على الكورد ان يقفوا مع الامبراطورية الساسانية ام العثمانية ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4764 - #31-03-2015# - 17:17
المحور: القضية الكردية
على الرغم من عدم وجود هاتين الامبراطوريتين العثمانية و الساسانية على الارض واقعا او سلطة لحد هذه الساعة، الا ان التنظيرات و التفكير بهما و وفق استراتيجية العمل لهما كما مبان اعتمادا على اعادة الامجاد و المكانة لهما، لم تنقطع الفكرة عن عقول اصحابهما ولو للحظة واحدة منذ مدة ليست بقليلة و وفق مصالح الدولتين اللتين تعتبران نفسهما صاحبتي الامبراطورتين و وريثتيهما شكلا و مضمونا، و تعملان على التمدد في المنطقة وفق الاهداف المضمورة في عمق افكارهما و نظرتهما الى النفسهما و المنطقة بشكل عام .
فتركيا و ان لم تصرح جهارا بانها تعمل باستراتيجية عثمانية بعد ياسها من الاتحاد الاوربي، الا انها تنفذ خطط و برامج داخلية و خارجية لها، استنادا على ما تتطلبه مستلزمات الامبراطورية الجديدة و تنظم امورها و تسير في صراعاتها وفق ما تتطلبه شؤون الامبراطورية في هذا العصر. التغييرات التي تريده اردوغان في الشؤون القانونية و الدستورية و العملية السياسية في تركيا تُبنى اساسا على ما تريده الامبراطورية و السلطان باسماء و اشكال مختلفة و منها الجمهورية و التجديد و التلائم مع العصر و المصالح العامة، و هي تخطوا و تريد ان تستعمل تكتيكات معينة لازاحة عرقلات امام خطواتها اليومية . انها الدولة التي تؤمن في عمق نظرتها الى المنطقة بانها السلطنة العثمانية التي حكمتها اكثر من 500 عام دون منازع في المنطقة، و ان برزت اليوم دولة صاحبة الشان من حيث الفكر و العقيدة و تعتبر انها لها الحق في ان تقود عقيدتها بنفسها و هي في صراع خفي مع تركيا التي لا تدع وريث اخر لامبراطوريتها، انها السعودية و ما تفرضه من اجل سحب البساط من تحت ارجل تركيا و تنفذ افكارها سياسيا دون ذكر شيء، و تزيح من تنافسها بخطوات سياسية و ان تطلبت العسكرية في اخر المطاف فلا مانع لديها كما تفعل اليوم امام اليمن بحربها عاصفة الحزم. فان كانت اليمن على ابوابها الداخلية الا انها تريد ان تكسر شوكة الامبراطورية الفارسية منها من جانب، و تغلق افواه من تدعي انها صاحبة الامبراطورية الشرعية و وريثة السنة من جانب اخر، و تقول لها بانها لم تقدر على ان ترد طموحات الامبراطورية الساسانية بخطوة عملية كما تفعلها هي الان، و انها الدولة العربية الاسلامية التي ضاق ذرعا من الامة العربية و لم تعد تؤمن بها بل اسست حلف او مجموعة يمكنها ان تعتمد عليها في تنفيذ ما تضمر في افكارها و نظرتها البعيدة المدى، و بها يمكن ان تعوض عن الامبراطورية العثمانية و تقود مجموعة الدول التي كانت اصلا تحت السلطة العثمانية لقطع الامل و الطريق عن من تعتبر نفسها انها لوحدها الحق في توريث ما فرضه التاريخ بما تتطلبه مستجدات اليوم، و عليه يمكن ان نعتبر ان السعودية و تركيا المنافسان القويان لتوريث ارث الامبراطورية العثمانية بشكل من الاشكال و تختلفان عن البعض في تفكيرهما و خطواتهما لاسباب كثيرة ليس هنا مكان لذكرها جميعا .
الامبراطورية الساسانية التي كانت في تاريخها محدودة الانتشار وليست كمنافستها الامبراطورية العثمانية، فانها و ان كانت ممتدة في عمق ما يمكن ان يُعتبر انه العقل العربي، فانها كانت تفضل بقائها في مناطق لها مقومات ما تضمنه الامبراطورية الساسانية و ابعاد شر الاخرين عن باب بيتها . فان يصرح المسؤلون الايرانيون اليوم عن تفكيرهم و عقلهم الباطن بكل صراحة احيانا، فانهم يهدفون في هذا؛ ان ينظر الاخرون اليهم على انهم لهم القدرة على بناء كيانهم الامبراطوري، و يهدفون و يريدون بما يعلنون حسابات سياسية اخرى عدا ما يكنون من الافكار الامبراطورية و يفتخرون بامبراطورية اجدادهم التي خضعت العرب لتكون تحت كنفهم سلطة و حكما و مجتمعا .
ان كانت الصراع اصلا بين القوميات الثلاث الفارسية و التركية و العربية باسماء و ايديولوجيات مختلفة او متواكبة مع بعضها الا انها صراعات سياسية اقتصادية من الاساس، و يروج لها كل طرف باسم الدين و المذهب و العقيدة كما هي حال هذه الامبراطوريات مابعد الاسلام، اي الصراع من اجل بقاء العرق و ازاحة الاقوى للاضعف و حماية الذات من اجل السيادة و الفكر النابع من عمق الايمان باصالة العرق الذي يؤمنون به، و يعتبر الاخر دخيلا و لهم الحق في الكثير من ما يؤمنون و هم في الاصل دخلاء . فالفرس لم يكن لهم موطيء قدم في الاماكن التي وصلوا اليها في اخر ايام تقدم امبراطوريتهم و ووصلوا الى عقر دار الاخرين و اثروا علىهم فكرا و مجتمعا وكيانا، و لكنهم الحق يقال انهم بنوا اكثر من ان يخربوا . اما الترك فانهم لم يوجَدوا اصلا في هذه المنطقة بل انهم وافدون من الشرق الاقصى كما يثبته الدلائل الموثوقة قدما،و فرضوا انفسهم دون اي رادع نتيجة العنف و القمع الذي مارسوه في تاريخهم و في غزواتهم لهذه المنطقة و ثبتوا فيها و امتدوا بعد ان استغلوا الدين و احتلوا المناطق من الشرق الى الغرب باسمهم . اما العرب فان مكانهم الاصلي هو الجزيرة العربية فقط، و لم يكن في المناطق التي تتواجد فيها العرب اليوم فردا واحدا و التاريخ القديم يثبت هذا بالدلائل و الحجج العقلانية المبرهنة و ليس كلاما تعصبيا، فكانت شعوب دول المنطقة من العراق و الدول المجاورة لها من السومريين الاشوريين والسريانيين والكلادنيين و الفينيقينن و الكورد و الدروز و الاقوام الاخرى الصغيرة و منها التي انقرضت كليا و اكثرية عرب العراق اليوم هم من ابناء و اجيال السومريين اصلا و ان استعربوا . اما مصر فهي بلد الفراعنة و الاقباط التي لم يكن ينازعهم فيها اي قوم او ملة اخرى، و ما بعد مصر كانت بلدان الامازيغ المغدورين و المغلوبين على امرهم الان و هلكهم الفتوحات الاسلامية و نزعت منهم حتى لغتهم . و عليه اليوم يسيطر على اوضاع المنطقة كما هو حال العديد من مناطق العالم الدخلاء، و السكان الصليين منعزلين ينظرون من بعيد لما يحدث لهم ، فالفتوحات الصفراء الشرقية و الاسلامية الشرق الاوسطية هي التي غيرت معالم هذه المنطقة جذريا كما حدثت في كثير من مناطق العالم و لكن هنا بشكل اكبر و اعمق .
اليوم تعود و تطفو هذه الافكار المتعالية النابعة من الامبراطوريات التي ورثتها اجيال الدخلاء الى السطح ومن قبل من استفاد منها في تاريخه و سيطر دون وجه الحق على هذه المنطقة بدهائه و ادعائاته العقلانية السياسية، و تقدم في انتصاراته ليس من اجل ما يدعيه وا نما لتثبيت اقدامه و السيطرة دون ان يتجرا احد ليعلن و يوضح له انه الدخيل و ليس له الحق فيما يعمل . و لكن هكذا يكتب التاريخ دائما، فالمنتصر هو الحق اينما كان، و لم يعترف احد اليوم بالحقيقة مهما كانت ساطعة .
من هنا لابد ان يفكر الكورد بعمق و عليه ان يخطوا و يتوجه وفق ما موجود و ما جاء به التاريخ، و كيف ينظر الى هؤلاء الدخلاء و ينظرون اليه، كي لا يتضرر و هو وكذلك من معه الاقوام الاخرى، و منهم المنقرضة الى حد ما وهم المتضرر الاول و الاخير تاريخا و جغرافية و مجتمعا .
اليوم برز و اشتد صراع هؤلاء المعتدين اصلا،و يفكرون في اعادة امجادهم الغادرة كل على حساب الاخر، و الشعوب الاصليين ليس لهم فيما موجود الان على الارض و الصراعات الكبرى الجارية الهادفة الى اعادة الامبرطوريات لا ناقة و لا جمل، و عليه يجب ان لا يدخلوا في معمعة هذه الصراعات و الحساب لكل خطوة و بالطرق المتاحة هم و معهم البقية الباقية من المكونات الاصلية في هذه المنطقة .
لذا، فان الصراع المتوارثين من الامبراطوررية العثمانية بقيادة شقيها التركي و السعودي و الساسانية بالقيادة الايرانية، يزداد و يتوضح يوما بعد اخر،و ما على الكورد الا اختيار افضل السبل من اجل الثبات و البقاء و له ان يتكتك اكثر في هذا الشان و لا يعتبر اي من الصراعات في خانة استراتيجيته، و لا يمكن هذا بما موجود من العقلية الكوردية الحاكمة الساذجة التي لا تقيم و لا تعرف عمق الصراعات ولم تتيقن لحد اليوم ما موجود و ما يظهر مستقبلا و هي عاصية عن التفكير و واقفة جامدة دون استبشار شيء من المستقبل لينور الطريق و يكون لصالح خطواته في تحقيق اهم استراتيجته وهو البقاء و بناء كيانه، ليعود الحق التاريخي اليه بكل ما في الامر من المستوجبات لتحقيق ذلك و بطيب الخاطر . و هنا يكمن الاستراتيجية المهمة للكورد في عدم التحالف مع اي طرف بشكل استراتيجي و انما يمكن للاطراف الكوردية توزيع الادوار بشكل قوي و محكم من اجل الخروج من الامر في النهاية باكبر منفعة ممكنة، اي بالتعاون و اتحاد الكورد مع بعضهم و بالتخطيط السليم و رسم استراتيجية قوية مبينة على حقهم التاريخي وعند بناء و تحالف مع الاطراف الاخرى بتفاهم و تنسيق الكورد ذاته، يمكن ان يكونوا المستفيد الاول في صراعات المنطقة بين الامبراطوريتين .
هذه الاستراتيجية المهمة و الحاسمة في تاريخ الكورد الحديث لا يتحقق الا بتوحيد الكورد بذاته و ابعاد ما يجري الان من الصراعات الداخلية عن عقليته، و يكون للنخبة العاقلة الدور اللازم لرسم طريقه و خططه المطلوبة في هذا الشان، فما فرضه الصراع من توزيع الادوار للكورد بين الامبراطوريتين خير له، و لكن بشرط و هو ان استغل ما فيه من اجل مستقبله و يبتعد عن الخضوع او الارتزاق و الوقوف ضد اخيه، و عدم محاربة البعض كما فعل حتى في الماضي القريب . وان كنا منصفين لبيان بعض الامور بصراحة، يجب التوازن بين الامبراطوريتين و لكن التقارب مع حاملي افكار الامبراطورية الساسانية خير من الامبراطورية العثمانية، لانه الكورد لم يذق ولو ذرة خير منهما و ان كانت الاثنتين لا يهمها الا اهدافها، و يمكن المقارنة بين الاثنتين و يكون الكفة التي تحمل الامبراطورية الساسانية ما تكون ايجابياتها للكورد اثقل شيئاما من الامبراطورية العثمانية . فعلى الكورد ايضا الحساب الدقيق لفروقات كما يلزم، و يجب ان يتكتك مع الامبراطوريتين و يميل هو ايضا الى الساسانية في اكثر المواقف خير له من العثمانية، و المستقبل القريب لفيه ما يهم الكورد قبل غيرهم كما يستبشر الكثيرون، و لكن ان لم يخطا و يسلم نفسه دائما للقدر كما فعل من قبل.[1]