انعدام دور المثقف التنويري في العراق
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4585 - #26-09-2014# - 16:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كان الابرز في المنطقة هو العراق الذي فرض نفسه ارضا خصبة لانتاج المثقفين الحقيقيين التنويريين الممهدين و المعبدين لطريق الثقافة الانسانية بشكل مرضي في خضم الصراعات الفكرية التي ملات هذه المنطقة التي اخذ الدين و منتجاته دورا اكبر من حقه فيها، فيما حاول الاخرون بالاضافة الى نشر ما يفكرون في عرقلة ما كان ينويه المثقفون من نشر العلم و المعرفة مجاراة السلطة لفسح المجال امامهم، او استفاد هؤلاء من السلطة لانهم سهلوا لها السيطرة على زمام الامور و ساعدوها علي ما فعلت بسلوكهم و وقوفهم كما السلطة معهم ضد من يؤمن بان النقد باشكاله المختلفة من اول مهاماته من اجل المسيرة التقدمية للحياة و من كافة المجالات، و على الرغم من السلبية الكبيرة تلك، ويجري كل ذلك في عهد يُعتبر افضل مما نحن فيه و للاسف نتمنى العودة اليه، و الذي من الطبيعي ان لا يتمنى المرأ العودة الى الماضي مهما كان سماته ان سارت الحياة بشكل طبيعي و بتطور منسق منتظر منها وفق السيرة الطبيعية للبشرية .
اليوم و بعد التحرر من الحكم الدكتاتوري الذي خلط و خربط كل شيء نتيجة مزجه و فرضة السياسة على كافة مفاصل حياة العراقيين و افنى به مجال التطور و القدرة الذاتية و قفل عليه الابواب و عاش مخنوقا مسلوب الحرية الذاتية و العامة مهدرا حياته في المضايقات و اثار الحروب الداخلية و الخارجية التي سلبت كل ما يمت بتطوره و حياته بشكل عام، نعم اليوم دخلنا في مرحلة اخطر مما كنا فيه، نتيجة بروز عراقيل اقوى و اخطر بعد فرض الطرف الظلامي من الجانبين المتصارعين في الحياة المادي و المثالي و غلق الابواب عن التفكير الحر، و تاثر به الجميع و من كافة الفئات و في مقدمتهم المثقفون .
عندما سيطر المزاج الشخصي و الدكتاتورية على الحياة العامة للشعب العراقي وجد المثقفون في مسار العملية السياسية حينئذ الثغرات التي كان بمقدورهم اداء ادوار ولو ضعيفة في نشر المعرفة و حث الناس على التوجهات و الافكار العقلانية بعيدة عن التخلف و التخرف، اما بعد صعود دور من يتقاطع كليا مع الافكار النيرة و المضيئة للدروب الحقة و الحقيقية لحياة الانسان و ما يؤدي الى اتخاذ طريق التقدم مسلكا، و السيطرة بكل السبل على عقول الناس بالجانب السلبي و بحرية تامة دون امر من احد، فانه الاخطر من الدكتاتورية من الناحية الثقافية بشكل خاص .
ازداد الوضع الاجتماعي العام في السنوات الاخيرة اكثر تعقيدا بعد التغييرات التي كان من المنتظر ان يتقدم نحو الافضل، الا ان الجانب السلبي رغم توفر الحرية التي كانت منعدمة من قبل،هو سيطرة العقليات السطحية التفكير و الداعمة للنتاجات الخيالية هي من ازداد من المعوقات امام عمل المثقف المتنور و ضاق من طريقه و سلب منه حريته الخاصة و العامة ليس فرضا او قهرا او دكتاتورية و انما بفرض ارادة النسبة الكبيرة من سلبيات الفكر المثالي او الديني و المنتج للعقول الخيالية و خزعبلاتهم على النسبة القليلة من النخبة مقارنة بهم، و ذلك عن طرق شتى و منها العملية السياسية بذاتها و السلطة و ملذاتها و الارغاءات العديدة، و من يديرها، و التوجيهات الدينية و المذهبية و العرقية، و التهميش و الاهمال للعقول التي يمكن ان تفعل و تُفعٌل و تسيٌر الامور الثقافية بطريقها الصحيحة الحقيقية و من صلب الفكر الثقافي و الفلسفي المحفز لتطور و التقدم العلمي الثقافي العقلاني بعيدا عن الخرافات المسيطرة التي ازدادت بشكل مغول اخيرا .
ارتباط المثقف بباب السلطة بنرجسيته او مصلحته بذاته و بارادته، او اجباره نتيجة شغف العيش و ما يدر عليه ما يسيٌر له حياته و يمكنه العيش بابهة، يخلق تناقضا بينه و بين نفسه قبل الخوض في تنافس مطلوب مع الاخرين من اجل التطور، اي انتج الواقع الجديد انسانا متناقضا مع ذاته قبل غيره نتيجة تداخل ضرورات حياته الخاصة بما فرضته الحياة العامة عليه من جهة، اضافة على اعاقته من قبل المتصارعين من الجبهة التخلفية التي وقفت بالمصياد امامه من جهة اخرى .
اليوم اصبحنا نلف حول نفسنا و نحن سائرون في متاهات لم نقدر ان نجب عن اسئلة الفكر وفلسفة العصر الراهن و ما يفرضه القرن الواحد و العشرين لما نحن فيه من التخلف غير المسبوق من كافة النواحي و منها الثقافية بامتياز، ليست العلة في عدد و نوعية المثقفين لدينا و انما لشل حركتهم جراء الواقع المزري .
و كما اعتقد جازما بان ليس كل شر شرُ بالمطلق و ليس كل خير خيرُ بالمطلق اي يوجد في كل منهما المعاكس له، اعتقد بان المرحلة يحمل في طياتها و رحمها عامل التحرر ذاته و ربما نشهد تنقلا ان لم يكن قفزة في المسار الثقافي بعد التحرر و زاحة المعوقات عاجلا كان ام آجلا .
كما هو الحال لدى العالم الاسلامي كله ان الدين هو موضوع معقد نتيجة دخول المقدس و الحق و العنف فيه مما يصعب تناوله في بلد اصبح الدين وما يحمل من المذاهب و الشعائر من خصائله، فكيف بمثقف و ان كان عالما مليئا بالعلم و المعرفة ان يروج بما لديه من ما يحمله، اليوم و بالوسائل العلمية يمكن نشر الافكار التخلفية و ما يحث على العنف اكثر من المعرفة، ترى من يستمع الى المتخلف و المؤمن بالخيال و من يتابعه اكثر بكثير من يقرا او يتابع حاملي العلم و المعرفة الحقيقية، فاصبحت وسائل الاعلام في خدمة التخلف و التخرف بدلا من التطور . و الادهى ان الدين او بعض الافكار المثالية المعقدة من القداسة بمكان لا يمكن للكثير تناوله على حقيقته و لذلك لم نجد من العلماء و المثقفين المتنورين الا قليلا من يتجرا على تناول المواضيع الخاصة هذه بشكل يوضح حقيقته بعيدا عن التخرفات و الخزعبلات التي لصقت به و واكبته الى يومنا هذا، بينما للعالم الديني و المتخرف كامل الحرية في نقد اي شيء او علم او اية فرع من فروع الثقافة و المعرفة بحرية كاملة دون خوف من القتل و الحز و الجز، هذا هو صلب المشكلة، و هذا ما يقطع الطريق امام الصراع العادل بين الجبهتين في حياتنا العامة، و العراق اليوم في مرحلة اشتدت فيه التخرصات و اعتليت فيه المعوقات المادية والمثالية امام حركة المثقف المتنور الحقيقي، اضافة الى توفر وسائل الاتصال و التسلية و الابتعاد عن القراءة و المطالعة جملة و تفصيلا.[1]