منطقة الشرق الاوسط ما بعد لوزان و كامب ديفيد الجديدتين
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4769 - #06-04-2015# - 18:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لو ادمجنا الاتفاقيتين لوزان مع كامب ديفيد الاولى، سنستنتج مجموعة من التطبيقات على الارض اكثر تاثيرا على التغييرات التي حدثت في تاريخ المنطقة الحديث، اي خلال قرن من الزمن و ما بعد الاستعمار و الانتدابات التي حدثت في المنطقة المشتعلة في اكثر الاحيان خلال العقود الماضية .
بعد واقعة جالديران و توزيع المهام و المنافذ و الساحة بين الامبراطوريتين الصفوية و العثمانية، و تغيير المنطقة لحين مجيء مرحلة الاستعمار بعد الحربين العالميتين، لحين ثورات التحرر و تغيير السلطات في منطقة الشرق الاوسط، كانت هناك دائما صراعات مختلفة الاوجه، و لكن تحولت هذه الصراعات و فق تغيير المعادلات دائما من الصراع القومي في اشده الى الديني في اكثر شدته و من ثم المذهبي في اعلى درجات الخط البياني لشدة الصراعت في المنطقة في الوقت الحاضر، و منذ افول اضواء و سيطرة الامبراطورية العثمانية في المنطقة .
لقد جرت اتفاقية لوزان 1923و اعيدت رسم المنطقة بعد مرحلة الاستعمار البريطاني و الفرنسي (في هذه المنطقة بالذات) و الايطالي و الاسباني و الفرنسي فيما بعد في افريقيا . لم تدع بريطانيا مكانا و ابقتها على ظروف تنفلق منها الخلافات و تبرز منها ما لا يدع اي طرف ان يتفق مع الاخر دون مساعدة بريطانيا مهما طال الزمن بها . فتوزيع الاراضي و بناء الحدود بين الدول التي تبنتها بريطانيا لم يكن وفق الحقوق الخاصة بالاطراف، و ليس وفق القانون العادل الذي كان يمكن للجميع ان يرضى به و يفرض الامن والاستقرار في المنطقة الى الابد، الا ان التفصيل الخاص بما فرضت من الامور السياسية الجغرافية على المنطقة كانت وفق مصالح غربية و استرضاء الاقوياء و الاطراف الرئيسية التي شاركت في الاجتماعات وا لاتفاقيات على حساب الجهات المهملة و مستقبل اجيالهم، الذين يعانون لحد اليوم من ما يسموه بحظهم العاثر في الماضي و الحاضر، و يتاملون مستقبلا افضل لهم بامر الناصر. لم يكن راس المحور المذهبي السني لحد الامس القريب الا تركيا ما بعد العثمانية، و السعودية كانت منعزلة لحد كبير و ملمة بداخلها و حفاظها على الامكان المقدسة فيها و لم يعلو شانها لتصبح على راس المحور الا بعد التغييرات الجديدة في المنطقة منذ الامس القريب فقط، و هي تنافس تركيا في المحور المذهبي الخاص بهما، و تاثر الاختلاف القومي و اثر على شؤون كل منهما، الا ان ايران لازالت باقية تراس المذهب الشيعي من جهة و على راس القومية الفارسية الوريثة للامبراطورية الساسانية من جهة اخرى، اي انها ايران التي تراس المحورين من حيث المذهب و القومية مقابل راسين للمذهب السني الوريثين للامبراطورية العثمانية والاسلامية و بقوميتين مختلفتين العرب و الترك من جهة اخرى، و في المقابل لحد الامس القريب ، اي لحين الثورة الايرانية الاسلامية، كانت ايران هي الراس الحقيقي بين المحورين الشرقي و الغربي اي كانت هي حليفة لامريكا و شرطيتها مع تركيا و السعودية الابنتان المدللتان لامريكا و هم ابناء القطب الغربي دون وجود ابن القطب الشرقي الثابت . و به يمكن ان نقول بكل صراحة، ان ايران لوحدها كانت تراس المحاور بثلاث مضمونات قومية و مذهبية و قطبية موالية لغربية و معادية للشرقية التي رسمتها الحرب الباردة .
من خلال رسم المعادلة القديمة و ما تغير و استحدثت من الحال، يمكننا ان نقول بان لوزان قسمت الوليمة على اصحاب الشان الكبرى وفق مصالح عالمية نتيجة المتغيرات العليا في شؤون المنطقة في حينه .
سارت المنطقة وفق الصراعات و الخلافات لحين انهيار الاتحاد السوفيتي، و تغيرت امور هذه المنطقة و اهتمت بها امريكا قبل اي مكان اخر، لاهميتها الاستراتيجية و تفعالت معها و غيرت من ما استطاعت ان تغيرها بشكل مباشر استنادا على مخططاتها، و وجهت مواليها و مناصريها من الدول وفق ما تهم استراتيجيتها المستقبلية لحين ايصالها الى المرحلة الحالية . كل ما اهتمت به امريكا هو بقاء اسرائيل قوية صامدة امام الاخرين في المنطقة و سيرت المنطقة و صراعاتها لتبقي اسرائيل بعيدة عن الاضرار التي تؤثر على بنيتها و كيانها، اي تصارعت القوى في المنطقة استنادا على التوجهات القومية و الدينية المذهبية و بقت اسرائيل آمنة و هي تتابع ما تحدث دون ان توصل لها الشرارة بشكل قوي، و تغيرت الدول و حدثت انقلابات واستجدت فيها السلطة الفوقية و علقت امورهم و اوضاعهم بمشاكل داخلية مستعصية لم يتمكنوا من التفرغ للصراع مع اسرائيل يوما ما، و حتى في الحروب الاسرائيلية العربية، كانت هناك دوما اطراف الى جانب اسرائيل وفق ما تطلبت مصالحها القطرية الخاصة بها سرا، و لم تتمكن الدول العربية مجتمعة ان تقف صفا واحدا ضد اسرائيل يوما ما، و هذا هو الهدف الذي حققته اسرائيل طوال تاريخها منذ تاسيسها . و بعد نجاح اسرائيل في النفوذ من الثغرات العربية و احدثت ما بامكانها استغلالها لتامين حياة ابنائها، اوصلت الحال الى معاهدات سلام علنية اولا مع ام الدول العربية مصر، التي كانت بمثابة ضربة قاضية للفكر القومي العربي التي تشبثت به و تشدقت به اكثر من الدول العربية الاخرى، بمتعصبيها و معتدليها . فكانت كامب ديفيد بمثابة العصا السحرية لتفتيت الرؤية العربية التي كانت هذه الدول تنظر بها الى ما يتمخض عن الاتفاق وما تخرج منه مصر اذا ما اقدموا على مواجهة اسرائيل او الخضوع لها، و تغيرت كافة المعادلات و جاءت بعدها معاهدات و علاقات سرية اسرئيلية عربية، ففككت الحزام الرابط للدول العربية التي افتخروا لشدة و قوة ربطه قوميا .
اليوم بعد اتفاق لوزان ثاني بين ايران و دول الست الغربية، تعيد هذه الاتفاقية الى الاذهان لوزان الاولى و ما حدث فيها من توزيعات غير عادلة واعادة نظر لمؤتمرات و منها سيفر و هضمت بها حقوق الاقليات و منها الكورد، من اجل اعادة نصاب المنطقة الى حالها الطبيعية، و معاهدة سلام كامب ديفيد بين اسرائيل و مصر برعاية امريكية، ادعت تغييرات شاملة و اصابت الهدف بشكل دقيق لحد اليوم . و من ثم دعوة اوباما الى كامب ديفيد جديدة للاجتماع مع الدول العربية الخليجية اولا، ليس لدى رئيس اكبر دولة لهؤلاء المخنوعين الا ان يفرض ما فرضت لوزان ثانية و تجعل كامبد ديفيد ثانية ساندة و داعمة للوزان و كامب ديفيد اولى . انها بداية واضحة لتغيير المنطقة بشكل كبير و هذا ما يمكن ان نعتبره اعادة رسم المنطقة، ان لم تُعرقل ما تجري من المتغيرات و ما تفرضه مصالح دول اخرى لما تنويه امريكا وهدفها و ما يصل اليه مستقبل المنطقة و كيفية و طبيعة الصراع الذي يمكن ان يحل في المنطقة في المستقبل القريب .
انه مخطط استراتيجي تبينت من الافق ملامحه و ان سمي باسماء و عناوين مختلفة، الا انها اعادة رسم ما كان ثابتا الى الامس كي يحل محله صراع مختلف و تدخل في مساره دول و قوى مهضومة الحقوق و المركونين في الزوايا البعيدة في الماضي في هذه المرحلة، ليعاد الحق لاصحابه في المستقبل القريب . لان المصالح التي كانت الى جانب الدول الاستعمارية و مخطاطاتها منذ عقود لم تعد هي كما هي باقية الى جانبها بالشكل والتركيب و المضمون ذاته، اليوم .
ايران و تركيا و السعودية سيبقون لمرحلة معينة يتقاطعون بشكل ما بين انفسهم فيما بينهم و مصالحهم، و سوف تربطهم مصالح الغرب برابط قوي منسوج من مصالحهم الضيقة في هذه المنطقة بالذات، و هي الناتجة من صراعاتهم الكبيرة مع الدول العظمى و راس المعسكر الشرقي الذي رفع راسه من الرمل اخيرا، و اوضح نياته لحد كبير و ما ينويه اليوم هو ايضا يؤثر على حال المنطقة و ظروفها و هي روسيا رغم تعلق رجلها في الحدود الاوكراني القريب منها و الذي فعٌلته القوى الغربية كي تنشغل خارجيا بعدما ورطوها داخليا نتيجة الوضع الاقتصادي الماسآوي الذي فرضوه عليها دون ارادتها، و من خلال الصراعات و التنافس المتعددة الاوجه في المنطقة او العالم على حد سواء .
اذا، منطقة الشرق الاوسط حائرة و معلقة بين متطلبات مرحلتين و اتفاقيتين، وهما ما بين اتفاقيتي لوزان الاولى و الثانية و اتفاقيتي كامب ديفيد الجديدتان المنتظرتان، و رب تتغير الحال و ما هو المغير الا امريكا و هي لحد اليوم صاحبة الافكار و المتغيرات و الاحوال، بما تفعله و تفرضه من صراعات و حروب و اتفاقيات من صنع ايدي فتوات و خطط دول مسعورة نيتها تغير الحال الى ما بنت عليها الامآل.[1]