رمزية سقوط عاصمة الخلافة المزعومة
سقوط كركوك وتحرير الرقة ودخول الجيش التركي إلى شمال سوريا, وتهديداتها المستمرة لعفرين وكذلك لما سُمي بالسباق العسكري في شرقي وغربي الفرات لملاحقة فلول داعش المنهارة، وتهديدات النظام السوري وحلفائه لفيدرالية شمال سوريا. كلها أمور مترابطة وتهم الشارع الكردي، وتهم كل المكونات لكنها أيضاً تكشف نوعية الصراع بين التطرف الديني والقومي من جهة وبين الفكر الديمقراطي المؤمن بالتنوع, والعيش المشترك. ما سُمي بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنظيم القاعدة في بلاد الشام هما نموذجان للفكر الديني المتطرف في الشرق الأوسط, والذي يضم نتيجة انتشار الأفكار الدينية المتطرفة العشرات بل المئات من المجموعات الأخرى التي لا تختلف عن داعش والنصرة إلا بالاسم وهذه المجموعات مخترقة من أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية. لا بل إن العديد منها تدار بشكل فعلي من استخبارات دول مارقة تشجع الإرهاب والتطرف الديني خدمة لمصالحها.
و كان من الممكن أن يسيطر مرتزقة داعش على الشرق الأوسط لولا أن مشروعهم ووجه بمقاومة شاركت فيها قوى عديدة لكن قوات سوريا الديمقراطية, والتي تشكل وحدات حماية الشعب قوتها الأساسية الأكثر تنظيماً وانضباطاً شكلت قوة فعلية وأساسية على الأرض لتدمير والقضاء على دولة الإرهاب على الأقل في شمال سوريا وخاضت معارك عنيفة للقضاء على ما سميت بعاصمة الخلافة المزعومة. ويمكن القول إن تأثير تحرير الرقة في رمزيته يشبه إلى حد ما سقوط باستيل في الثورة الفرنسية وتحرير القدس في الحروب الصليبية، وسقوط نينوى على يد الميديين. ولو حاول البعض التقليل من قيمة تحرير الرقة لأسباب عنصرية وقومية بغيضة لكنها عالمياً كانت الحدث الأبرز في عام 2017م وهو انتصار ليس لمكون واحد فقط, وليس انتصاراً للكرد على العرب كما يحاول البعض إعطائها طابع قومي وعنصري بل هو انتصار للديمقراطية بجهود كل القوى السياسية والمكونات التي تبحث عن حياة حرة وكريمة بعيدة عن التطرف والإرهاب. لم يكن هدف قوات سوريا الديمقراطية من حملة غضب الفرات تدمير الرقة، ولا الانتقام من أي مكون وكذلك لم يكن هدفها من حملة عاصفة الجزيرة السيطرة على حقول النفط والغاز, ولا السباق مع قوات النظام السوري وحلفاءه من أجل السيطرة على تركة داعش. قوات سوريا الديمقراطية تملك مشروع سياسي للحل في سوريا, وتسعى لنشر الفكر الديمقراطي المؤمن بالتنوع والعيش المشترك والأخوة بين الشعوب.
وتحاول اقناع كل القوى السياسية والمكونات بهذا المشروع من أجل إنهاء الأزمة السورية. وهذا هو هدفها وليس ما يحاول البعض أن يزرعه في عقول الناس حول أهداف قوات سوريا الديمقراطية. فكل التهم من الانفصالية والسعي لتقسيم سوريا والوصول إلى البحر وتشكيل إقليم كردستان سوريا، وتهجير العرب والتركمان وتغيير الديمغرافيا لصالح مكون واحد، والسيطرة على منابع الطاقة والبترول والغاز كلها تهم غير واقعية وغير حقيقية. بدليل أن مشروع الإدارة الذاتية والفيدرالية في شمال سوريا ليس لها أي طايع قوموي وعنصري، ويتشارك كل المكونات وعبر العشرات من التنظيمات السياسية والاجتماعية في بناء نظام توافقي ديمقراطي ليس فيها أي هيمنة لأي مكون معين، ولا إقصاء لأي مكون أخر.
سقوط عاصمة الخلافة المزعومة هي بداية لتغيرات سياسية عديدة في الساحة السورية. فهي ستسرع من العملية السياسية والتوافقات بين القوى من أجل إيجاد حل يرضي المكونات كافة. وكل التهديدات للمشروع الحل الديمقراطي هي مجرد أوهام القومويين الذين يشعرون بنشوة الانتصارات المزعومة رغم أنهم مجرد أدوات بيد قوى إقليمية ودولية تحركهم كيفما تشاء. والفرق هنا هو أن قوات سوريا الديمقراطية ورغم تحقيقها لأكبر نصر معنوي في حربها مع مرتزقة داعش وسيطرتها الفعلية على ربع المساحة السورية ورغم أنها تشكل أكبر قوة معارضة سياسية وعسكرية وميدانية لكنها لا تهدد أحد وتدعو للحوار والحل السياسي بعكس قوات النظام الذي يتوهم أنه حقق انتصارات رغم أن الجميع يعرف أن من يحارب على الأرض فعلياً هم قوات غير سورية لكنها لا تكف عن تهديداتها وكذلك بعكس المجموعات المرتزقة المعارضة التي أصبحت مجرد أدوات بيد الاستخبارات التركية, وتتوهم أن تركيا قادرة على تحقيق كل أوهامها وتبني أحلامها المستحيلة على الوعود التركية .
باختصار الحل الديمقراطي الذي يؤسس نظام شراكة حقيقة بين المكونات والشعوب هو وحده القادر على إنهاء الأزمة من جذورها، وكل الحلول الأخرى هي حلول آنية ومؤقتة ولا تحقق الطموحات, وبالنتيجة تعيق الحل. ولذلك فإن المكونات والقوى السياسية السورية عليها التحاور والجلوس على طاولة الحوار، وليس التهديد بالحرب الذي أثبت ومنذ عام 2011 م أن الحل في سوريا سياسي وليس عسكري .
نورالدين عمر[1]