داعش آلية الغرب لتطبيق صدام الحضارات
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4607 - #18-10-2014# - 21:19
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
طالما كان حوار الحضارات الذي ادعاه الشرق كرد فعل لصدام الحضارات التي تبناه الغرب، و هو طرح مفروض فرضا من الغرب و ليس ابداعا شرقيا خالصا، و طالما تجسدت الافكارعلى الارض باليات و وسائل، فان داعش ان لم يكن بدعة غربية كما تحب ان تسميه اصحاب الافكار الاسلامية المعتدلة، او مخلوق سياسي غربي على احسن الاحوال كما تطرحه الليبرالية الشرقية، او وسيلة رخيصة للصراع و مصالح اقتصادية كما تدعيه اليسارية، فان الغرب تلقف بروز داعش و ما يمكن ان يفرزه من التداعيات لتسهيل مهمته الفكرية، و كانه امطر عليه من السماء وتلهف مسرعا في التدخل و ما شاهدناه من الزيارات المكوكية دليل على اهتمام امريكا و الغرب بالمستجدات، لا بل اظطرت امريكاعلى تغيير استراتيجيتها التي اعتمدتها في الشرق منذ مجيء اوباما، بين ليلة و ضحاها، ليس لسواد عيون الشرق و انما لغرض في نفس يعقوب، و كما نعلم استغلت امركيا المستجدات التي حدثت بفعل سلوك داعش و تحركاته كطعم لذيذ لترسيخ ادعاءاتها الفكرية من صدام الحضارات و صراعها قبل مصالحها السياسية و العسكرية .
فان الوعي العام للعلاقة الخاصة بين السياسي و الثقافي التي تتنامى غربيا او امريكيا بشكل خاص، و ما يهدفه من اجل ما يريده من تطور النظام الدولي الذي ينشده في المرحلة الراهنة، هو الذي دفعها لاستغلال الموقف مسرعة، و الاحرى ان الغرب يعتبر ان حوار الحضارات واجهة تخفي وراءها صراع المصالح المختلفة، لذلك بروز داعش برز الصراع و طمس الحوار الى فترة غير قليلة حسبما نعتقد .
المهم هنا ان نعلم بان اظهار داعش كغول او وحش اكثر من ما يقترفه هو من الفضائع لمصلحة الغرب قبل اي احد اخر، و هو دليل قوي بيد الغرب على بيان ان الحضارة الشرقية و الاسلامية بالذات هي ما تنتج داعش مستندا على النصوص، و له الحق في هذا، و هذا ما يدل على الخطا البارز الذي يرتكبه الشرق من خلط الحضارات الشرقية مع الدين و الاسلام بشكل خاص، و به وفر للغرب الطريق المناسب لفرض الصراع و هو يعلم مقدما بانه يفلح في صراعه و الذي يريد ان يصدم ما توصل اليه في الغرب مع ما موجود في التاريخ الاسلامي بالذات( لا يمكن ان اسميه الحضارة الاسلامية، ان كانت حضارة) .
انها الخطوة الصحيحة طالما انتظرهاالغرب لبيان الفروقات بين الشرق و الغرب من النواحي الثقافية الحضارية و اما وفرها هو او جاءتها على طبق من ذهب ان لم يكن هو وراء الوحش .
ظهور داعش هو نقطة بداية للغرب كي يلتف حوله و ليظهر ان الفكر الغربي هو الاصح و يحوٌل ما ادعاه من بيضة مخصبة الى شرنقة منجل التحول الى المرحلة المتنقلة من اثبات التوجه و الفكر من اجل السيطرة الفكرية الكاملة على الشرق و بيان تخلفه ثقافيا و حضاريا . و يعتبر الغرب ان المستجدات منحت فرصة لطرح فكرة ابتعاد الحضارات مع البعض و ليس بالامكان حوارها باي شكل كان، طارحا التراث و التاريخ عرض الحائط .
ان كان مواقف المثقفين الشرقيين من ما يجري في العالم معتمدة على ردود الافعال ازاء ما يخرج من الغرب و ليس ابداعا ذاتيا، فان الغرب بمكانته الفكرية الضخمة و قدرته العالية يستغل التخلف و الضعف في هذه المنطقة لفرض و تجسيد افكاره مهما كانت ملائمة او مناقضة للارضية الشرقية الموجودة . انهم استفادوا من نظرياتهم و نخبتهم السياسية و العلمية والفكرية و استخرجوا من نتاجاتهم ما يفيدهم على الارض نظريا و عمليا و اثروا على حياتهم ايجابيا، اما في الشرق النتاجات الفقيرة لم تزل طي الكتب او الكتمان و لم يُطرح عمليا و انما اعتمد الشرق فكرا و ثقافة استهلاكا للمنتوجات النظرية و التكنولوجية الغربية فقط .
السؤال الذي يمكن ان نطرحه، ماذا بعد داعش و ما يصل اليه و بعد التعامل معه، من حيث الصراعات التي يدعيها الغرب و الحوارات التي يدعيها الشرق، و هل يبقى ما يدفع الى الحوار و التقارب ام ببروز داعش على الارض انقطعت اية صلة بينهما او ابتعدتا بشكل لا يمكن ان يتحاورا بل يتقاطعا الى ان تزيح احدهما تاثير الاخر عليها و تنفرد، و ابتعدت المرحلة التي توقعنا فيها احتمالية اي تحالف حضاري غربي شرقي من حيث الفكر و الثقافة، و انما وفر داعش ارضية خصبة لنجاح حضارة الغرب اكثر من الناحية العملية.
ان هناك من ينظر بشكل بسيط و من الناحية السياسية و العسكرية فقط الى داعش، غير عالم بما وراءه فكريا و تاثيرا على المنطقة و مستقبلها، اما عند التعمق في ما سببه داعش من الانقلاب الكامل في المنطقة من حيث الفكر و الوضع السياسي الاجتماعي و النظرة الى التاريخ و التراث و الحضارات، سنخرج بمعادلات خطيرة تقع جلها لما ادعاها و يدعيها الغرب، و بعد تقدم خطوات عدة فيمكن ان نعتبره ضربة قاضية للتنافس و ما ادعاه الشرق و تبنته عدد غير قليل من الجهات الفكرية الثقافية من اصحاب حوار الحضارات و ليس صدامها او صراعها، لكونه اكثر سلمية و سهولة و استفادة للبشرية و التقارب البشري والمصالح الانسانية كما اخذوا على الغرب نفسه بانه يدعي السلم و الامان و الحرية و الديموقراطية و الحوار هو احد اركانها و مساندها وليس للصراع بعيدا عن المنافسة موقعا قويا فيها، و لا يمكن ان تحوي الحرية والديموقراطية الحقيقية الصراع اكثر من الحوار.
ان ما سار عليه الغرب من قبل هو ما تمخض من الفكر اولا و من ثم التطبيق، الا ان بروز داعش عكس الموقف و يمكن ان يستغلوا التطبيق لما يفرض الفكر بالتعاقب .
و عليه حسب كل التوقعات، ان السنوات الطوال التي تدعيها الساسة الغربيين لمحاربة داعش ليس الا لتوفير المجال الكافي و الوقت اللازم لتطبيق افكارهم و دحر ما يمكن ان يبرز لعرقلة ما يريدونه من تطبيق شكل المنطقة فكريا و ثقافيا وسياسيا و بالدقة المتناهية، فلننتظر لنرى ما نتنبا به في المستقبل القريب .
و لكن هل من الممكن السكوت عن ما يريده الغرب من قبل المنافسين، او اليس من المعقول ان تبرز قوى اخرى تعمل من اجل مصالحها المتعددة وتوقف تمدد الغرب و تقف بالضد من اهدافه التي لا يمكن ان تكون جميعها لصالح المنطقة كما يدعيه .
نحن نعيش في مخاض عسير، بعدما وفر داعش و من يلف لفه فرصة ذهبية للغرب و امريكا بالذات على حساب الشرق و ماهي منكفئة عليه و متلهفة لتحقيقه وماهو عليه الغرب من قيادة العالم .
السؤال الذي يطرحه الجميع، مهما خرجنا به من النتائج ان كانت سلبية او ايجابية لحدما كما نعتقد، هل يمكن ان يحل الغرب و امريكا بالذات مشاكل الانسان و ينجح بقيادته كي يرضي العالم، ام ستواجه اقوى معارضة و عرقلات لم تحسب لها الحساب، و كما هو المثبت ان مستقبل الانسانية يكمن في العدالة الاجتماعية و المساواة، و ليس لدى امريكا من الفكر و الثقافة التي توفر تلك المفاهيم و الاهداف الانسانية العادلة التي يستحقها الانسان في هذا القرن . ربما تتوصل امريكا او الغرب بشكل عام الى توافق مرحلي من حيث ادارة المنطقة و العالم و لكنهم لن يستطيعوا بما يحملون من الافكار و الفلسفات من ادامتها و تطبيقها بشكل نهائي، و لم تعد هناك نهاية للتاريخ كما يدعونه، و انما الراسمالية التي تفعل ما تشاء وصلت لمرحلة يمكن ان تبرز و تتعالى و تسيطر و لكن ليس لديها ما تديم من سيطرتها، و انما يمكن ان تدير المرحلة الانتقالية بشكل او اخر الى ان نصل في ظروف ملائمة الى المرحلة التي تكون لصالح حياة الانسان و ضمان السعادة المنشودة للجميع التي هي الهدف الرئيسي للجميع و سينقلب السحر على الساحر.[1]