سبل انقاذ العراق من محنته
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4763 - #30-03-2015# - 13:19
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم تعد رباعية الجهل، الفساد، التطرف، الطائفية، في العراق امرا خفيا على احد، و لم تكن جديدا على المتابعين . الجهل، ان قارنا هذا البلد مع الدول الاخرى، لا يمكن ان نحسبه اكثر جهلا و تخلفا من الاخرين ولو بنسبة قليلة، بل هو اكثر علما و تنويرا من اكثرية بلدان المنطقة و من دول الخليج بشكل خاص . اشتهر هذا البلد قبل غيره بدهاء و عبقرية علماءه و شغف شعبه بالقراءة و العلم و المعرفة، هناك امثال تُضرب له و حكم صادرة من حكماءه و فلاسفته في تاريخه القديم و الحديث . و هذا لا يعني انه كان على مدار التاريخ هكذا دون تراجع او تخلف، لا، بل كان المسار او الخط المنحني لثقافة الشعب العراقي و نباهته في تصاعد و تنازل مستمرين بين كل مرحلة و اخرى، كان لتاريخه مرحلة ناصعة ابهر العالم بما كان عليه و مراحل اخرى لم يحسده عليها احد. اليوم يعيش العراق في قعر المستوى التي يمر بها من النواحي كافة و خاصة العلم و العقلانية في الفكر و العمل، اي الجهل بات يغلق عليه ابوابه و يحاصره في كل صغيرة و كبيرة في شؤونه العامة، فليس العراق اليوم بما كان عليه حتى قبل عقود، ان لم نحسب له المراحل المتنورة له قبل قرون مضت . هذا ما يدعنا ان نعتبر الجهل المنتشر بين اجياله بات يخنقه و يسد منفذه .
الفساد، بكل انواعه المالي و الاداري و الاقتصادي و الاجتماعي و حتى الثقافي، لم يعد خافيا على احد لحدة استشراءه و ما تفوح منه على السطح ظاهرا، مؤثرا على حياة الناس بشكل مباشر، و جاء هذا بعد الفوضى و انعدام القانون و السير على شريعة الغاب لاسباب و عوامل مختلفة داخلية و خارجية كانت مضمورة في كيانه قبل سقوط الدكتاتورية و طفت الى السطح بعد توفر الفرصة السانحة و الحرية التي افرزت الاسوء بدلا من الاتعاض من الضيم الذي تجرعه هذا الشعب من انعدامها . اصبح العراق في الضفة الاخرى من خط التفاؤل لعودة الامور على مجاريها، و يحتاج لجهود جبارة و عقول كبيرة و مبدعة لسحبه الى مكانه الحقيقي الصحيح، و هذا ما يحتاج الى وقت و ارادة و نخبة مخلصة مع العقلية المطلوبة للاصلاح و الاستنهاض، و هذا يحتاج لمرحلة زمنية كاملة يمكن ان تقطع الحياة عن ما وصل اليه الشعب و لايجاد المستلزمات الموجبة لاستهلال مرحلة جديدة قاطعة الصلة عن سابقتها .
التطرف، وجود الارضية التاريخية والفلسفية و العقيدية للمجتمع العراقي و مكوناته الموزائيكية دفع الحال الى ازدياد التطرف وا لعزلة و الابتعاد عن البعض وفق الخلفية المذهبية وا لقومية و الدينية . فالكبت الذي عاشه الشعب العراقي و الانطلاقة الفوضوية للحرية التي اتيحت له لم تدع الانتقالة الاجتماعية ان تسير على خطى التقدم المنشود كما حصل في الغرب، بل زيادة الجرعة في وقت واحد فرضت اضرار جانبية مما ادت الى امراض اكثر خبثا و ضررا، و لم ينتقل الشعب العراقي الى مرحلة ما بعد القمع و الاحتقان بشكل طبيعي، بل تدافع الشعب بكل ما يملك فكرا و عقلا و طموحا على بعضه، و ازدحمت الحال، و ما ادى هذا الى الفناء لمجموعة و التغيير الاجتماعي المنحرف لاخرى و سادت الفوضى و وصلت الحال لحد الاحتراب و القتل و التشريد و اصرار الاطراف على حتف الاخرين الذين لا يوافقونهم في التوجه او غير منتمين الى مجموعتهم او لا يوافقونهم على انتماءاتهم الضيقة او ينتمون الى افكار ضيقة اخرى لا يوافقونهم عليها .
الطائفية، كانت الجذوة موجودة اصلا تحت الرماد، و الضغط و القوة هي التي منعت تجليها، الى ان جاءت العاصفة و طيرتها و كانت محتاجة لنسمة بسيطة فقط لظهورها، انها انتماء التصق بهذا الشعب منذ قرون دون ان يُفده في اي وقت، و الدفعة الكبيرة للحرية التي طرحها و وفرها التغيير لم تكن من المتوقعات، لذلك اشتدت حرارة الجذوة و احرقت المتعلقين بها عقلا و ايمانا . لا بل اصبحت الطائفية هي الشغل الشاغل لاكثرية الناس و القوى، بعد دخول العوامل الاقليمية المساعدة على حدتها لمصالحهم المختلفة . و اصبحت داءا بلا دواء لحد هذا اليوم .
اي العوامل و الاسباب الرئيسية لتخلف الشعب العراقي بعد مراحل من الدكتاتورية والضيم، منها نابعة من ذاته و كان يتسم بما موجودة فيه و مغطاة لاسباب عديدة و خاصة سياسية، و منها استوردت بارادة جزء منه او اضطرارا بعد اعتلاء شان من يؤمن بها و بدوافع و مصالح خارجية .
بعد تشخيص هذه الامراض و الاعراض و الاسباب، يمكن ان نعتقد اننا وجدنا نصف الحل . اما الحل النهائي و النصف الاخر فهو الاصعب، نتيجة عدم بروز ارضية مناسبة لايجاد الدواء من جهة، و عدم فعالية الادوية الخارجية التي استخدمت من جهة اخرى، و وجود عوائق كبيرة مانعة لانتاج ادوية داخلية مناسبة و معالجة لما فيه الشعب العراقي من هذه الامراض من جهة ثالثة .
اذا، من يفكر في السبل المثالية للاقتراب من التفكير لايجاد الحلول، يصطدم بالجدار الكبير من الناحية الاجتماعية والسياسية و اخيرا مافرضت الازمة الاقتصادية نفسها عليه كي يياس من الحلول، و لكن الارادة التي تستوجب ايجادها لدى المخلصين، و ما موجود من القدرات و العقليات التي تظهر في الافق كبصيص نور في اخر النفق من عتمة المكان، يمكن ان تكبر مع الترسيخ او الاصرار على الخطوة الاولى من التوجه الصحيح للحل .
لذا، الخطوات العملية هي الحاسمة و يجب ان تكون نابعة من عقلية تقدمية عراقية مخلصة؛ و اول الخطى هو تجسيد عراق القانون و نشر الثقافة القانونية و الالتزام به لكافة افراد الشعب بهدوء و تروي، و الشفافية في بيان الاصح خطوة خطوة، و يجب ان توضع اكثر المهامات على عاتق النخبة، ببرمجة و اجندات علمية و تخطيط من قبل العقول العظمى الموجودة لحد الان في البلد، ان كان راس العراق المنفذ صاحب اكبر الصلاحيات دقيق في عمله و خطواته، و عقليته ملائمة لما يفيد مستقبل الاجيال و الانتقال من المحنة الى المرحلة الطبيعية، اي بتطبيع الاوضاع من كافة الجوانب اولا، فيمكن النفوذ بسهولة من المنفذ المنتظر ايجاده في عملية الاصلاح و لترشيح و تنقية ما يمكن ينفذ منه، لايجاد الصفوة في الطرف الاخر الذي يمكن ان يكون غرفة التخطيط و الانجازات و الاصلاحات و الخطوات العملية، اي عبور المنفذ من الجدار الحديدي المصنوع من هذه العلل الجهل و الفساد و التطرف و الطائفية، ليكون في الضفة الاخرى من يمكنه ان يصلح شيئا بشكل مثالي و عملي من حال الشعب، اي يمكنه فرض القانون كبداية للامور الملحة الاخرى للبلد . و من هنا يبدا العمل.[1]