التناقض البنيوي للمجتمع العراقي الى اين ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4683 - #06-01-2015# - 15:25
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
القضية الشائكة لما نتكلم عنه ليست وليدة اليوم او الامس و انما جاءت مع انبثاق الدولة العراقية و مرت بظروف و انحدارات خطيرة في مراحل متتالية من تاريخ الشعب العراقي، و لم يقم المجتمع على اسس متينة يمكن ان يطمان المتابع المخلص على رصانة كيانه و عدم تعرضه للانحطاط في ظرف طاري ما بعد تخلخل قوي في كيانه، و هذا ما اوصله الى حافة الانهيار في مراحل متعددة من مسيرته العامة . انها مسالة البنية و التماسك و العوامل التي ادت الى ابراز انشقاقات كبيرة في اعمدته و احدثت تشققات في ارضيته التي بنيت عليها الدولة، او بالاحرى يمكن القول انها بنيت دون اساس متين، بينما فرضت دولة على قاعدة هشة خارجية العمل و من ايادي مصلحية غير مخلصة .
لا يمكن ان يكون هناك عامل اكثر سلبيا او اعقد من وجود عملية متناقضة مع نفسها و دائمة الافرازات التي تؤدي الى انبثاق البنيان غير الصحي للمجتمع العراقي، و الذي تسبب و الى جانب الهفوات و الاخطاء و الخطايا السياسية الاخرى الى عدم الاستقرار و تدمير البلد داخليا . و التناقض و عدم التكامل مستمر لحد اليوم و سيستمر طالما بقت مسبباته قائمة و لم يعالج اساسا رغم حوالي قرن على انبثاق الدولة، و هو المسهل او العامل الذي اوقعهم ايضا في شرك القوى الخارجية بسهولة . و عدم توفر عوامل تاسيس البنيان الصحيح الراسخ للشعب ادى الى ما مر به الشعب بكل هذه المآسي، و المسبب الظالم هو الاستعمار البريطاني الذي اظهر و يُظهر نفسه محب للانسانية و الديموقراطية، اضافة الى ما اضيفت اليه امريكا و حيلها السياسية من اجل ضمان مصالحها فيما بعد .
اليوم، لازالت بريطانيا و امريكا تعملان وفق النمط ذاته، تحاولان بكل الوسائل ضم هذه البقعة نهائيا الى دائرتهما و التصاقها دون امكان الفصل بينهما و دون توازن يمكن ان يوفر المصالح العامة للشعب العراقي، و الاهم لديهم هو توفر اكبرالامتيازات السياسية و الاقتصادية للمنطقة اليهما، من خلال العراق بعد ضمان توفرنسبة كبيرة من تلك الامتيازات من قبل دول الخليج منذ مدة طويلة، فاستغلتا التخلف و الفوضى و سذاجة القيادة العراقية منذ الدكتاتورية البعثية لحد اليوم لتنفيذ مرامهما.
يقول البعض، ان امريكا ماضية على تقسيم العراق، و هذا هراء ويخرج كومقف سياسي ايديولوجي دون تحليل علمي، ان ما موجود الاستمرار فيه ليس الا من صنع يدها لما يفيد مصالحها اكثر من التقسيم، و المعلوم انها تفعل و تكرر ما اقدمت عليه بريطانيا بشكل ربما مغاير نوعا ما تناسبا مع التغييرات التي حصلت و الزمن المتغير، انها تريد عدم تماسك البنية الاساسية للمجتمع العراقي بشكل كامل افضل لديها من تماسك اجزائها في حال الانقسام و الانفصال .
من الامور التي عمقت الانشقاقات الاجتماعية او فصل السلطة عن المجتمع هو ازدياد نسبة الفروقات الشاسعة بين المكونات او بين الشرائح و الطبقات في المكون الواحد، و هذا ما اثر بشكل مباشر على الزخم الديناميكي للوضع البنيوي الداخلي للمجتمع العراقي و ابعد عن الشعب الاحساس بايمانه بالسلطة السياسية له من جهة، و ادى الى البغض و الكراهية بين المكونات و الطبقات او الشرائح المختلفة في المجتمع من جهة اخرى . هذا اضافة الى الفروقات الثقافية و الاجتماعية الاخرى الموجودة اصلا و التي عمقت الاختلافت و الخلافات كثيرا .
كان لاختلاف تاثير الحكومة في البنية الاجتماعية من مرحلة لاخرى وفق ضعفها او قوتها او مرحلة استقرارها او انشغالها بالمشاكل و في بعض الاحيان فوضويتها، تاثير كبير على عدم امكانيتها من السيطرة على تحديد توجه المجتمع او منع التخلخلات التي حصلت في بنيته في مراحل عدة . و كان لقدرة السلطات المتعاقبة و امكانياتها المادية دورا كبيرا فينواحي عدة و منها التعليم و التربية و التاثير على الوعي الذي هو من اهم العوامل الاساسية لترسيخ البنى القوية للمجتمع و التاثير على خصائص و سمات المجتمع بشكل عام، و في توجهاتهم السياسية المؤثرة بالتالي على البنية الاجتماعية ايضا . ان ما سار عليه البعث في تكاثر عدد الموظفين و ملء المناصب العليا لا على اساس الاستحقاق و الخبرة بل على اساس التبعية الحزبية ازداد من النقمة و الاحتقان و ازداد هذا السلوك من قبل الاحزاب المتنفذة بعد السقوط بدلا من التخطيط السليم للابتعاد عنه الى الهشاشة الاجتماعية السياسية اكثر فاكثر .
اليوم و تمر الحكومة العراقية الجديدة بازمة مالية نتيجة انخفاض سعر النفط، ليست المرة الاولى التي يحدث هذا و انما تاريخ السلطات العراقية المتعاقبة شهد من هذا القبيل من الازمات كثيرا و كان التضخم في حجم الحكومة المترافقة مع الازمات اوصل حال الحكومات الى الحضيض، و اثر بشكل مباشر على العلاقات الاجتاماعية و فرض تخلخلا و ازداد من هشاشة البنى اكثر فاكثر، و اليوم يعاد ما حصل من قبل . الا ان ازدياد الهوة الشاسعة بين افراد المجتمع اقتصاديا اليوم،لم يشهد تاريخ العراق من قبله هذه النسبة الكبيرة مثله ولا السرعة التي حدثت بها هذه التغييرات الكبيرة .
ان من يتابع ما يجري من الناحية الاجتماعية المرتبطة اصلا بالاوضاع السياسية و الاقتصادية و ما تغيرت من العلاقات الاجتماعية بهذه السرعة الفائقة، يعلم يكف ادت بدورها الى هشاشة البنية الاجتماعية، التي كانت نسبة معينة من تماسكها على حال يمكن ان لم تياس من اصلاحها الناس حتى الامس القريب و حتى في مرحلة السلطة الدكتاتورية، اما اليوم فانه ليس لصالح احد الا للقوى المصلحية الخارجية و ما تريده هذه القوى من المجتمع العراقي بهذه الحال لتتمكن من تنفيذ استراتيجيتها بسهولة . ليس تقسيم العراق كما يدعي البعض هو ما يهم القوى المسيطرة، و التقسيم ليس من مصلحتهم ايضا، بل يمكن ان يكون ضدهم وفق ما يريدون من العراق، و عليه يمنعون التقسيم بكل قوتهم على الرغم من كل الادعاءات النابعة من الاعتقادات السطحية غير المستندة على العوامل الحقيقية و التحليلات السياسية العلمية . تحاول القوى الدولية الابقاء على التناقضات و يساعدها في تلك المتعصبون الذين ينبع مواقفهم و افكارهم من خلفيتهم و اعتقاداتهم و من منظورهم الضيق الافق، و يعتقدون بان القوى الخارجية تحاول تقسيم العراق، و دون علمهم بانه ليس من عمق مصلحتهم و انما التناقضات و الفوضى في البنيان الاجتماعي الحالي هي في صلب مصلحتهم، و هم يعملون عليها و يدفعون لاستمرارها من اجل تحقيق اهدافهم الكبيرة في المنطقة . و عليه نرى ان القوى الكبرى و الموالين لهم يؤكدون دوما على وحدة العراق و رصانة صفوفه شكلا دون ابداء اي موقف او راي على اضرار هشاشة بنيانه الاجتماعي السياسي و استمراره اكثر من التقسيم ذاته.[1]