لم تُعرف الشعوب بعدد سكانها
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4606 - #17-10-2014# - 17:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لو تاملنا في التاريخ و ما حدث في طياته من جانب التاثيرات التي فعلته على الشعوب لنتمكن من التقييم و التحليل الموضوعي لكل بقعة او بلد او شعب على انفراد و مجتمعة مع الاخرين، و من ثم نفرق بين البلدان من حيث المقارنة العلمية بينهم من جانب الاهمية التي اظهروها بتلقائية و فرضوا انفسهم و كيف برزوا و التفت العالم اليهم، نجد من له تاريخ مشرق نسبيا و يفرض احترامه على الجميع و من هو المتهور و متدخل و متحرك وفق ما يضر بالاخرين و منهم معتدل كل ما همه هو مصلحته الذاتية و منهم من قدم للبشرية خيرا و منهم على العكس ، و لم نجد للعدد او النسمة اثر فعال على بروزهم .
نرى من البلدان تاريخه مليئ بالاحداث الكبيرة و المؤثرة و هناك من هو منعزل و منعكف على ذاته، و منهم تصرٌف اكبر من قدرته و تضرر، ومنهم من تحرك وفق ظروفه و امكانياته الداخلية من كافة النواحي السياسية الاقتصادية الثقافية، ومنهم من لم يعرف قدر نفسه و وقع في المنغصات، و منهم اعتدى و لطخ تاريخه الى الابد و منهم هاديء هدوء البحر غير المتموج و لم يتهور و كون بنيانه و كيانه و ارتفع شانه ببناء داخلي ذاتي .
يتوقف سمات البلدان على عصارة الفكر الذاتي لشعوبها و قادتها و ثقافتها بشكل عام، و الاهم هو بروز النخب في تاريخها التي اثرت على مسار حيات شعوبهم بشكل مطلق، و كما غيروا مسار التاريخ لبلدهم و اثروا على الاخرين ايجابا . و البدلان اصحاب الحضارات لهم المجد و لهم ما يفتخرون بها، لان لا يمكن بناء حضارة على الفراغ و لم تنبثق الحضارة اعتباطيا، لذلك نرى حيوية اصحاب الحضارات التي ورثت عمق حضارتهم اجيالا و ان تخلفوا او تاخروا احيانا نتيجة التدخلات، و تضرروا من اثار الحروب و التبعات التي اثرت في عمقهم دون ارادة منهم او بتعجرف قياداتهم التي اتخذت المصالح الشخصية و النرجسية اهمية اكبر من بلدانهم لديهم .
نجد من العقول المبدعة التي غيرت مجرى التاريخ للشعوب في بلدانهم و في العالم اجمع، سواء كان تعكفهم في عملهم على الناحية العلمية او الادبية او الثقافية او السياسية . نعم هناك شروط مستوجبة الوجود في شعب كي ياخذ دوره و منها وجود الامكانية العقلية و المستوى الثقافي و الوعي اضافة الى عمق الشعب و الدولة و ليس الامكانية الاقتصادية فقط، و هناك من البلدان التي لم يملك من القدرات المادية الاقتصادية الا انه مؤثر و له مكانته و ثقله لا يمكن تجاوزه باي شكل كان في الامور العالمية . و هناك رغم الامكانيات الاقتصادية العالية الموجودة لدى البعض الا انه غير مؤثر و ليس له الثقل الموازي لامكانياته الاقتصادية .
من الامور التي يمكن الكلام عنه هو عدد السكان للبلدان و من منظور اهميته ككمية ان تُبحث و ليست كنوعية، فنجد بلد صغير قليل العدد السكاني و فيه من النخبة التي تعادل الملايين من الشعوب الكثيرة العدد في البلدان الاخرى، اي الاهمية لا تتوقف على الكمية بقدر النوعية، و هذا ما يفرض ان يعتمد عليه اي بلد في علاقاته الدبلوماسية و التعامل مع الاخرين .
و الاهم قوله هنا، ان اهمية البلدان تغيرت نسبتها من عصر لاخر و من مرحلة لاخرى، فهناك بلدان قديمة و فقدت بريقها بينما في المقابل بلدان حديثة تمكنت في اوقات قياسية من اعتلاء الصدارة في قيادة العالم، بينما دور الحضارة و التاريخ لم يضمحل في اي وقت كان، فان صعدت نسبة اهمية البعض جراء نجاحه في التعامل مع الحياة و مسيرة البلدان فان العمق الدولي للبلدان الاخرى لازال هو الحاسم في كثير من الامور .
التاريخ له دوره البين و كم من بلدان بارزة اختفت اثرها و حلت محلها بلدان منعكفة على ذاتها، و لم نجد من يندثر الا نتيجة العوامل الموضوعية و الذاتية التي اثرت عليها في اية مرحلة كانت .
عوامل القوة و اهمية البلدان من جانبها تغيرت من مرحلة لاخرى، الا ان المعرفة والوعي و العلم و التكنولوجيا حديثا، من العوامل الضرورية المطلوبة و المهمة لبقاء اهمية اي بلد مهما كان عدده او مساحته . اضافة الى الاهمية العلمية و المعرفية فان الموقع الجغرافي و الاستراتيجية المكانية للبلدان لازالت لها التاثير المباشر على بقاءهم في الصدارة من اهميتهم العالمية و مقياس هام لتحدد دورهم و مكانتهم .
اي، القدرة العلمية التكنولوجية و التاريخ و الجغرافيا و المعرفة و وجود النخبة المعتمدة هي اساس بقاء الدول في الصدارة في الاهمية في جميع الاوقات، اضافة الى العمق الذي بناه التاريخ و الحضارة و مستوى الشعوب الثقافي و امكانياته العقلية في التاثير على الذات و العالم ايضا، و لا يمكن ان يكون العدد كميا ذات اثر حاسم في بيان اهمية اي دولة.[1]