كيف تتدخل امريكا في العالم من خلال التنمية البشرية ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4785 - #23-04-2015# - 14:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، و بعد صعود نفوذ امريكا و بروز اهميتها العالمية، و هي تحاول ان تتدخل في شؤون العالم بما يفيدها، و تصر على ان تكون القوة الوحيدة التي تسيطر على العالم بما تمتلكه من المقومات لحد هذه الساعة . وسواء كان للتضليل او للمصلحة المتبادلة انها تدعي بان بناء العالم هو مسؤليتها كما تعتبر نفسها القوة العظمى الاوحد لتحقيق ما يفيد الناس بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و انفرادها في المهام التي بذلت كل الجهود من اجل ازاحة منافستها و تمكنت منها باي شكل كان .
تعتبر امريكا البناء بجيمع اشكالها هو مسالة حاسمة لتبعية الشعوب لها بشرط ان تكون تنميتها وفق شروط فكرية فلسفية خاصة بها و تكون مبنية على المبادي و الاسس الراسمالية كاهم المعايير لتنمية اي شعب يهمها، و هي لم تدخر جهدا في السيطرة السياسية على اي بلد تريد ان تتدخل فيه من منفذ التنمية البشرية و بناء الشعب المقصود على اسسها و معاييرها الخاصة .
قبل انهيار الاتحاد السوفيتي كان لامريكا الدور الرئيسي في اعادة بناء المانيا الغربية و اليابان عبر عملية طويلة عريضة استخدمت فيها المساعدات الامريكية كاساس لكيفية بناء هاتين الدولتين و تدخلت فيهما بشكل مباشر، و كانت الظروف الخاصة التي مرتا بها من بعد سقوطهما في الحرب فرضت تقبلهما لما تمليه امريكا عليهما، و استفادتا من تلك المساعدات حقا من جوانب متعددة الا انهما فدقتا استقلاليتهما و سيادتهما لفترة طويلة و اصبحتا تحت رحمة امريكا لمدة ليست بقليلة .
اعتبرت امريكا معدل الدخل الوطني معيار نموذجي لقياس مدى التنمية البشرية و مرحلة البنيان التي قصدتها في كلتا البلدين، كما اعادت التجربة في دول و مواقع اخرى في العالم و خاصة اثناء الحرب الباردة و هي مستمرة لحد الان .
اعتبرت امريكا الديموقراطية و الانتخابات العامة و معدل دخل الفرد مقياس لمستوى تقدم البلد، و لم تقصر في تدخلها عن طريق التحولات السياسية التي اجريت في دول عدة من خلال المؤثرات الاقتصادية من جهة و الضغوطات السياسية وحتى العسكرية من جهة اخرى، و ضغطت كثيرا على حكر السياسة و الفكر في تلك البلدان على الاسس الراسمالية و الالتزام بالثقافة و الاقتصاد الغربي و ما اعتبرته الاقتصاديات المتقدمة وفقا للمباديء الراسمالية التي تؤمن بها .
و كانت غافلة عن ان جذور الديموقراطية لا يمكن ان تمتد في الحالات التي تفتقر لارضية مناسبة لتطبيق الديموقراطية كوسيلة او يعتبرها البعض الفكر و منهم الليبراليين في العملية السياسية في اي بلد. و لكن غفلوا ايضا ان البناء الاقتصادي و التحولات السياسية مرادفان و لا يمكن فصلهما ، غير ان امريكا كانت تهدف الى تحقيق ما تريد دون تكليف او صرف امكانية مطلوبة لتحقيق اهدافها. و انها فرضت الكثير من الافعال و الاعمال المكلفة على المتحالفين معها من الدول الميسورة و خضعوا لها نتيجة المصالح المشتركة و ان ساعدت هي هنا و هناك ما فرضت عليها مجبرا ان تعطي احيانا . ما اهدفته من الديموقراطية هو امكانية السيطرة عليها بداية و ان كانت الدولة المقصودة هشة سياسيا و غير مستقرة او لم تصل للرخاء الاقتصادي او تسير في تعرجات و خانقة في ازمات متعددة. انها اعتقدت من جانب اخر بان التجانس ليس بشرط لتطبيق الديموقراطية ، لا بل اعتبرت ان الديموقراطية هي الجامعة للاختلافات و فارضة للتوحد و التوجه الذي كانت تقصده، و لكن هذا ما بان فشله في العديد من الدول المتعددة المكونات و غير المنسجمة، و اثبت الواقع ان التجانس هي اهم صفة مساعدة في تطبيق الديموقراطية و مبادئها .
وجدت امريكا او ابتدعت حجج عديدة في كثير من الدول من اجل تدخلها فيهم للهدف الخاص هذا، اي ايجاد و تطبيق نظام سياسي موالي فكرا و فلسفة مستندا على الديموقراطية كاهم وسيلة لديمومة تبعيتها و التشجيع على الالتزام بها على حساب ما يفيد الانسانية معيشة و المباديء الاساسية للانسانية فكرا و فلسفة في كثير من المواقع، و بانت مدى اصرار امريكا على مصالحها الخاصة و الضغط على تحقيق ما تريد من خلال شروط ما ابتدعتها من خلال البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و شروط الديون و الخضوع لما تفرض على الدول المتعاملة معها من الالتزامات الاقتصادية و السياسية. نجد انها وصلت الحال لتفرض حروبا بحجج واهية و ان فشلت في كثير منها، و تاكدت من خلال حروبها بانه كلما كانت النصر العسكري اسرع و اقل دموية و اقل كلفة عليه يصبح ايجاد الاستقرار في فترة مابعد الحرب اكثر صعوبة و يكلفها اكثر من ان تكون الحروب طويلة الامد، و هذاما يءدي الى ان يكون مصير الدولة المعنية غير معلوم من كافة النواحي و بالاخص ما تريده امريكا اقتصاديا و سياسيا .
اليوم نجد نشاطات امريكا المتعددة و من خلال المنظمات المدنية التابعة اصلا لها كفكر و هدف بعد ايجاد فرصة لتواجدها و ان كانت بعد حروب و دمار، فاصبحت في حيرة من امرها، لذا؛ تحاول ان تطبق ما تريده من خلال التنمية البشرية المبنية على اسس راسمالية غربية بعدما وجدت نفسها بعيدة عن تطبيق ما تؤمن من خلال الضغوطات المتعددة و دخولها الحرب في العديد من الدول في انحاء العالم، و اهم ما تهدف هو تجسيد الراسمالية و فرضها باي شكل كان على العالم، و بالتالي انها تعتقد هذا ما يفرض سيطرتها كقطب اوحد في العالم دون منازع، فهل تنجح؟
ان المعدلات الطبيعية للتطور البشري و الانتقال من المراحل لاخرى و التي اثبتت علميا منذ بداء الخليقة، تدلنا على ان التطور مستمر و لن يتوقف في مرحلة وسطية كما تدعي امريكا و تدعي حال الراسمالية هي النهاية، الا ان هذه هي التي تتبعه مراحل متسلسلة لتنتقل الى مراحل تتصف و تحوي مقومات اكثر ملائمة للانسانية و الفكر التقدمي و ما يقع لخير البشرية، و ان امتدت امريكا و وضعت يدها على العالم لمرحلة معينة بما تعمل من منافذ متعددة، فانها مرحلة انتقالية لا يمكن ان تقف امام انتقالها الى ما بعدها مهما حاولت و اجتهدت اقتصاديا او ثقافيا، و لم نصل الى نهاية التاريخ مادامت الانسانية و ما يهم البشرية و مصالحها فوق اي اعتبار اخر، و هذا ما تصل اليه الشعوب في المرحلة المقبلة و تصبح الراسمالية من التاريخ.[1]