مظلوم دوغان حافزنا الثوري
كان لذكر أسماء مظلوم دوغان وخيري دورميش وكمال بير في بداية الثمانينيات وقع خاص في نفوسنا لا بل كنا نصاب برعشة ثورية عندما كانت الأحاديث تجري عن نضالهم ومقاومتهم في سجون الفاشية التركية، حين تسريب فيديو محاكمة الخالد مظلوم دوغان كنا نحمل الجهاز وشريط الفيديو ونبحث عن البيوت التي لديها أجهزة التلفزيون ونستسمحهم ليأذنو لنا بعرض الفيديو بعد جمع عدد معين من الأشخاص بالاتفاق مع صاحب البيت، أتذكر جيدا أول بيت نعرض فيه كان بيت المرحوم الحاج عمر عزيز والد الشهيد هاشم كلش. كان والدي أيضا حاضرا وعدد من الأشخاص اللذين يثقون بهم. البعض منهم جهش بالبكاء وهو يرى كيف أن العسكر الفاشي التركي يجرجر مظلوم الذي فقد القدرة على الحركة والوقوف نتيجة التعذيب الوحشي الذي تلقاه. كانت هي المرة الأولى الذي نرى فيه بطلا مدافعا عن وجودنا، بل أن منظر بقية رفاقه لم يكن أفضل منه. لقد خلقت فينا مشاهدة مظلوم أمام الحاكم العسكري التركي رعشة ثورية تحولت فيما بعد إلى رغبة ثورية لمناصرة الهدف والقضية التي دفع مظلوم ورفاقه حياتهم ثمنا لها. لقد فتح اتصالاتنا مع رفاق مظلوم أفاق فكرية وتحررية جديدة أمامنا فبالرغم من أننا كنا ماركسيين ونؤمن بالثورة كطريق لخلاص شعبنا والشعوب المضطهدة الا أن النظرية الثورية المحدثة التي كونتها حزب مظلوم ورفاقه – حزب العمال الكردستاني -حركت فينا نزعة قومية مختلفة عن ما كنا فيه , كنا حتى ذلك التاريخ نطالب المضطهد بان يعيد لنا حقوقنا , كنا نسرد مظلوميتنا لنستدر عطف ظالمنا , كانت الحركة السياسية الكردية بكافة احزابها حركة استجداءيه بالرغم من عملها السري , حركة سلمية لا بل استسلاميه لو شخصناها بشكل دقيق , كانت تراوح في مكانها وتصدر كل شهر أو شهرين منشور من صفحتين تتحدث عن شوفينية بعض أركان النظام ووطنية الرئاسة السورية لأنها تمثل جبهة الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي . كان البعض منا يؤرقه ذلك التوصيف ولكن واقع قيادة الأحزاب كانت ذلك وفيما بعد أدركت بأنهم لو لم يكونوا كذلك لكان معظمهم في السجون. وعند المقارنة بينهم وبين قادة حزب العمال في شريط الفيديو وكيف انهم لم يتنازلوا عن قناعاتهم وأهدافهم وهم بين أيدي جلاوزة النظام الفاشي التركي مع قيادة الأحزاب الكردية اللذين كانوا موظفين لدى الدولة ويقبضون رواتبهم ويزورن المقرات الأمنية لنصل إلى قناعة كم كنا منخدعون وكيف بمن يعيش في كنف النظام سيقول عنه انه نظام ظالم أو دكتاتوري.
لقد بدأنا بمراجعة ذهنيتنا ورؤيتنا وحتى منطقنا،
لأول مرة شعرت بأنني مخدوع، كيف بمن يمنع عني الأحرف الكردية ويفرض علي أن أتنازل عن أصولي القومية ويسجل على هويتي، عربي سوري، أن لا أعاديه.
طرحنا حينها , مجموعة من رفاق الحزب اليساري الكردي الذي كان يترأسه المرحوم عصمت سيدا تشكيل مجموعة مسلحة والبدء باستهداف العناصر الخطيرة والمؤذية للشعب في مناطقنا، زيادة على تخويف المغمورين كي يعودوا إلى مناطقهم ولكن خطئنا أننا أخبرنا القيادة بذلك وكنت مع رفيقين آخرين من اللذين اجتمعوا مع المرحوم عصمت وعرضنا عليه الفكرة. لم يصدق ما قلنا له لا بل بدء يحقق معنا عن مصدر رؤيتنا تلك ومن يقف خلفنا , لن اسرد ما قاله هنا ولكن بعد رجوعنا ندمنا لأننا كشفنا له عن ما كنا ننوي القيام به , ولهذا وبعد ردة فعله المستنكرة والرافضة , تخلينا عن الفكرة وتركنا الحزب لنشكل بعدها عدة مجموعات ثقافية في تواصل وعلاقة مباشرة مع قيادة الحزب العمال الكردستاني في دمشق , كنا نستلهم منهم الاندفاع النضالي والثوري ونعزز قناعاتنا القومية اليسارية , لقد انفصلنا كليا كفكر ورؤية وممارسة وأساليب النضال عن الأحزاب الكردية التي بقيت أسيرة خطها الإصلاحي الاستسلامي معتبرة عدم نضوج الظروف الموضوعية والذاتية , لابل كانت النقاشات الدائرة بينهم لا تتعدى حدود المطاليب الاجتماعية والإنسانية تحت يافطة الحقوق القومية مثل الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية. ولهذا كانت النقاشات تدور حينها حول هل هناك شعب كردي في سوريا أو كرد سوريين بالرغم من وجود ما يثبت على وجود كردستان وأجزاءه الأربعة في مناهج بعض الأحزاب ومنهم اليسار الكردي لكن الأهداف كانت غير ذلك كما ذكرت. وقد أحدث أول كتيب صغير (مشروع جبهة التحرير الوطنية الكردستانية) يصدره حزب العمال الكردستاني زلزالا في العقلية الكردوارية السياسية فقد وجدنا في كتب متداولة بين أيدينا لأول مرة اسم الجزء الجنوبي الغربي من كردستان أو الجزء الصغير من كردستان، لقد كانت انعطافه بالنسبة لنا وأعطتنا حرية البحث عن كيفية إغناء ذلك المفهوم وجعله متداولا.
لم يكن سهلا التخلص من الأثر الكبير للثقافة السائدة أن كان للنظام أو الأحزاب الكردية التي أصبحت عائقا أمام التطور الثوري للحركة في الجزء الصغير من كردستان. لم يكن سهلا أن نرمي إثمال السياسية المترهلة والانطلاق نحو أفق جديد يبدأ من مقاومة مظلوم دوغان ورفاقه وتعريفهم الحديث للقومية ونزعتهم الثورية التحريرية، وقد تجذر هذا الهدف فينا بعد أن اجتمعنا عدة مرات بقيادات الحزب الذي كنا نلتقي بهم في دمشق وفي مقدمتهم جميل بايق وكان ذروة التحول عندما التقينا بقائد حزب العمال الكردستاني عام 1982حيث تحدث لنا عن الخطوات التي علينا القيام بها في تلك الفترة وقد خيرنا بين الانتماء لحزب العمال أو البقاء كأصدقاء.
في تلك الفترة كانت كوادر الحزب يتغلغلون بين جماهير #الشعب الكردي# في الجزء الصغير من كردستان ويكتسبون شعبية متزايدة.
مضى على ذلك التاريخ أكثر من خمسة وثلاثون عاما. وأربعون عاما من عمر الطليعة المتجددة لحركة التحرر الوطنية الكردستانية والتي استطاعت أن تكبر وتنجز وأنقذ الشعب الكردي في شمال كردستان من الإمحاء الإنساني والنكران القومي الذي كانت الآلة الثقافية الفاشية التركية تفرضها عليه وتخيره بين الموت أو التتريك.
حسين عمر[1]