هل كل مؤمن ارهابي حقا ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4654 - #06-12-2014# - 16:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين له ميزاته الكثيرة لمن يلتزم به. و الدين بما فيه و ما يستند عليه من الكتب و الطقوس و الشعائر المختلفة يحمل من الاوجه يمكن استغلال جانب منها لامور مناقضة جدا لاخرى . و بعد التقادم الذي حصل في نصوص الدين و تطبيقه، و المذاهب التي تفرعت منه، و المجتهدين الذين برزوا و اثروا على الموالين و التوجهات التي صدرت منهم و يلتزم بها من يحسب نفسه على احداها، فبهم تجسد الفكر المعتدل او المتشدد وفق مسنده و مصدره و خلفيته . و الا فان تاريخ الاديان يدلنا على انهم يفرضون انفسهم و ينفون الاخر و يحاربونه كلما كان لهم المقدرة و الاماكنية لانهاء الاخر جملة و تفصيلا و خاصة الاديان المسماة بالسماوية .
ان اكثر الدوافع التي دعت كل مؤمن ان لا يفكر او يتامل الا ضمن رقعة معينة دون غيرها و الالتزام بما فرض عليه من السلف هو النصوص السماوية و الاحاديث و المنقولات من المقولات التي تعتبر نصا يفرض الايمان به قولا و فعلا و يحرم الميل عنه او الانحراف في تطبيقه مثقال ذرة، فاصبحت هذه المنقولات نصا مقدسا و ان لم يعتبروه كذلك نظريا .
لا نسمع من اي مسلم ملتزم او مؤمن قد كفٌر داعش علنا، فلم يجرؤ احد على نقدهم بالحجج و النصوص الدينية التي تثبت تطرفهم ارهابا الا من الناقدين العلمانيين المهتمين في الدين و يدرسونه علما و تحليلا و العلمانيين فكرا و تصرفا و المنزوين تحت عباءة الدين . فوفق الايات العديدة التي يستندها داعش فان جميع الافعال التي يمارسها صحيحة و واجبة التنفيذ و هي فرض قبل ان تكون سُنة، و ليس لاحد ان ينكر ذلك و لم ينف اي عالم ديني ما يقدم عليه داعش كل يوم بشكل واضح و صريح وفق الاسس الدينية العلمية المعتمدة . الا اننا نسمع بين حين و اخر من المؤسسات الدينية الرسمية التابعة للسلطة كانت او هذا و ذاك بعض الانتقادات، و هذا ناجم عن ما تفرضه افعالهم المقززة او نتيجة المصالح المتعددة لهم ويدعيون ما ينفذه داعش مكروه و لا يمكن تطبيق بعض من هذه الافعال التي يقدم عليها داعش و يعتبرونها غير قابلة للتطبيق في هذه الظروف المختلفة جدا عن الالف و اربعمئة السنة السابقة . و هذا راي منطقي و ليس دينيا ايضا و خاصة ما يامر به الاسلام ليس بتقدير الظروف الانية بقدر الالتزام بالنصوص . فان النصوص واجبة التطبيق نصا و قولا وفعلا في اي زمان و مكان و انها ما يدل به الدين و مضمونه . و ان الحياة في زمان السلف هي ما يمكن ان يعيشها الانسان و هي فانية، و يجب ان يعيش الانسان لاخرته و ما في النصوص من الترغيب و الترهيب ايضا لتنفيذ ما جاء به الاسلام دينا، فكرا و فلسفة .
اننا نعلم فان عدد من النصوص لو طبقت لا يمكن ان تنسجم الحال مع الحياة العامة في هذا القرن و المرحلة، و لكن وفق ما ينص و يامر به اخر الاديان وخاتم الانبياء لا يمكن التغيير قيد انملة في النصوص و التفسير و التحليل و التطبيق، و انها مقدسة غير قابلة لاي تغيير مهما كانت نسبته، و بالتالي فهو فرض و واجب التطبيق.
اننا نرى يوميا مؤمنين مختلفين عن البعض حتى في اسرة و بيت واحد، لكونهم تربوا على اختلاف بسيط في حياتهم سواء نتيجة تعامل الاهل معهم او كيفية تعاملهم هم مع الحياة و المحيط . فلو تناقشوا هم حول المواضيع الدينية الحساسة اختلفوا و طبق كل منهم النص بالشكل و الكيفية التي يؤمن دون ان يعرفوا او يعرفون و لكن يؤمنون بعقليتهم و ايمانهم هم دون الاخر اي رفضون الاخر . اذاً كيف بنظرتهم الى الاخر غير المؤمن او مختلف معهم بامور عامة بشكل مطلق ، فانهم يكفرونه منذ البداية و مصيره حز الرقبة طبعا .
هنا ندخل في اشكالية النظر الى التغييرات الواجبة حصولها عند العلمانيين بعد توالي المراحل و ما يرفضه الدين، اذا امنا في ذلك بانه ليس كل مؤمن ارهابي، فاما المؤمن المعتدل ليس بمؤمن وفق ما ينص به الدين او ما يؤمن به المتشدد، اي لم يطبق ما يفرضه الدين على المؤمن نصا و روحا . اما المؤمن المتشدد المستند على نصوص الدين و يطبقها على الارض وفق ما امن به السلف فيعتبر متطرفا منحرفا عن الدين، ووفق فكره و ايمانه فان الدين غيرقابل للتلائم مع التغييرات و ما تتميز بها المراحل الحياتية المتعاقبة و ما تعيش فيها الاجيال و يرفض ما يستوجب التطورالمتتالي لجميع جوانب الحياة بما فيها الدين و نصوصه كبديهية علمية لا نقض فيها .
على ما مر، يمكننا ان نكون على طرفي الجدال المتواصل الذي لم ينته حول الدين حتى بين المؤمنين انفسهم، لذا نرى ان بعض المؤمنين مع داعش عقلا و روحا وايمانا ان اعترفوا به و دعموه علنا او سرا، و منهم ضده اما لايمانهم بالتواصل الديني مع المراحل الحياتية او فرضا ذاتيا على النفس نتيجة الايمان لما غرز فيهم من اللاوعي منهم و امنوا بالحياة الانية اكثر من العهود الغابرة و ان لم يعترفوا بذلك . لذا المؤمن ان كان ملتزما متزمتا متعمقا و مؤمنا بالنصوص و مطبقا لها دون اي اعتبار للزمان و المكان، فانه لا يخرج من الاطار الذي حدده داعش و يعمل وفقه . و ان محبي الحياة و المؤمنين المعتدلين ليسوا الا مسلمين مؤمنين بالتعاليم الحياتية و ما يفرضه التطور الحياتي التي لا مناص منه، و هم يرفضون التزمت و السلفية عقلا و فهما و نصا و علما .
هنا يمكن ان نقول ان المؤمن المتزمت المتشدد ارهابي فكرا و عقلا، و المؤمن بالتغييرالذي تفرضه الحياة و يريد الانسجام و التماهي و العمل وفق النصوص التي يرى فيها ما يمكن تفسيره على هذا المعنى فانه ليس بارهابي فكرا و قولا و عملا.[1]