هل فوضى فكرية حقا ام غياب دولة في العراق ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4783 - #21-04-2015# - 14:03
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مثلما لم يوضح الدستور العراقي فلسفة الحكم في العراق و حدثت التوافق و المساومة على اهم اسس لبناء الدولة و هو فلسفة الحكم و القاعدة الفكرية التي من الواجب الاستناد عليه و اتخاذ الوسطية بين الاسلام السياسي و العلمانية، فبنوده الحاسمة جاءت لارسترضاء الجميع بعد التوافق و المساومة بين الدين كمصدر للتشريع او يجب ان لا يتعارض الحكم مع ثوابت الاسلام من جهة وان لا يخالف المباديء الاساسية للديموقراطية من جهة اخرى . كل ذلك ودع العراق بين ايدي الاقوى، بحيث يمكنه ان يسيٌر البلد وفق خلفيته و نظرته الى الحياة والفكر وا لعقيدة التي يحملها و من خلفه، اي ليس بشرط ان يكون لوحده، و يمكنه ان يستند على جزء من الدستور و يهمل الاخر او بالعكس، فيمكن ان تكون الجهة التي ينتمي هو الدافع لما يؤمن، كما نرى منذ تطبيق الدستور و انتشار الفوضى و انعدام شيء يمكن ان نقول انه الدولة بمعنى الكلمة من حيث البنية الفوقية و التحتية، اي للحاكم الحرية دون اي قيود دستورية في تطبيق ما يريد و يجد ما يدعمه في الدستور بمجرد تجزءة بنوده و اعتماده على ما يريد منه .
لا يمكن ان نلمس الان فلسفة الحكم و النظام القائم على خطوات ديموقراطية فارغة المحتوى، نتيجة التحايل عليها بكل الطرق من التزيف و التضليل و استقواء الاقوى و استاثارها و عدم تكافؤ الفرص و سيطرة التوجيهات الخارجية و ضمان مصالحهم على مسيرة الحكم، دون ان تكون هناك افاق للخروج من عتمة السلطة قريباان لم نكن متفائلين بما يجب .
القفزة الطويلة التي حدثت بعد خلع الدكتاتور من جميع النواحي، بحيث لم يصدٌق اي فرد عراقي ان تُزاح الغمة على صدره و يرى الحرية بهذه السهولة، فاصيب بالصرع الفكري و لم يتعافى منه بعد، و حدثت لها لقفز و الطفرة شرخا فكريا و عقيديا في عقليته .
انها انشغال بالاهم و ما يفرضه الواقع، ام لم يعد هناك من يهتم بالفكر بعدما اصابه الهلع من المستقبل، لا بل رسم الخوف و الشك على وجهه و عقله من حياة اليوم و فقدان ضروراته الملحة عليه . هل يمكن بحث الفكر و ما يمكن اتباعه لخير الشعب و الدولة تعيش حالة من الحرب و الفوضى الدائمة ام تفرض المستوجبات الواقعية من التعامل الاداري و الحكومي مع الواقع فكرا معينا، و حدوث حالة من الباس الذي يولد التخلف دائما .
انه العراق، دولة لم تعد دائمة الالتزام بالمسيرة المستقيمة، لخضوعها في مراحل متعددة من تاريخه لاتقلابات ضخمة فيه من النواحي العديدة و منها الفكرية . فالليبرالية و نوع من الديموقراطية النخبوية ايام الملكية، و من ثم ما عرٌفت بالاشتراكية السلطوية في زمن ابيدت فيه اليسارية الحقيقية و التي كانت جماهيريتها في اوجها، اليوم اختلط الحابل بالنابل، نخبة ليبرالية و اخرى اسلامية و اخرى يسارية و لم تعد الحال واضحة و لا يمكن ان تُقيٌم وفق المقاييس الطبيعية لبيان متن الفكر المعتمد و الفلسفة التي تسير عليه السلطة او المراكز المؤثرة و المتاثرة بالشعب .
ان المواطنة لم نعد نسمع عنها او نلمس منها الا في خطب و ووعاظ السلطات و المسؤلين في اوقات الحاجة و الترويج الانتخابي، حرية الكلام دون الاستماع متوفرة و مضمونة للجميع و لكن بخطوط حمر مرسومة باوامر المقدسات . الاقتصاد ليس له تعريف او هوية بحيث يمكن ان نصنفه ضمن الاطر الراسمالية ام الاشتراكية او الاسلامية، لاختلاط الواقع بالفوقية التي تفرض نفسها داخليا و خارجيا و خاصة من شروط صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و الخصخصة التي فرضت ليست بمكانها المطلوب كما تريدها الاوساط الخارجية و هي تريد المزيد للتنقل من الحال الموروث من السلطات السابقة الى الواقع مابعد الدكتاتورية و ما تريده الراسمالية العالمية، اي واقع اقتصادي محصور بين متطلبات الشعب و معيشته و متطلبات القوى العالمية و شروطها و هو مريض و مختل و لا يمكن تصفيته و ميلانه الى جهة واحدة .
الثقافة و الوعي العام متاثر بالمجريات اليومية من الظروف الداخلية العراقية التي امتدت فيها الحروب و تاثيراتها المختلفة على فكر و عقلية الانسان اينما اندلعت . اضافة الى ما موجود اصلا من الموروثات التاريخية التي ترسخت في عقلية الفرد و المجتمع الشرقي و منه العراقي، و هو ليس بخارج عن القاعدة المتجسدة في الشرق الاوسط بشكل خاص .
ان ما نلمسه اليوم حقا هو انعزال المسؤل فكرا و عقلا و طبيعة و معيشة عن الشعب في العراق ، لاسباب عديدة و منها، ماجاء به البعض منهم هوحدوث التغييرات الجذرية في فكره و كيانه دون معايشته للمجتمع داخل العراق اي تزحلقه بين الواقع الذي عاشه بعيدا عن الموجود في العراق و بين اصالة الفكر المترسخ في عقليته و ما عبر به بسلوكه . و التنقل بين فلسفة و اخرى و ظروف و اخرى و مجتمع و اخر و من ثم الدخول مع المحرر الخارجي الذي له الفضل في تحقيق اهدافه، اي؛ خضوعه لفكر الاعتلاء عن الاخر الذي عاش في الداخل و كانه اخذ دور البطل و بين ما يعانيه من فضل الاخر عليه لخلاصه من الدكتاتورية . و من ثم ما يعانيه من المعيشة المتناقضة بين التطور و افكاره السلفية و ما يفرض عليه الخضوع لاوامر ربما لا يؤمن بها في قرارة نفسه لا بل تطبق على انفساه، و هو يعيش بين ما حصله من المغانم الكبرى بمغارم الاخر .
لم تعد نخبة متوحدة بل توزعت على الاحزاب و الكيانات المختلفة المتخلفة السلفية و الوسطية و بين الانعزال و الانعطاف و مراقبة الواقع دون اي تحرك . و هذا ما فرغ الساحة لكل من هب و دب في فرض الخلفية التي يحمله على الاخرين دون وجه حق .
لم نعد نرى تاثير الافكار تفعل فعلتها التي اعتدنا عليها سابقا ولم نر من يحملون الفلسفة الواضحة و لم نسمع ايا من يجهر بما يحمل من الافكار والعقائد وا لفلسفات الا من يعتقد ان هناك من يدافع عنه عند الضيق، فهل سمعنا من يدعي الماركسية اليوم و يصرخ باعلى صوته كما كان ليوضح وجهة نظره دون خوف. هل سمعنا يوما من ينتقد بعظمة لسانه جليا تصرفات او سلوك خارج الواقع و ان كان متخلفا من كافة الجوانب . لم نعد نلمس الجراة في اتخاذ الخطوات التي تفرضه عصر السرعة و التقدم التكنولوجي و الاتصالات المسيطرة على حياة الناس .
لذا الفكر و الفلسفة التي نحتك بها دون ان تكون نابعة من لب الواقع العراقي ليس الامبنية على مقومات و اجزاء و اقسام خارجية و بتجميع داخلي.[1]