن ان يصح اي امر او يتحقق بدونالاعتماد على الحقيقة . فهل تجدون من يومن بالعراق الواحد الموحد الا من يستاثر بالسلطة اليوم ام كان على رساها من قبل اوما ياتي فيما بعد . فهل يمكن فرض اي امر الى النهاية دون اقتناع المكونات كافة ذاتيا بما موجود، و هل يؤمن جميع ابناء المجتمع بالسلطة السياسية المركزية مهما كان نوعها او طبيعتها او النظام المامول اعتماده دون النظر اولا الى ما يهم المكون قبل الوطن .
العراق اليوم سائر على سكة اللااستقرار المستمر منذ مدة ليست بقليلة و لا يمكن تصحيح المسار فوقيا اي من قبل المرشد دون الاخذ براي و موقف من فيه .
يتشدق البعض بافكار مثالية فوقية بعيدة عن حياة الناس و الواقع المعاش الموجود حاليا و الحال التي نمر بها، و يتكلم كماهو الطائر بجناحين و هو سائر في الفضاء و لا يعلم انه موجود في البحر الهائج المتلاطم التي يمكن ان تغرقه في لحظتها، ولا هو يعيش في واقع و مجتمع معروف عنه بانه يحمل الافكار و النظرات الانسانية في طيات تفكيره، و لا هو معلوم عنه بالالتزام بفكر ما يمكن ان يعمل على المساواة و تكافؤ الفرص، و كل ما يمر به العراق هو وليدة فكر الساعة و تسير السياسات بتكتيك آني اكثر من اي استراتيجية، و الكل بعيدون عن الخطط و البرامج و ماسسة الدولة التي يمكن ان يتامل احد ان تعيش فيها الناس بانسجام الى حد ما .
منذ انبثاق الدولة العراقية و لحد اليوم الا في بعض المراحل القصيرة الامد، فان العراق لم يتقدم و لم يستقر على حال يمكن ان يتوقع منها ان الدولة وقفت على اركانها و انها قادرة على تجسيد المواطنة لشعبها، فلم يمر وقت الا و انها تخضبت بدماء ابناءها من جراء الصراع الدموي الداخلي و الخارجي و الضحية هي ابناء الشعب ذاتهم، و كانت الغاية هي السلطة و المصلحة الذاتية و اخيرا الوطن الذي يستوجب التضحية في اكثر الاحيان ضد العدو الخارجي الا ان الوطن لا يساوي قطرة دم واحدة من ابناء الشعب من اجل امر داخلي فقط، فان كان بالامكان ان تُبنى اوطان و اقاليم متجاورة متجانسة و متعاونة و بعيدة عن الخلافات و التحديات والصراعات و الفوضى و به يمكن ان يوفر عامل الاستقرار و السلام و الابتعاد عن الاحترابات، فما الضير منه. اليس الانسان هو الغاية، فلماذا يمكن ان يتحول الانسان الى وسيلة و حتى رخيصة من اجل اي شيء، وان كان حتى اقدس شيء و ليس الوطن فقط ؟
لقد خلق الانسان العراقي بمكوناته الثلاث اجتماعيا على الاساس هذا، اي هناك انتماءات صغيرة داخلية اهم و اقدس عنده عن الانتماء الكبير للوطن، فهل شاهدت يوما من يقف مع الاخر من جيرانه ضد اخيه و ان كان اخوه على الخطا و الباطل، و هل وجدنا من كان ضد ابناء عشيرته و ان كانت غارقة في الخطا و التعدي و الضلالة، و هل وجدنا من يقف مع مذهب الاخر على حساب مذهبه و ان اقتنع داخليا بان الاخر على حق، و الى جانب كل ذلك فهل من وقف مع العرق الاخر في اي امر كان و هو يحس باختلافه بقرارة نفه بمجرد اختلاف اللغة . انها الثقافة التي تتبناه العائلة و التي ورثتها بدورها تاريخيا و تتربى بها الاجيال و لا يمكن ان يعتقد اي منا باننا يمكن ان تتغير الامور بعد ان تتشتت العائلة و نبتعد عن تلك الخصائص و السمات في الحياة، و ان نعتقد يمكن ان تنبثق ثقافات اجتماعية مختلفة يمكن ان تُعتمد عليها، و تكون مساعدة على التجانس الاجتماعي و الاساس القوي لبناء دولة موحدة من المكونات المختلفة، لم يحصل هذا الا بعد الاضرار الكبيرة التي يمكن ان تلحق بالجميع و لمدة طويلة جدا اكثر من ضرر الانقسام او الاقلمة، و من ثم بالامكان الاتحاد و التوحيد ضمن كيان واحد بالتراضي و التقاء المصالح و ما يفرضه التعايش و ضرورات الحياة . و هذا يحتاج الى وقت اقل من وقت اللازم لبدء اانتهاء الصراعات و القتال و التحديات . انها الحالة الاجتماعية هي العائق الاكبر امام بناء الدولة و ليس الوضع السياسي و الاقتصادي فقط، و هذه العوامل الاساسية التي تفرض الفوضى و التشتت و لا يمكن حلها الا بارتضاء الذات و بقناعة كاملة و ليس بقوة غاشمة كما يحصل لحد اليوم.[1]