مرة اخرى ثقافة النخب و اهميتها
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4666 - #19-12-2014# - 13:26
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
اننا نعيش في بلد لا يمكن ان نستثني عائلة او فرد و نعتبرهم بعيدا عن السياسة و ما تتطلبه، لم تبدا افراد المجتمع الولوج في السياسة اليوم، و لكن نسبتهم تزداد و تقل وفق الظروف العامة التي يمر بها الشعب في كل مرحلة . و لكن توجهات و مواقف النخبة تختلف وفق مصالحها، ربما تتقاطع مع عامة الشعب او توافقها، و لكنها مؤثرة على تحركات و افكار و اعتقادات الشعب بشكل كبيرسواء سلبا كانت ام ايجابا . ربما من ناحية الحقوق المدنية و الديموقراطية و الحرية و هي تخص الشعب يمكن ان يتواصلا و يتعاونا و يترافقا في اداء الواجبات الا ان المصالح الذاتية عند النخبة قد تتقاطع مع مصالح الشعب بشكل عام، و عليه يحدث انفصال بينهما و يُراد عندئذ التضحية من النخبة ا من اجل اهداف العموم، الا اننا لم نلتق بهم الا باعداد زهيدة جدا في هذا المنحى او الصفات .
الخطاب الذي يبرز جراء مخاض و تحركات مجموعة من النخبة ربما يتوافق مع ما يهم عموم الشعب او لاء، و لكن الخطاب المنبثق من مخاض الحركة العامة لمجموع الشعب و تتبناه النخبة هو الذي يكون مسيطرا و ناجحا، لكونه نابعا من المصالح العامة و ليس فئة معينة من المثقفين او من مجموعة من النخبة بشكل خاص . و لكن هذا لا يعني ان النخبة ليس لها الدور الكبير في انبثاق الخطاب العام الذي يهم الشعب، اي التفاعل بين الشعب و النخبة و ما يتمخض منهما هو المراد في توجيه المسيرة من كافة جوانبها السياسية و الثقافية و الاجتماعية .
ان التغييرالطبيعي هو سمة الحياة و لابد منه و يفرض نفسه باستمرار، و لكن من يعرقله او يضع العراقيل امامه او يتخوف منه هو الفكر المحافظ مهما كان نوعه مثاليا ام ماديا، لاسباب كثيرة، و منها تخوفا من المصير المجهول او الفوضى او حفاظا على الحال ان كانت لمصلحة الممانع . و عليه، تكون النخبة غير فعالة و ربما تضيع بين المصالح و متطلبات الشعب و به تنخفض مستوى تاثيراته المهمة على الشعب و تحركاتهم . و عليه نجد في اكثر من الاحيان تفضل النخبة رجلا قويا عسكريا كان ام مدنيا على رجل مجهول و ان كان المجهول اكثر ملائمة للمرحلة المتغيرة التي اصبحوا فيها .
التغييرات الطبيعية التي تحدث في شؤون الشعب من كافة جوانبه، تحدث نتيجة تفاعل المؤثرات المتعددة الداخلية و الخارجية مع بعضها و لن تبقى فرص البقاء على الحال لاطول فترة ممكنة بعد التغييرات، و يمكن ان نشبهها بانسلاخ الجلد لدى الثعابين بعد عملية النمو التي تحدث في كيانها و شكلها، بشكل لا يمكنها تحمل الضيق التي يمنعها من الحركة و الاستدامة في حياتها . و هنا يمكن ان نقول ان الدور المناط طبيعيا بالنخبة يمكن ان يكون سلبيا اذا تدخل فيه امور خاصة او خلافات بينها و ان لم تصل درجة نضوجها الى حد المطلوب المفيد لعموم الشعب .
العراق و ما فيه، و تاريخه المتناقض و كل ما سار عليه، و المراحل المختلفة لحياة شعبه، بحيث نرى فترات يكون لراي النخبة و مواقفهم و نظرتهم الى الاحداث دورا مفصليا و هاما و لا يمكن تحاشيه بل هو ما يفرض التغييرات او يحفظ على الحال، و في المقابل كانت هناك مراحل لم تكن للنخبة اية مواقف او نظرات او توجهات بل ساروا وراء القافلة نتيجة سيطرة مصالحهم الخاصة على فكرهم و توجهاتهم العامة، و احيانا وقفوا ضد الموجة لانهم اعتبروها ضد مصالحهم الخاصة لانهم اصبحوا طبقة مغايرة جدا و بعيدة معيشة و طبيعة عن حياة الناس .
اليوم، و نحن وصلنا الى مرحلة فوضوية بكل معنى الكلمة لان ليس هناك راي عام و لا وعي معتبر ولا ارضية متجسدة للديموقراطية التي تمنح الدور الرئيسي للعموم في التغييرات من جهة، و لا توجد نخب مستقلة بذاتها بحيث يكون لها دور فاصل و قاطع في حدث ما من جهة اخرى، بل النخب توزعت سياسيا و فكريا و عقيديا، او مشغولة في لقمة عيشها و استبعدت عن مهامها الرئيسية في تحسين امور الحياة و التطور المنشود في البلد. و عليه يمكن ان ننتظر مرحلة اخرى كي تتغربل النخبة عن السياسيين المصلحيين او النخبة الايديولوجية او العقائديين، و نراهم ان صح التعبير ان نسميهم بالنخبة المنهمكين بالدين و المذهب و حتى التخرفات اكثر من الهموم المشتركة لابناء الشعب و مصالحهم و اهدافهم، و التسمية الصحيحة التي تليق بهم هي المروجين او المرشدين، و ليس لهم اي اهتمام بالديموقراطية و الفلسفات التي تدفع المجتمع ان تسير نحو الامام دائما .
لو قصرنا كلامنا و اختزلناه كثيرا، يمكن ان نعود الى دائرة صغيرة كي تكون شعلة في اشعال النور امام المسيرة الطويلة، ان شارع المتنبي و كملجا لنخب مختلفة يمكن ان تنبثق منه توجهات و تبدا حركات، و لو تمخض اكثر فتولد من مخاضه ما يمكن ان ينتشر من نور ويجد له افاقا واسعا في انحاء البلاد في لحظات او في وقت قياسي كي لا نبالغ . رغم ان الحركة التي يشهده شارع المتنبي غير منتظمة الا ان التنظيم يمكن ان ياتي من جراء نضوج الحركة و تهيئة الظروف المطلوبة لها و في الوقت المناسب . و هناك طبعا اماكن كثيرة اخرى مشابهة لشارع المتنبي في جميع محافظات العراق و اقليم كوردستان ايضا، و لكنها تحتاج الى الاهتمام اكثر و التحرك الاقوى.[1]