ربما التاريخ يعيد نفسه
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4642 - #24-11-2014# - 13:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفرس يذبحون مئات الالوف من السنة و يبيعون الاف منهم عبيدا، هذا في عام 1623 . مجزرة تنفذها الاتراك راح ضحيتها 30 الف شخص معظمهم من الفرس، و هذا عام 1638 . فرض حصار فارسي على اقوام المنطقة مات جراءها اكثر من 100 الف جوعا و اصابة بمرض الطاعون، و هذا في عام 1723 ايضا . هكذا دواليك يستمر القتل و الفتك بين القوميات والاديان و المذاهب الموجودة في هذه المنطقة نتيجة السياسات المتبعة المعتمدة على افكار و عقائد و خلفيات مختلفة ضيقة الافق و وفق الوضع و العادات وا لتقاليد و الصراعات المسيطرة و المستوى الثقافي العام و بعضها لا بل اكثرها من اجل التوسع على حساب مساحة و نفوذ الاخر، اضافة الى التخرفات و التعصب و العادات الاجتماعية و ما كانت من السمات و العادات المسيطرة التي تؤمن بها هذه القوميات و تفتخر بها و منها الغزو و السبي و الاستيلاء على الغنائم و كل ما يمت بالصلة بالاقتصاد و الانهماك على تحسين الوضع المعيشي لافراد هذه المجموعة او ذاك باساليب جاهلية منذ صدر الاسلام و قبله ايضا من السلوك المسيطر على القبائل و العشائر الموجودة في الجزيرة و المناطق الاخرى ايضا باسم الشجاعة و الشهامة ، و هي مستمرة لحد اليوم .
من يقرا التاريخ و بعمق و ما حصل لا يمكن ان يتعجب من افعال داعش و سلوكه المشين بحق شعوب المنطقة فان كان يعمل ذلك باسم الاسلام و السلف، فليس هو الوحيد و الاول في هذا الشان و ليست القومية العربية و الاسلام السلفي هو في مقدمة المجرمين في الاعتداء على القوميات و الاديان وا لمذاهب الاخرى . لا بل لجميع الامم الموجودة في هذه المنطقة تاريخ مماثل، و تعامل لا يقل عما يفعله داعش بشيء يُذكر و منه افضع و اخطر.
لم تكن في حينه عصبيات قومية بقدر المراحل العصرية الحديثة اي بعد انبثاق انتلجنسيا جديدة المتضمن ولادة ولاء جديد لدى الاقوام للقومية و ان لم تزح الولاءات الاخرى القديمة بل عاصرتها و عايشتها، و احيانا سيطرت عليها و حصل العكس ايضا في احيان اخرى . لذلك كان كل ما يمت بالتعصب و نفي الاخر كان موجودا باسماء و محتويات و اهداف اخرى اما بروز متطلبات الدين و ما حدثت بعده من الجرائم دخلت في عمق العقلية الانسانية في هذه المنطقة و مسحت ما يمت بالانسان كانسان جملة و تفصيلا، و تسلسلت الاحداث و ما زادت التفرقة وا لانشقاقات هي الاجتهادات المختلفة لدى الباحثين وا لمتعمقين في شؤون الدين و المشايخ و من احترف الدين مهنة و سياسة، و ولد في رحم نشاطات هؤلاء المذاهب العديدة التي ادت بالنتيجة الى صراع المذاهب بعد الاديان .
فان الغزوات و الغارات المتبادلة التي كانت سائدة في حياة الاقوام و العشائر في المنطقة لم يستاصلها الدين لا بل زادها حدة و فتكا بالاخر بعد نهبه و سلبه على اعتبار ما يحصل عليه المعتدي هو غنيمة مادة و سبيا و عبيدا انسانا اسيرا . فلم ينه الاسلام الغزو و السبي و الفدية وا لدية لا بل قننه شرعا اسلاميا و سجله كتابا مقدسا . فان كان الدين الاسلامي مستمدا لما كان يحمله القبائل الموجودة من قبله عاداة و تقاليدا و سماتا و سلوكا لتجمعات بشرية تكاتفت من اجل مصالح حياتية مشتركة، فلم يزح الدين الاسلامي ما كان يفيده توسعا و سياسة حتى يومنا هذا، و انزله اياتا و حديثا نبوية كفرض و سنة مفروضة على المؤمن بالله ورسوله و بالقران كتابا منزلا عند من امن به منذ بروزه في الجزيرة العربية.
اذا، من الناحية الاجتماعية و الاخلاقية و ما مر به التاريخ من جهة، و ما استمده الاسلام من الافعال و السلوك و ما قننه من جهة ثانية، يدعنا ان لا نستعجب من اية خطوة داعشية مهما كانت اجرامية و وحشية . اذا كانت الوسائل الاعلام تنقلها اليوم و الحس الانساني المرهف سيطرت الى حد كبير على الفكر الانسان عفويا كان او دراسة، و عليه يستهجنها الانسان اليوم، فان ما حدث في التاريخ كان اكبر و اشنع و لكن لم تكن هناك وسائل ما و من ينقلها الى العالم و خُبئت في موقع على نطاق ضيق و في اطار مكان الجرائم الضيقة لم تتداولها الناس كما يحدث اليوم . فان كان داعش يستغل هذه الحوادث و الجرائم اعلاميا لتخويف الناس، فان ما حدث من قبل من اجل الجريمة ذاتها و ليس لاي هدف اخر من وراءها، لانها اقترفت في مكان و لم ينقل الحديث عنها الا بوسائل بدائية غير مؤثرة على معنويات المحاربين او الاقوام الاخرى المراد غزوها . لذا، فان كنا نعتبر افعال داعش مقززة فان التاريخ يدلنا على افعال اكثر شناعة وخباثة و تقززا، ربما يعيد داعش جزء بسيط منها باسم الدين و المذهب و الادعاءات السلفية التي يتخذها من الكتاب المقدس و ما شرع من قبل و ليس من صنع فكر و عقله الخاص، اي التاريخ يعيد ذاته بشكل ربما ليس باكثر مما حدث من قبل، الا ان وسائل الاعلام و الحياة الجديدة لهذا العصر هي التي تفضحه على ما يقترفه و ما يحدث اليوم . اي المتعجب من هذا الامر من المتابعين هو من لا يعلم ان هذه الجرائم و افضع منها حدثت باهداف و نوايا و خلفيات مختلفة و وسائل بشعة لمرات متعددة في تاريخ المنطقة و العالم، و لكنها حدثت في وقت و حال و وضع مختلف جدا من هذا العصر المتسم بحقوق الانسان و الانسانية في الفكر و العقلية و الايمان.[1]