اردوغان بين نارين
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4784 - #22-04-2015# - 13:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد اردوغان كما عاهد مواليه بانه يوصل تركيا الى شاطيء الامان، وهو يعيش حائرا بين حل القضايا الشائكة الداخلية التي تعاني منه تركيا منذ عهود و التجانس المفروض بقوة العسكر بين المكونات التركية، الذي ليس الا جذوة خافتة تحت الهشيم و تحتاج لنسمة لتشتد اوارها، كما هي حال ايران و العراق ما قبل سقوط الدكتاتورية، و بين كيفية حصوله على الاكثرية لتغيير الدستور الذي غامر من اجله مسبقا .
هناك رقت واسع بين السلطة التركية المدنية و العسكر، لم يعد بقدرة اردوغان في هذه المرحلة ان يمد يدها اليهم نتيجة الانتخابات و الاصوات التي يمكن ان يخسرها حزبه، و يواجه خطر عدم الحصول على الاصوات التي يمكن ان تخوله بسهوله لاعادة امجاد السلطنة من خلال النظام الرئاسي و تعديل الدستور وفق ما يتطلبه .
القضية الكوردية من اعقد ما يواجهه اردوغان نتيجة المواقف المختلفة التي حدثت ازائها و فرضت التقلبات التي تحدث في مواقفه ازائها بشكل واضح مما تؤثر بدورها على مصداقيته و ابتعاد الشرائح و المكونات العديدة منه يوما بعد اخر، اضافة الى ما يلاقيه من المعارضين من القوميين المتعصبين و الخاسرين من خفوت العلمانية و القوى العسكرية . ليس بمقدور اردوغان او النظام التركي بشكل عام ان يغطي القضية الكوردية دون جهد و لن يستطيع ان يعيد الكرة و ليس بمكان ان يقف وسط الطريق دون مسير او رجعة . نتيجة العوامل الداخلية و الخارجية التي ساهمت على بروز القضية عالميا و ما تاثرت به تركيا نتيجة ما يحدث في سوريا و اقليم كوردستان العراق منذ سقوط الدكتاتورية العراقية، و تزايد ثقل الكورد و بروز قضيتهم التي هُمشت طوال العقود الطويلة . يحاول حزب العادالة و التنمية التريث او تاجيل ما بداه من التعامل مع القضية الكوردية وفق ما استفاد منه طوال السنين السابقة كحزب او كسلطة و النظام الذي لازال في طور لم يحسم امره قاطعا حول وجهته الاستراتيجية، رغم محاولات اردوغان اعادة هيبة السلطنة العثمانية في تركيا و الاقليم لمصالح حزبية وشخصية قبل البلد بذاتها .
يحاول اوجلان جاهدا عدم تداعي عملية السلام الهشة و هو يعتقد بان الديموقراطية و عملية سلام مهما طالت ستنجز اكثر مما تفرضه الحرب، و ستثمر باسهل طريقة دون ضحايا، و هو يتكلم من خلفية اانسانية كما يلمسها العالم من خلال تربية افراد الحزب العمال الكوردستاني بتوجيهاته و فلسفته و ما يوضحوه من التربية المثالية و العصامية باخلاقهم و سلوكهم مع الناس و الاحياء و البيئة كما تعهدوا و تربوا عليه في حزبهم الذي يحمل السلاح بيد و الزهرة باخرى .
الان و تعيش تركيا في جو الانتخابات المصيرية الحاسمة في تاريخها، نتيجة دخول حزب الشعب الديموقراطي كحزب في الانتخابات لاول مرة و يحاول اجتياز النسبة المقررة لدخول اي حزب الى البرلمان، و محاولة اردوغان كسب اصوات الكورد و المكونات الاخرى الى جانبه ليجتاز النسبة التي يحتاجها لتغيير الدستور وفق ما يهدفه، الا انه من المنتظر ان يفقد حزب العدالة وا لتنمية بعض من الاصوات السابقة المترددة من الليبراليين وا ليساريين لصالح حزب الشعب الديموقراطي لايمانهم بانه اقرب الى تحقيق اهدافهم اكثر من مَن يريد اعادة امجاد السلطنة باسس اسلامية بعيدة عن العلمانية و الحرية و الديموقراطية . لذا، لا يمكن الا ان نحتسب للمفاجئات في الانتخابات المقبلة بسبب ما اتخذه اردوغان من الخطوات و تراجع عنها، و تعامل تكتيكيا مع القضايا المصيرية، ونعتقد ان ينتقم منه الشعب من خلال صناديق الاقتراع، و رغم ضغوطه على مراكز البحوث و الاستفتاءات لمنع ابراز النتائج التي تزيد من القلق في اذهان قياداته، الا النتائج القريبة من الحقيقة و التي تعلنها المراكز المستقلة ليست لصالح حزب اردوغان، و ان ابتعد اردوغان عنالحزب مرغما وفق بنود الدستور التي تفرض ان يكون الرئيس مستقلا و بصلاحيات تشريفية بعض الشيء الا ان هدفه الوحيد الذي لا يمكن ان ينجح في تحقيق ما ينوي الا من خلاله هو حصول حزبه على الاصوات المطلوبة . و لم يدخل اردوغان الصراع على كرسي الرئاسة ليتحول من رئيس وزراء واسع الصلاحية الى رئيس محددة الصلاحية الا ليحصل على الاصوات التي تخول حزبه على تعديل البنود بصلاحيات الرئيس، و هذا ما يعلمه القوى الليبرالية والعلمانية وبعض من العسكر ايضا، و هم يحاولون بقصارى جهدم عدم تحقيق هذا الهدف، و هذا يقع لصالح حزب الشعب الديموقراطي الذي يكون الحزب الاقرب لمنع حصول ذلك وفق كل التوجهات و التوقعات الموجودة .
و عليه، نجد خلال هذه الفترة و من خلال الترويجات الانتخابية و العديد من الحركات التي تريد ان تضلل الراي العام و تغطي العيون المبصرة لما يجري من خلال التاجيج مع الكورد او الضغوط على اليساريين و افتعال ما يمهد الى الفات النظر عن كل ما يمكن ان يؤثر على حزب العدالة وا لتنمية في العملية الحاسمة في تاريخه التي دخلها مغامرا و اعتبره حدا فاصلا لاخراج تركيا من الواقع و الحالة التي فرضت عليها الانتظار طويلا لدخول الاتحاد الاوربي وياست منه و لم يحصل .
بعد صعود ثقل و نفوذ الكورد نتيجة ما يحصل اقليميا، يريد اردوغان ان يقضم ما يتمكن منهم بتكتيكات و حركات يمكن ان يستفيد منها على صعد عدة، منها تقوية موقفه بالتنصل من عملية السلام التي بداها مؤقتا وتاجيل ما يفرضه الواقع الحزبي و الحكومي لما بعد الانتخابات المقبلة، و لكن لا يمكنه ذلك بعد ان خرجت القضية من القمقم، و تقوى البعبع الذي لف حول عنقه، نتيجة تواصل القوى الكوردية عالميا مما فرض حصانة كبيرة حولهم و قوى من مكانتهم . و كوباني خير ما افاد الكورد في كوردستان الكبرى في الدول التي انقسم عليهم وتركيا قبل الجميع، و هذا ما يفرض ان يفكر اردوغان و حزبه الف مرة قبل ان يتخذ اية خطوة تجاههم، و المواقف التي يبرزها ليس الا تكتيكات ما قبل الانتخابات . و الواقع يفرض نفسه عليه كي يتواصل في التفاوض لحل القضية الكوردية مهما تنصل منها . و عليه، يمكن ان نقول ان اردوغان في هذه المرحلة حائر و معلق بين نيران عديدة لابد ان يفكر جديا و بعقلانية كي يخرج مما هو فيه باقل الخسائر.[1]